الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٣٦
الامارتين إذا كانتا واقعيين امتنع وقوع التعارض بينهما عقلا وشرعا و إلا لزم تحقق مؤداهما فيلزم الجمع بين المتنافيين وضعفه ظاهر إذ لا ملازمة بين كون الامارة واقعية وبين ثبوت مقتضاها واقعا إذ معنى كونها أمارة واقعية أنها مما اعتبرها الشارع أمارة و نصبها حجة ودليلا ولا ريب أن مثل ذلك مما يجوز تخلفه عن مقتضاه واقعا كخبر الواحد والاستصحاب وشهادة العدلين وأخبار ذي اليد ونحو ذلك فإن نصب الشارع لهذه الأمور أدلة وأمارة أمر مقطوع به مع أنها قد تتخلف عن مؤداها واقعا والفرق بين الامارة الواقعية والامارة عند المجتهد أن ما هو أمارة عند المجتهد لا يلزم أن يكون أمارة بحسب الواقع لجواز أن يتوهم المجتهد حجية ما لم ينصبه الشارع حجة في الواقع ومن المتأخرين من اختار القول بالمنع وفسره بأنه لا يجوز تبليغ الشريعة إلى العبادة تبليغا يؤدي إلى وصول أمارتين متعارضتين في حكم واحد وظاهره نفي تعارض الامارات المنصوبة على سبيل التعادل لا نفي كونهما أو إحداهما أمارة عند التعارض وهذا في الحقيقة إنكار للعيان وفساده مما لا يحتاج إلى البيان وليس في ذلك قدح في التبليغ إذ لا يجب على الله تعالى أن يعصم الرواة عن السهو وتعمد الخطأ ولا تغيير الواقع على وجه يقتضيه الأدلة فالوجه أن ينزل قول من أنكر وقوع التعادل بين الامارتين المتعارضتين على إنكار وقوعه بينهما من حيث الوصف لا من حيث الذات كما يدل عليه ظاهر حجتهم ألا أن يثبت منهم تصريح بالخلاف فيرجع النزاع حينئذ إلى أن الامارات المتعارضة مشتملة على مرجحات معتبرة يمتنع خلوها عنها بحسب الواقع وإن قدر عدم وصول المجتهد إليها لعدم وصول مداركها إليه إذا تقرر هذا فالحق عندي ما ذهب إليه القائلون بالجواز لنا بطلان ما تمسك به المانع على المنع وعدم قيام دليل عليه سواه وقضية عموم ما دل على حجية الامارات الشرعية حجيتها ولو عند التعارض أيضا وهو أيضا مقتضى ما دل على التخيير في العمل بهما لان وجوب العمل بكل منهما على التخيير يستلزم حجية كل منهما لا على التعيين ومعنى حجية كل واحدة منهما لا على التعيين جواز ترك العمل بها إلى الأخرى فقولنا لا على التعيين قيد للحجية إذ معناها وجوب العمل بمقتضى موردها لا للحجة لان الحجية وصف معين يمتنع قيامه بغير معين وإن أريد تعلق الحجة بكل واحدة من غير اعتبار تعيينها كان في معنى حجية كل منهما على التعيين فيلزم التكليف بالمحال وتوضيح ما قررناه يطلب مما حققناه في الواجب المخير احتج المانع بأنه لو جاز ذلك شرعا فإن عمل بهما لزم التكليف بالمحال لأدائه إلى اجتماع حكمين متضادين في موضوع واحد وإن ترك العمل بهما لزم العبث في وضعهما إذ وضع أمارة لا يمكن العمل بها عبث وإن عمل بإحداهما دون الأخرى لزم الترجيح من غير مرجح وهو باطل ولا يذهب عليك أن قولهم في الصورة الثانية إن ترك العمل بهما يلزم العبث في وضعهما إنما يساعد على نفي وضعهما وحجيتهما معا في صورة التعارض لا مطلقا وقد نزلنا كلامهم عليه ولا ينافيه عدم التعرض بلزومه في الصورة الأخيرة بالنسبة إلى الامارة التي لا يعمل بها لكفاية ما ذكر فيه من لزوم الترجيح بلا مرجح إذ لا يلزم استقصاء الأدلة لا سيما مع سبق التنبيه عليه والجواب أنا نختار وجوب العمل بهما على التخيير فلا يلزم الجمع بين المتنافيين لعدم التعيين ولا خلو وضع إحداهما عن الفائدة إذ إمكان الخروج عن العهدة بالعمل بها فائدة وهي مشتركة بينهما ولهذا امتنع التعيين ولزم التخيير وليس ترجيح المجتهد للعمل بإحداهما من حيث كونهما دليلا لمساواته بينهما بل لمرجحات خارجية كما في ترجيح العمل ببعض آحاد الواجب التخييري مع انتفاء المرجح من حيث الوجوب والامتثال بقي في المقام شئ وهو أن قضية ما تمسكوا به على منع الجواز شرعا منعه عقلا أيضا لظهور أن الدليل المذكور عقلي لا شرعي مع أنهم نقلوا الاتفاق على جوازه عقلا وحرروا النزاع في جوازه شرعا ويمكن دفعه بأن المراد بالجواز العقلي مجرد إمكان وقوعه في نفسه وإن كان على خلاف الحكمة أو عدم القطع بامتناعه كما هو المعتبر في العقليات ويمنعه شرعا عدم إمكانه بالنظر إلى الحكمة أو الظن بعدمه كما عليه المدار في الشرعيات القول في التعاديل ولنبدأ قبل الخوض في المرام بذكر الأخبار الواردة في المقام فنقول روى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة إلى أن قال فإن كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث و أورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر قال قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه إلى أن قال قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر بما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا قال ينظر إلى
(٤٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 ... » »»