الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤١٣
المستند إلى التقليد نعم قد يتعذر تحصيل الجزم بطريق التقليد في حق الأذكياء المتفطنين لعدم تعويلهم على غير الدليل كما قد يتعذر تحصيله بطريق النظر في حق القاصرين عن مرتبة النظر بالكلية كبعض ضعفاء العقول إن قلنا بأنهم مكلفون بتحصيل المعارف لكن ذلك خارج عن محل البحث فإن الكلام في صورة الامكان وكون الاعتقاد في حد ذاته غير مقدور لا ينافي كونه مقدورا بواسطة القدرة على أسبابه من نظر أو تقليد وترك النظر فيما يؤدي إلى التشكيك و زوال الاعتقاد فاتضح مما قررنا أنه لا سبيل إلى ما يقال من أن حصول الاعتقاد بقول الغير أمر غير اختياري فلا يصح جعله موردا للتكليف لما عرفت من أنه اختياري بواسطة كون أسبابه اختيارية و لا إلى ما يقال من أن مرجع هذا النزاع إلى اشتراط القطع في الأصول فإن اعتبرناه تعين القول بعدم جواز التقليد لما عرفت من أن التقليد قد يفيد القطع إذا عرفت هذا فقد استدل على القول الأول بوجوه منها أنه تعالى قد ذم الكفار في تقليدهم آباءهم في مواضع عديدة كقوله تعالى ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم وقوله جل شأنه حكاية عنهم في غير موضع إنا وجدنا آباءنا على أمة الآية إلى غير ذلك فلو كان التعويل عليه سديدا مرضيا لما توجه إليهم ذم ولكان لهم المعارضة بجوازه في شرع الاسلام فيتحقق الافحام ولا سبيل إلى دفعه بالفرق بأن هذا تقليد لأهل الحق فيجوز بخلاف تقليدهم لآبائهم لان كلا من المقلدين يعتقد بالتقليد أنه مقلد لأهل الحق فلا يتحقق فارق بالنسبة إلى معتقدهما وتحققه بحسب الواقع لا يجدي في رد الافحام ويشكل بأن هذه الآيات إنما تدل على ذمهم باتباعهم طريقة آبائهم في الفكر وعبادة الأوثان وهذا لا يوجب تحريم الاعتماد على الاعتقاد الحاصل عن التقليد كما هو في محل البحث لجواز أن يكونوا غير معتقدين بحقية طريقة آبائهم وإنما التزموا بها تعصبا وعنادا كما يدل عليه قوله تعالى كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق وقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنها أنفسهم ظلما وعلوا وقوله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وغير ذلك و أيضا من البعيد عادة أن يكون الكفار المذمومون في هذه الآيات على التقليد معتقدين لحقية طريقة آبائهم ولو بالتقليد لوضوح فسادها خصوصا بعد تنبيه الأنبياء لهم على ذلك بالدلائل و المعاجز ولو التزمنا بلزوم القطع بالمعارف كما هو الحق فالاشكال أوضح وقد اعترض على الاحتجاج بهذه الآيات بأنها من باب العام المخصص وحجيته محل كلام ولو سلم فغايته إفادة الظن والمسألة كلامية لا بد من تحصيل القطع فيها مع أن الاستدلال بها إنما يتم على مذهب الأشاعرة دون العدلية إذ إثبات وجوب معرفته تعالى بالنظر بقوله دور ويمكن الجواب عن الأول بجعل الدلالة قطعية بمعونة سوق الكلام أو جعل حجية ظاهرها قطعية لندرة المخالف مع أنا لا نسلم عدم حجية الظن في المقام لأنا إن جعلنا النظر معتبرا في صحة الايمان فلا ريب أن قاعدة دفع الضرر المظنون قاضية بوجوب النظر وللشك في حصول البراءة بالاعتقاد التقليدي فيجب النظر تحصيلا لليقين بالبراءة وأما ما يقال من أن القدر المعلوم وجوب أحد الامرين فالأصل براءة الذمة عن التعيين فواضح الضعف لان القدر المعلوم وجوب أحدهما بالخصوص وهو الاعتقاد عن الدليل فيجب الاقتصار عليه وإن لم يعلم بوجوبه على التعيين للشك في وجوب الاخر وقيامه مقام الأول نظرا إلى احتمال عدم الاعتداد بالاعتقاد التقليدي مع أن العمل بالأصل لا يجوز عقلا وشرعا إلا بعد الفحص عن المعارض وعدم العثور عليه وإن جعلناه واجبا مستقلا فالمنع من حجية الظن فيه غير سديد أما عند القائلين بانسداد باب العلم فلوضوح جريان الدليل المذكور في مطلق التكاليف سواء تعلقت بالجنان أو بالجوارح ولا اختصاص للقاعدة المذكورة بالثاني كما زعم وأما عند غيرهم فلقطعهم بحجية ظواهر الكتاب ولا خلاف فيه بين من يعتد بمقالته منهم وعن الأخير بأن المراد إثبات وجوب النظر بقوله تعالى على من كان مؤمنا بطريق التقليد أو مطلقا تحقيقا للمسألة وبيانا أن الذي حصل الايمان بطريق النظر قد أدى ما وجب عليه مع إمكان الاستدلال بها على غير المؤمن إذا جوز أن يكون ذلك كلامه تعالى إذ يجب عليه النظر حينئذ في طلب الحق دفعا للضرر المظنون ومنها الآيات الدالة على وجوب العلم كقوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا هو ويتم الاحتجاج به بضميمة آية التأسي وكقوله تعالى اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها وغير ذلك فإن العلم على ما صرح به جماعة هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع فاحترزوا بالثابت عن الاعتقاد الجازم المطابق الناشئ عن التقليد فإنه غير ثابت فلا يدخل في العلم ويشكل بأن هذا إن كان تفسيرا للعلم باعتبار الاصطلاح فتنزيل الآية عليه غير سديد وإن كان تفسيرا له باعتبار اللغة والعرف فمساعدة كلمات اللغويين على ذلك غير واضحة كما يظهر بالرجوع إليها والظاهر من المحاورات العرفية أن معنى مطلق الجزم أو الجزم المطابق خاصة هذا واعترض على الآية الأولى بأن المراد التثبت على العلم لأنه صلى الله عليه وآله كان عالما قبل نزول هذه الآية إذ لم يقل أحد أنها أول ما نزلت عليه وبأنه ليس طلبا لتحصيل العلم بل إثبات للعلم وإيجاد له من قبيل قول المعلم اعلم وكذا وهذا يتجه على الآية الثانية أيضا ويمكن الجواب عن الأول بأن وجوب التثبت على العلم يستلزم وجوب
(٤١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 ... » »»