بالحكم بطريق معتبر شرعا فيتناول المقام ويمكن دفعه بأن عمومه معارض بظاهر آية أهل الذكر بناء على عدم تخصيصها بالأئمة عليهم السلام فإن المستفاد منها تعيين الرجوع إليهم عند عدم العلم و شمولها للمقلد إذا كان عالما وللمتجزي إذا كان عالما بنادر من المسائل بعيد جدا وحيث لا قائل بالتفصيل ولا مرجح لتحكيم أحدهما على الاخر يتعين التوقف والرجوع إلى فتوى المطلق تحصيلا للبراءة اليقينية ومنها أن يكون حيا فلا يجوز تقليد الميت مع إمكان الرجوع إلى الحي على ما هو المعروف بين أصحابنا خلافا لشأن فأجاز الرجوع إليه مطلقا ولا يتوهم مما مر حكايته في مسألة الشهرة عن بعض الأصحاب من أن الذين نشئوا بعد الشيخ كانوا يقلدونه في الفتوى لحسن ظنهم به أنهم كانوا يقولون بجواز تقليد الميت فيكون المشهور هو الجواز لما بيناه سابقا من أن متابعتهم للشيخ لم يكن عن تقليد بل عن اجتهاد ومع التنزل فلا بد من فرض عدم كونهم مجتهدين عند أنفسهم للاجماع على عدم جواز التقليد في حق المجتهد بعد الاجتهاد مطلقا وحينئذ فلعلهم كانوا لا يقولون باجتهاد أحد في زمانهم ولا ريب في جواز تقليد الأموات حينئذ مع أن الكلام في مخالفة من يعتد بمخالفته وهؤلاء على تقدير عدم كونهم مجتهدين لا يعتد بمخالفتهم وكيف كان فالأقوى هو الأول لنا وجوه الأول الأصل السالم عن المعارضة لعدم شمول الأدلة الدالة على حجية فتوى المفتي للمفتي الميت فإن منها الاجماع وانتفاؤه في محل النزاع واضح ومنها الضرورة وهي يندفع بجواز الرجوع إلى الحي مع ثبوت المرجح في حقه وهو اليقين بالبراءة معه دون غيره ومنها آية أهل الذكر وهي ظاهرة في الاحياء منهم بقرينة الامر بالسؤال ومنها آية الانذار والمفهوم منها وجوب حذر الفرقة عند إنذارهم وهو لا تكون إلا حال حياتهم ومنها حديث أبان وهو إنما يدل على حجية فتواه لمن استفتاه فيختص بظاهره بمن قلده حال حياته ومنها الأخبار الدالة بفحواها على حجية فتوى من أفتى الناس بعلم وهي إنما تدل على حجيتها في حق مستفتيهم فيختص بظاهرها بمن استفتاهم في حياتهم ولو سلم أن عموم بعض هذه الأدلة يتناول المجتهد الميت فلا ريب أن انعقاد الشهرة العظيمة التي كادت أن يكون إجماعا على خلافه مما يوهن شموله ويقدح في حجيته فيجب الرجوع إلى المجتهد الحي تحصيلا للبراءة اليقينية الثاني الاجماع المنقول على المنع حكاه غير واحد من أصحابنا وهو حجة في مثل المقام على ما مر تحقيقه لسلامته عما يوجب الوهن فيه فإن الغالب تطرق الوهن إليه من جهة وضوح الخلاف وقد مر أن الخلاف في المسألة شاذ جدا فيحصل الوثوق بالنقل المذكور ويمكن التمسك أيضا بالشهرة بناء على حجيتها كما ذهب إليه جماعة فإن هذه الشهرة من أظهر أفرادها وأجلاها لقربها من الاجماع لكن قد مر أن المختار عدم حجيتها ولهذا لم نذكرها في عداد الأدلة و العجب من الفاضل المعاصر أنه مع مصيره إلى حجية الشهرة و الاجماع المنقول ذهب في المقام إلى الجواز وأجاب عن الاحتجاج بهما بوجوه منها أن غاية ما يستفاد من الشهرة والاجماع المنقول الظن بعدم الجواز وقاعدة انسداد باب العلم برهان قطعي على الجواز فلا يجوز تخصيصه بالظن ولو سلم أن القاعدة المذكورة ظنية فالظن المستفاد منها أقوى من الظن الحاصل من الشهرة والاجماع المنقول فيجب تقديمه عليه أقول أما الأول فسيأتي بيان ما فيه عند بيان الاحتجاج بالقاعدة المذكورة وأما الثاني ففيه أن القاعدة المذكورة إن كانت ظنية فإثبات حجية الظن بها واضح البطلان ومنها أن دعوى الاجماع في المسائل الأصولية سيما مثل هذه المسألة في غاية البعد لعدم تداولها بين أصحاب الأئمة وإنما هي من المباحث الحادثة أقول كثير من المسائل الأصولية مشتركة الحاجة بيننا وبين الموجودين في زمن الأئمة كحجية الكتاب وخبر الواحد والاستصحاب وأصل البراءة وغير ذلك فاستبعاده انعقاد الاجماع على المسائل الأصولية بقول مطلق مقطوع الفساد لان الحاجة إلى العمل بالأحكام تمس إلى البحث عن الطرق المقررة إليها لتعذر معرفتها بطريق القطع غالبا وهذا أمر مشترك بيننا وبين أكثر أهل تلك الاعصار لا سيما عند اشتداد أمر التقية وتعذر الوصول إلى الامام كما كان يتفق في حقهم غالبا ولا خفاء في أن أخذ الاحكام من العالم بها بطريق التقليد ليس من الأمور الحادثة في الاعصار المتأخرة بل كان متداولا في زمن الأئمة كما اعترف به الفاضل المذكور وغيره ويدل عليه الأخبار الواردة في باب التقليد كما عرفت ولا ريب أن هذه المسألة من الجزئيات الظاهرة لتلك المسألة بل لا يبعد دعوى عموم البلوى بمعرفتها لكثرة المقلدين في تلك الأزمان ووقوفهم كثيرا على فتوى الأموات فإن زماننا وزمانهم متقاربان في ذلك وحينئذ فأي بعد في اتفاق أهل تلك الاعصار على المنع من تقليد الأموات بحيث يستكشف به عن قول رئيسهم حتى يتجه تطرق المنع إلى الوثوق بنقل ناقله ومنها المنع من حصول الظن بالاجماع المنقول مع حصول الظن من تقليد الميت وهذا الوجه كما ترى يجري في جانب الشهرة أيضا وكأنه ترك التصريح به للوضوح وفيه أنه إن كان وجه المنع أن دليل حجية ظن العامي وإن كان من قول الميت و هو قاعدة انسداد باب العلم أقوى من الشهرة والاجماع المنقول على عدم الحجية فلا يحصل الظن بهما فسيأتي الكلام فيه عند بيان الاحتجاج بالقاعدة المذكورة وإن كان الوجه تنافي الظنين في نفسهما فضعفه ظاهر لتغاير موضوعهما فإن الظن بإصابة الطريق
(٤١٩)