الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٦
جواز التعويل عليه لكونها أبعد عن احتمال الخطأ من الناقصة وربما أمكن عد ذلك فارقا بناء على حجية المستنبط فيفسد من أصله الثاني قضية انسداد باب العلم في الاحكام وبقاء التكليف بها يتعين التعويل فيها على الظن للدلائل التي سبق ذكرها ولا ريب أن المتجزي إذا وقف على دلائل مسألة وظن فيها على خلاف ما ظنه المجتهد المطلق كان قوله عنده وهما ضرورة أن رجحان أحد النقيضين يستلزم مرجوحية الاخر فيتعين عليه الاخذ بمقتضى نظره المظنون وترك قول مجتهده الموهوم وهو المقصود وهذا ضعيف لما حققناه سابقا من أن انسداد باب العلم إنما يوجب جواز التعويل على الطرق الظنية لا على مطلق الظن في الاحكام إذ لا قطع بتحقق التكليف الفعلي بالأحكام الواقعية وإنما المعلوم تحقق التكليف الفعلي بمؤدى طرق معينة وحيث لا سبيل إلى معرفتها بطريق القطع وجب التعويل فيها على الظن الثالث أن ما دل من الكتاب والسنة على حجية الأدلة المقررة في حق المجتهد المطلق يدل بعمومه على حجيتها في حق المتجزي أيضا كقوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة الآية فإن الانذار يعم الانذار بطريق الفتوى والرواية ورجحان الحذر أو وجوبه في حق القوم المنذرين يوجب جواز عملهم بفتواهم وروايتهم خرج منهم المجتهد المطلق بالنسبة إلى العمل بالفتوى و العامي الصرف بالنظر إلى العمل بالرواية ولو في الجملة للاجماع فيبقى المتجزي مندرجا في العموم فيجوز له العمل برواية المنذرين وهو إنما يكون بالاجتهاد وكقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فإنه يدل بمفهومه على عدم وجوب التبيين عند مجئ العادل به و مقتضاه وجوب قبول نبئه والخطاب فيه غير مختص بالمجتهد المطلق فيتناول المتجزي أيضا غاية ما في الباب أن يخرج العامي الصرف لقيام الاجماع على تعيين التقليد في حقه فيبقى الباقي ومن السنة قول الصادق عليه السلام إن العلماء ورثة الأنبياء إلى أن قال إنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا وقوله عليه السلام أحاديثنا يعطف بعضكم على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم و هلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم وقوله عليه السلام الراوية لحديثنا يشب به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد وقوله عليه السلام اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنا وقريب من ذلك ما دل على الحث على حفظ أربعين حديثا مما ينتفع به الناس وبهذه الاخبار تمسك بعض أفاضل المتأخرين ووجه الاحتجاج بها أنها تدل بالصراحة أو الفحوى على الحث الأكيد على الاخذ بأخبارهم و العمل بها وهي مطلقة ليس فيها اشتراط ذلك بأن يكون للاخذ ملكة فضلا عن كونها كلية والجواب أن الآية الأولى كما تدل على جواز العمل المتجزي بروايتهم كذلك تدل على جواز العمل بفتواهم ولو في محل الاجتهاد والاجماع منعقد على تعيين أحد الامرين عليه إذ الظاهر عدم قائل بالتخيير فترجيح الأول تحكم مع أن الحكم فيها بحسب الظاهر منصرف إلى الموجودين حال الخطاب فتعميمه إلى غيرهم يستدعي دليلا وهو منتف إذ لا إجماع في محل النزاع وأخبار الاشتراك في التكليف لا يفيده هنا لوجود الفارق كما سننبه عليه وبهذا يظهر الجواب عن الآية الثانية على تقدير تسليم دلالتها على المقصود ومثله الكلام في قوله جل شأنه إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية وقد تقدم الكلام في هذه الآيات والجواب عن الاخبار أما عن الرواية الأولى فبأن المراد بأحاديثهم عليهم السلام كما يدل عليه المساق أقوالهم التي ساقوها في مقام التعليم و البيان والاخذ بشئ منها لا يصدق في الظاهر إلا على الاخذ بما علم أنه منها أو بما ظن ظنا قام على قيامه مقام العلم مطلقا أو عند تعذره قاطع والثاني في حق المتجزي ممنوع والأول مع ندرته إنما يصدق معه في الظاهر الاخذ بها إذا علم بالمراد أو ظن ظنا قام على قيامه مقام العلم قاطع والثاني في حق المتجزي ممنوع والأول خارج عن محل البحث إذ الكلام في حجية ظن المتجزي لا علمه وبهذا البيان يتضح الجواب عن الرواية الثانية وأما عن الثالثة فبأن إطلاقها معارض بإطلاق آية النبأ في غير ما علم فيه بعدالة رجال السند أو ظن ظنا قام على قيامه مقام العلم قاطع والثاني في حق المتجزي ممنوع والأول نادر جدا ومع ذلك يجري الكلام المتقدم في الدلالة ومما ذكرنا يظهر الجواب عن البواقي مع أن التمسك بها لا يتم إلا إذا جعلت دلالتها على حجية أخبار الآحاد مطلقا من باب المتواتر بالمعنى وهو ممنوع الرابع أن المعاصرين لزمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كانت طريقتهم العمل بالاخبار التي ترويها العدول والجمع بين ما تعارض منها بالطرق المقررة كحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ومع التعذر كانوا يأخذون بالأقوى والأرجح على الوجه المقرر في الاخبار وهذه الطريقة لم يختص بمن كان منهم مجتهدا مطلقا متمكنا من معرفة جميع الأحكام أو جملة يعتد بها منها بالنظر و الاجتهاد بل كانت مشتركة بين الجميع من البالغين هذه الدرجة و القاصرين عنها فكان حالهم بالنسبة إلى الاخبار التي تروى لهم عن النبي والأئمة عليهم السلام كحال المقلدين في هذا الزمان بالنسبة إلى الفتاوى التي تروى لهم عن المجتهدين فإنها أيضا قد تشتمل على عام وخاص ومطلق ومقيد ونحو ذلك فيجمع بينها بالوجه المقرر وقد يتعارض بحيث يتعذر الجمع فيؤخذ بقول الأعدل و الأوثق ويطرح الاخر ثم منهم من يتمكن من استعمال ذلك في جميع الأحكام فيستعمله في الجميع ومنهم من يتمكن منه في بعض دون بعض فيقتصر على ما يتمكن منه وبالجملة فأولئك الذين كانوا في زمن الأئمة عليهم السلام كانوا إذا اجتهدوا في أخبارهم ورواياتهم كان مؤدى اجتهادهم حجة في حقهم وإن عجزوا عن
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»