مختلفة وألفاظ متفاوتة إلا أنها مشتركة الدلالة على ما ذكرناه فهي متواترة بالمعنى وقد يستدل بما روي عنه صلى الله عليه وآله إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد فإن هذه الرواية قد تلقتها الأمة بالقبول ويشكل بأنها إنما تدل على أن المجتهد قد يخطئ ولا نزاع فيه على ما علم من تحرير محل النزاع إلا إذا قيل بأن المخطئ فيما عليه قاطع غير معذور وهو غير مرضي ومنها أنه قد تقرر عند العدلية أن أحكامه تعالى تابعة لمصالح واقعية في مواردها لاحقة لذواتها أو لوجوه واعتبارات طارئة عليها و إن كان لحوق تلك الأحكام لها مشروطة بعلم المكلف أو ما في حكمه وحينئذ فما من واقعة إلا ولها حكم معين يتوقف تعلقه بالمكلف على زوال جهله ولا نعني بالحكم الواقعي إلا ذلك ومنها أنه لو أصاب كل مجتهد لزم الجمع بين المتنافيين وهو قطعه بالحكم ما دام ظانا والقطع والظن متنافيان لا يتواردان على محل واحد ولا يلزم ذلك على المخطئة لتغاير المحل عندهم إذ مورد الظن نفس الحكم ومورد القطع وجوب البناء عليه أو مورد الظن الحكم الواقعي ومورد القطع الحكم الظاهري وهما متغايران فإن قيل مورد الظن على التصويب كون الدليل دليلا وموضع القطع الحكم المستفاد منه فيتعدد المحل أيضا قلنا فيتوجه الاشكال إلى الدليل فيلزم كونه قاطعا به ما دام ظانا فإن كون الدليل دليلا من الأحكام الشرعية الوضعية وإن كانت أصولية إلا أن يقال إنما يقول الخصم بالتصويب في المسائل الفرعية فقط فيندفع عنه الاشكال بالبيان المذكور ويمكن دفعه على الأول أيضا بعد المنع من عموم وروده لاختصاصه بالقاطع بالتصويب المتذكر له حال الاجتهاد بأن المعتبر في الاجتهاد على هذا التقدير ليس فعلية الظن بل ما كان ظنا مع الاغماض عن أدلة التصويب فلا إشكال ومنها ما ذكره العلامة من أن الاختلاف في الحكم يتبع الاختلاف في اعتقاد رجحان إحدى الامارتين على الأخرى و لا يخلو إما أن يكون لإحداهما رجحان على الأخرى أو لا فإن كان الأول كان القول برجحان المرجوح خطأ وإن كان الثاني كان كل من الاعتقادين خطأ وكيف كان فلا يكون كل واحد مصيبا ويشكل بأن الترجيح إنما يتحقق إذا لاحظ كل منها أمارة صاحبه ولاحظ النسبة التي بينهما لامتناع حصول الاعتقاد برجحان إحداهما بدون ذلك وذلك غير لازم لامكان الغفلة عن أمارة صاحبه أو عن نسبة أمارته إليها سلمنا لكن الخطأ في اعتقاد الرجحان لا يوجب الخطأ في اعتقاد الحكم مع أن النزاع إنما هو في الثاني إن خصصنا موضع النزاع به وإلا كان الدليل مصادرة إذ القائل بالتصويب لا يسلم حينئذ رجحان إحدى الامارتين في نفس الامر وإنما يسلم رجحانها في نظر المرجح وهو لا يوجب كون الأخرى خطأ في حق من يترجح في نظره كيف وهو ينافي البناء على التصويب ومنها ما ذكره العلامة أيضا وهو أن المجتهد إما أن يكون مكلفا بالحكم عن الدليل أو لا والثاني باطل لأنه إن كان مكلفا بحكم معين في الواقع كان تكليفا بالمحال وإن كان مكلفا بحكم لا على التعيين كان قولا في الدين بمجرد التشهي وهو فاسد فتعين الأول وحينئذ فالدليل إن كان خاليا عن المعارض كان تاركه مخطئا و إن كان له معارض فإن ترجح أحدهما على الاخر كان الاخذ بالمرجوح مخطئا وإن تساويا كان الاخذ بكل منهما مخطئا لتعيينه ما ليس بمعين وعلى التقديرين لا يكون الجميع مصيبا ويشكل بأن القائل بالتصويب إن عمم الدعوى إلى المباحث الأصولية كان الدليل المذكور مصادرة إذ يكون كل مجتهد حينئذ مكلفا بالعمل بما هو دليل عنده وليس في نفس الامر أمر سواه فيكون الاعتبار بخلوه عن المعارض عنده أو رجحانه عنده ومع التساوي يتخير ويكون ذلك ما في نفس الامر فلا يلزم التخطئة وإن خص الدعوى بالمباحث الفقهية فلا يلزم من خطائه في الترجيح خطاؤه في الحكم حجة المصوبة وجوه منها أنه لو كان لله تعالى في الواقعة المبحوث عنها حكم معين لكان ما أنزل الله فيها هو ذلك الحكم فيكون الحاكم بغيره عند الخطأ في الاجتهاد فاسقا وكافرا لقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون وقوله جل شأنه و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والتالي باطل للاجماع على عدم كفره وفسقه فيبطل المقدم أيضا وأما إذا تجردت الواقعة عن الحكم لم يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل الله إذ لم ينزل في الواقعة ما يغاير فتواه بالنسبة إليه ليصدق أنه لم يحكم به و الجواب أما أولا فبالنقض بما لو أخطأ المجتهد بعد بذل وسعه في الاحكام التي عليها قاطع فإنه لا نزاع في تخطئته حينئذ مع أنه لا يكون بذلك كافرا ولا فاسقا وأما ثانيا فبالحل وهو أنه تعالى حيث أنزل مدارك المجتهد كان حكمه بحسب تلك المدارك حكما بما أنزل الله تعالى إذ لا يعتبر نزول الحكم من حيث الخصوصية بل يكفي نزوله ولو بعنوان علم ولا يقدح وقوع الخطأ فيها باعتبار الايصال إلى الحكم الواقعي كما لا يقدح وقوع الخطأ في الشهادة ونحوها كذلك مع أنه تعالى قد أنزل وجوب الحكم بمقتضاها وبالجملة فقد أنزل الله تعالى أحكاما واقعية وظاهرية فالحاكم بأحدهما حاكم بما أنزل الله تعالى سلمنا لكن عموم الآية معارض بما دل على حجية مدارك المجتهد كالآيات الدالة على حجية خبر الواحد فيجب تخصيصها بما عداها ومنها أنه لو أخطأ المجتهد لزمه العمل بمقتضى ظنه و حينئذ فأما أن يلزمه ذلك مع بقاء الحكم الواقعي في حقه فيلزم التكليف بالمحال أو اجتماع الضدين وكلاهما محال أو بدونه فيلزم أن يكون العمل بالحكم الخطأ واجبا وبالصواب حراما وهو محال و الجواب أما أولا فبالنقض بما لو أخطأ في الاحكام التي قام عليها قاطع ولم يقف عليه بعد الفحص والتتبع فإنه يجب
(٤٠٧)