الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٧
في الكل أو في جملة يعتد بها كما أن المقلدين في زماننا هذا إذا اجتهدوا في معرفة فتاوى المجتهد كان مؤدى اجتهادهم حجة في حقهم وإن عجزوا عن الاجتهاد في الكل أو في جملة يعتد بها نعم فرق بينهما من حيث إن عنوان المجتهد بالمعنى المصطلح عليه لا يصدق على المجتهد في معرفة فتاوى المجتهد بخلاف المجتهد في معرفة أخبار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وهذا لا مدخل له في إثبات ما نحن بصدده من إثبات الحجية وإذا ثبت جواز التجزي في زمنهم عليهم السلام بتقريرهم لأهل زمانهم عليه وإرشادهم إليه ثبت جوازه في حق من عداهم لان حكم الله في الأولين حكم الله في الآخرين إلى غير ذلك مما دل على الشركة في التكليف والجواب أن المجتهد في أمثال زماننا يحتاج في استنباط الاحكام عن مداركها إلى إعمال ظنون لم يثبت إعمال المعاصرين لزمن النبي والأئمة عليهم السلام لها بل ثبت عدمه كالتعويل في التعديل وتميز المشتركات على قول الواحد أو قول من عقول فيه على قول غيره أو على الشواهد الاستنباطية والامارات الاستحسانية والحدسية وفي المتن على نقل لغوي غير معدل أو من يعتمد في نقله عليه ومع التعارض على ترجيحات ظنية وعند احتمال طرو النقل أو وجود الامارات الموجبة لرد المقبول أو قبول المردود على أصالة العدم ولا ريب أن الموجودين في الصدر الأول كانوا متمكنين من استعلام عدالة الراوي وتعيينه بالطرق المعتبرة في الشهادة وكانت الأوضاع معلومة لديهم غالبا بطريق القطع لكونهم من أهل الاستعمال وكانوا كثيرا ما يعثرون على القرائن والامارات الموجبة لكمال الوثوق برواية الضعيف أو عدمه برواية الثقة وحيث كانوا لا يعثرون بالامارات كان لهم وثوق بعدمها لحضورهم وقرب عهدهم وبالجملة فاختلاف المدارك والامارات بيننا وبينهم قلة وكثرة قوة وضعفا أوضح من أن يحتاج إلى بيان وأجلى من أن يطالب عليها برهان وحينئذ فجواز تعويل المتجزي في ذلك الزمان على الامارات المتداولة بينهم لا يوجب جواز تعويله في زماننا على الامارات المتداولة بيننا لان تقريرهم عليهم السلام إنما ثبت في حق ظنون خاصة فلا يتسرى إلى غيرها وأيضا فالذي يظهر أن المتجزي في ذلك الزمان ما كان يتعين عليه العمل بالاجتهاد بل كان مخيرا بينه وبين التقليد فكان يعمل بما يصادفه من الرواية و الفتوى كما يدل عليه إطلاق آية الانذار والظاهر من أصحابنا في المقام تعيين أحد الامرين عليه إذ لا قول ظاهرا بالتخيير فيكون ترجيح الاجتهاد تحكما محضا وكان الفارق أن العمل بالرواية ما كان متيسرا في ذلك الزمان للعامي لعلمه بنقل الفتوى في زماننا هذا بخلاف عمله بالرواية في زماننا هذا فإنه يتوقف على استحضار مقدمات يعجز عنها العامي الخامس أن قضية الأصل وعموم ما ورد من ذم الكفار على تقليد آبائهم كقوله تعالى ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم وقوله تعالى حكاية عنهم إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون حرمة العمل بالتقليد مطلقا خرج الغير المتمكن من الاجتهاد بالاجماع فيبقى المتجزي بالنسبة إلى ما يتمكن فيه من الاجتهاد تحت الأصل والعموم فيتعين عليه العمل بالاجتهاد فيه إذ لا قائل حينئذ بغيره والجواب أن التقليد كما يحرم عليه بقضاء الأصل وعموم آية الذم على التقليد بناء على عدم اختصاصها بالعقائد و الأصول كذلك يحرم عليه العمل بالظن بالأصل وعموم آيات الذم على العمل بالظن والعمل بالاجتهاد عمل بالظن كما عرفت من تعريفه و حينئذ فكما يمكن التمسك بتحريم الأول على جواز الثاني إذ لا قائل معه بغيره كذلك يمكن التمسك بتحريم الثاني على جواز الأول إذ لا قائل أيضا معه بغيره فيسقط الاحتجاج إذ لا ترجيح لا يقال آية الذم على العمل بالظن يتناول التقليد أيضا إذ المقلد لا يستفاد له من التقليد إلا الظن فلا بد من تخصيصها على التقديرين فيبقى آية الذم على التقليد بلا معارض لأنا نقول جواز التقليد ليس منوطا بالظن بل من حيث كونه تقليدا ولو قدر حصول ظن به فمن المقارنات الاتفاقية التي لا مدخل لها في جواز التقليد فلا يلزم تخصيص آية الذم على العمل بالظن على تقدير العمل بالتقليد السادس رواية أبي خديجة عن الصادق عليه السلام انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته عليكم قاضيا فتحاكموا إليه و وجه الدلالة أن قوله عليه السلام شيئا نكرة في الاثبات فلا يعم و الجواب أن الرواية ضعيفة بأبي خديجة فلا يصلح الاستناد إليها و انجبارها بالشهرة ممنوع كما عرفت مع إمكان القدح في دلالتها باحتمال أن يكون من بيانية وإن بعد أو أن المراد بالعلم هنا العلم الفعلي كما هو الظاهر فلا ينافي اعتبار ملكة الجميع كما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة من حيث تعليق الحكم فيها على الوصف إما لاعتباره في نفسه كما يراه جماعة أو لمساعدة المقام عليه حيث إن المقصود تعريف الرجل الذي يصح الرجوع إليه فاشتبهت القيود المذكورة قيود الحد في إفادة الاحتراز والدلالة على الانتفاء عند الانتفاء فإن قلت يمكن حمل المعرفة في مقبولة عمر بن حنظلة أيضا على المعرفة الفعلية كما هو الظاهر فيراد بالأحكام بعضها لتعذر الإحاطة بالجميع فيطابق رواية أبي خديجة وينهض حجة على جواز التجزي وذلك لدوران الامر بين التجوز في المعرفة أو التخصيص في الاحكام وقد تقدم في تعارض الأحوال رجحان التخصيص على غيره من أنواع المجاز قلت حمل المعرفة على ملكتها القرينة منها حمل شائع وحمل الاحكام على الجنس أو البعض المتناول لمثل الحكم الواجد ليوافق القول بالتجزي حمل بعيد وما يقال من أنه إذا دار الامر بين التخصيص والمجاز رجح التخصيص فليس على إطلاقه بل يختص بالتخصيص المتداول على أن الخطاب المذكور متوجه إلى الموجودين حال الخطاب وثبوت حجية ظن المتجزي منهم لا يقضي بحجية ظن المتجزي من غيرهم كما نبهنا عليه مع أن العلم ظاهر في اليقين ولا يقين للمتجزي في المسائل الظنية ما لم يثبت
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»