فيبقى الاطلاق سليما في الباقي وقد تقدم الكلام في هذه الآيات و كالاخبار الدالة على ذلك منها قول أبي جعفر عليه السلام لأبان ابن تغلب اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك وعن الصادق عليه السلام من علم خيرا فله أجر مثل من عمل به قلت فإن علمه غيره يجري ذلك قال إن علم الناس كلهم جرى له قلت فإن مات قال وإن مات فإنه بعمومه يتناول الفتوى و الرواية وعن الرضا عليه السلام يقال للفقيه يعني يوم القيامة يا أيها الكافل لأيتام آل محمد صلوات الله عليهم الهادي ضعفاء محبيهم و مواليهم قف حتى تشفع لكل من أخذ منك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة ومعه فئام وفئام وفئام حتى قال عشرا وهم الذين أخذوا عنه علومهم وأخذوا عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة فإنه كسابقه يعم الاخذ بطريق الفتوى والرواية لكن يشكل بأن تعميمها إلى الفتوى يستلزم جواز تقليد الأموات كما يدل عليه قوله عليه السلام عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة وهذا غير مرضي عند الأكثر ويمكن دفعه بأن المراد من أخذهم عمن أخذ ما يعم الفتوى والرواية وتعليم كيفية الاستنباط فيخص الاخذ بالفتوى بحال الحياة جمعا بينه وبين الوجوه الآتية في محلها وفي مقبولة عمر بن حنظلة انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فلترضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله بناء على تعميم الحكم إلى ما يتناول الفتوى ولا ينافي ذلك ورودها في مقام المنازعة لان المتداعيين قد يتفقان في الموضوع ويختلفان في الحكم من غير بصيرة فيكتفيان بالفتوى من غير حكومة وقريب منها رواية أبي خديجة قال بعثني أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابنا فقال قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى بينكم في شئ من الاخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلا ممن عرف حلالنا و حرامنا فإني قد جعلته قاضيا الحديث إلى غير ذلك و إنكار بعض من لا تحقيق له من الفرقة الموسومة بالأخبارية حقيقة أمر الاجتهاد بالكلية لزعمهم أن الاخبار قطعية المتن والدلالة فلا سبيل إلى الاخذ بالظنون الاجتهادية مكابرة بينة ومباهلة جلية وهل هو إلا قول زور أو كلام صدر من غير شعور ولقد أغنى في فساده العيان عن إقامة الحجة عليه والبرهان وتشبثهم في ذلك بما ورد في الكتاب العزيز من الذم على اتباع الظن وما ورد في الاخبار من النهي عن القول برأي مدفوع بأن الذم على اتباع الظن في أصول الدين أو الظن الذي لا دليل على جواز اتباعه فإن اتباع الظن الذي قام دليل قاطع على وجوب اتباعه اتباع لذلك الدليل القاطع عند التحقيق دون الظن وقد سبق الكلام في ذلك والرأي عبارة عن القول بالهوى والتشهي أو القياس والاستحسان فإن الاخذ بالكتاب والسنة أو ما يرجع إليهما لا يسمى قولا بالرأي ومثل ذلك منع البعض من جواز التقليد وسيأتي الكلام فيه فصل وأما القسم الثاني وهو المتجزي في الاجتهاد فقد وقع البحث فيه في مواضع الأول في إمكانه فقد أطبق المحققون على الظاهر على إمكان بلوغ الناظر في الأحكام الشرعية درجة من العلم بحيث يتمكن من معرفة بعض الأحكام أو قليل منها عن أدلتها المقررة مع قصور نظره عن معرفة البواقي وهذا هو الحق بدليل وقوعه المعلوم بالوجدان والمشاهدة والاعتبار فإن مسائل الفقه ليست على حد سواء بل متفاوتة وضوحا وغموضا ولا يلزم من الاقتدار على تحصيل الواضح منها الاقتدار على تحصيل الغامض و كذلك أطبقوا على أن صاحب الملكة يتمكن من الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض فإن الاجتهاد في الاحكام تدريجي الحصول ولا يتوقف الاجتهاد في مسألة على الاجتهاد في بقية المسائل وخالف بعضهم فزعم أن من لا إحاطة له بالجميع يجوز تجويزا مساويا في كل مسألة يقف على مداركها ودلائلها الظنية أن يكون في جملة ما لا يحيط به من الدلائل ما يعارض من تلك الدلائل التي وقف عليها على وجه يساويها أو يترجح عليها فلا يحصل له ظن منها وهذا مع كونه قريبا من المكابرة مردود أما أولا فبالنقض بالمجتهد المطلق إذ المعتبر فيه إنما هو الملكة لا الإحاطة الفعلية فيتأتى في حقه الاحتمال الآتي في حق المتجزي لتساويهما في منشئه فإن وجود الملكة لا يوجب الاطلاع على المعارض ولعل المانع يطرد المنع إلى العام الثاني أيضا كما ينبئ عنه حجة وأما ثانيا فبالحل وهو أن الظن بعدم المعارض كثيرا ما يعرف بالفحص في مظانه أو بتصريح المتفحصين به فلا يتوقف على إحاطة الجميع مع أن إحاطة الجميع لا تنافي مرتبة المتجزي لامكان إحاطته بها على وجه يعلم بعدم تعلقها بمقصوده و إن عجز عن تحصيل مقتضياتها وما يترتب عليها الثاني في حجية ظنه في حقه وهو موضع خلاف بين القائلين بإمكانه فذهب قوم إلى القول بالحجية وذهب آخرون إلى إنكارها وربما نسب القول الأول إلى الأكثر والظاهر أنه وهم وإن شئت توضيح المقام فاعلم أن التجزي يطلق على معان أحدها أن يتمكن المجتهد من تحصيل الظن المعتبر عنده في جملة من الاحكام ويعجز عن تحصيل الظن في جملة منها إما لعدم وقوفه فيها على الدليل بعد الفحص المعتبر أو لتعارض الأدلة عنده بحيث يعقلها ويعرف محصلها على وجه يعتد به في عرف أهل الصناعة ولا يرى لبعضها رجحانا فيتوقف ولا ريب أن المتجزي بهذا المعنى مجتهد مطلق إن لم يكن كثير التوقف بحيث يخرج عن طريقة أهل العلم فيجب عليه العمل في موارد الظن بمقتضى ظنه وفيما لا دليل عليه على ما بنى عليه في حكمه من العمل بالأصل والاحتياط ويبني في موارد التعارض
(٣٩٤)