في جواز التجزي هذا ولقائل أن يقول لا نسلم حجية ظن من كان مجتهدا مطلقا في الأصول بالنسبة إلى المسائل الظنية منها ما لم يكن مجتهدا مطلقا في الفقه اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع ثبت فيه الوفاق ولأن العمل بالظن حيث لا دليل عليه بالخصوص مبني على انسداد باب العلم وبقاء التكليف ولا دليل على أن من لا يكون مجتهدا مطلقا في الفقه مكلف بالبناء على حجية الأدلة الظنية أو جواز الاخذ بمقتضاها نعم لو ثبت جواز التجزي في الفقه لزم منه جواز تعويله على الظن فيما يفتقر إليها فيه لكن يبقى معه إشكال الدور بحاله ولا يخفى ما فيه فإن ظنيات علم الأصول كظنيات العلوم العربية فكما يصح تعويل العارف الخبير بتلك العلوم على الظنون المقررة فيها وإن لم يكن له خبرة بعلم الفقه فكذلك الحال في الأصول ثم لا نسلم أن رجوعه في ذلك إلى فتوى المجتهد يوجب الخروج عن محل الفرض إذ المقصود إثبات جواز التجزي بأي وجه كان كما يساعد عليه إطلاق العنوان هذا وتحقيق المقام أن المتجزي أن قطع بحجية ظنه تعين عليه البناء عليه كما أنه لو قطع بعدم حجيته تعين عليه التقليد لكن يبعد فرض القطع له في ذلك لانتفاء ما يوجبه و لتصادم الأدلة من الجانبين فغاية ما يمكن فرضه في المقام حصول ظن له بأحد الامرين أو قيام ما يظن حجيته عنده عليه والتحقيق حجية هذا الظن في حقه لانسداد باب العلم عليه مع قطعه ببقاء التكليف فإن ذلك يوجب فتح باب الظن عليه فيعول على ظنه بأحد الامرين أو بدليله إن عثر به والمعتمد هو الثاني وقد مر تحريره في مبحث حجية خبر الواحد وقد عرفت مما حققناه رجحان أمارة التقليد في حق المتجزي بعد التقليد ورجحان أمارة جواز التجزي في حق المجتهد المطلق المتسافل إلى درجة التجزي قضاء لحكم الاستصحاب في حق كل منهما وأما من بلغ متجزيا فقد عرفت تعارض الأدلة في حقه مطلقا أو بالنسبة إلى الحكم التكليفي وقضية ذلك التخيير في مورد التعارض ثم إن أصاب المتجزي في فكره وساعد نظره على ما ذكرناه بنى عليه وإلا فاللازم عليه الاخذ بمقتضى نظره ولو عجز عن الاجتهاد في مسألة التجزي تعين عليه الرجوع فيها إلى المجتهد المطلق لان ذلك وظيفة الجاهل العاجز ولا يجوز له العمل بالاجتهاد أو التقليد حينئذ فيما يمكنه الاجتهاد فيه قبل المراجعة كما لا يجوز له ذلك قبل الترجيح فإن قلد من أفتى له بالتقليد قلد ولا إشكال وإن قلد من أفتى له بجواز التجزي فالظاهر جواز تعويله على نظره فيتركب مأخذ الحكم عنده من الاجتهاد و التقليد ويظهر من صاحب المعالم استبعاد ذلك من حيث إنه غير معروف وعلى تقديره فليس لمن قال بجواز التجزي أن يفتي لمقلده به بل يتعين عليه أن يعين التقليد فيرجع قوله بجواز التجزي إلى أن المتجزي إن ساعد نظره وأصاب فكره رجح جواز التجزي أو أنه يجوز له التجزي على تقدير إصابته لذلك من غير طريق التقليد و لو علم المتجزي بذلك ولو بظن معتبر عنده سقط عنه التقليد في ذلك وتعين عليه التقليد في الفقه ابتدأ الثالث في حجية نظره في حق غيره والحق عدم حجية له بناء على حجيته في حق نفسه مع التمكن من الرجوع إلى المجتهد المطلق للأصل ويظهر من رواية أبي خديجة المتقدمة بناء على ما فهموا منها جواز المرافعة إليه في الحكومات و هو يستلزم جواز المراجعة إليه في الفتوى أيضا فيما يظهر من الأصحاب لكن قد عرفت ضعف الرواية سندا ودلالة وعدم نهوضها دليلا وحجة نعم لو تسافل المجتهد المطلق إلى التجزي وقلده حال الاطلاق اتجه القول ببقائه على تقليده ما لم يرجع عنه للأصل السالم عن المعارض وفي بقائه عليه مع رجوعه عنه حال التجزي وجهان و لو دار الامر بين تقليد المتجزي أو الميت قدم المتجزي لأنه أقرب الامارتين لمصير جماعة إلى القول بحجية قوله بخلاف الميت وكذا الكلام في المتجزي إذا دار الامر بين عمله باجتهاده أو تقليد ميت و على هذا فقد يجب عليه التقليد فيما يعتبر فتواه فيه بالنسبة إلى غيره كما إذا سبق منه تقليد حي أو قلد من ثبت عنده اجتهاده أو عدالته ولم يتحقق ذلك بالنسبة إلى غيره فصل يعتبر في المجتهد المطلق أن يكون متمكنا من استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من مآخذها وذلك يتم بأمور منها معرفة اللغة والنحو والتصريف لان من جملة الأدلة الكتاب والسنة وهما عربيان لا يمكن معرفة معانيها إلا بالعلوم المذكورة فلا بد من الاطلاع عليها قدر ما يتوقف معرفة مواضع الحاجة منها عليه ولا يلزم استحضار مباحثها المحتاج إليها بل يكفي تمكنه من الاستعلام ولو بمراجعة كتاب معتمد عليه ويدخل في معرفة اللغة معرفة المعاني العرفية الثابتة في زمن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ثم هذا الشرط إنما يعتبر غالبا بالنسبة إلى أمثال زماننا حيث اندرس فيه اللغة العربية وانحصر سبيل معرفتها في المراجعة إلى الكتب المدونة وأما بالنسبة إلى العرب الموجودين في زمن النبي والأئمة عليهم السلام فلا حاجة لهم إلى معرفة هذه العلوم المحررة وكذا الحال في جملة من الشرائط الآتية ولو أريد بهذه العلوم غاياتها اشترك وجه الحاجة بين الجميع وزاد بعضهم فيها معرفة علم المعاني والبيان لتوقف معرفة جملة من النكات التي لها مدخل في معرفة المعنى و تميز الأفصح عن الفصيح والفصيح عن غير الفصيح في مقام التعارض على العلم المذكور وهو حسن لكن كثيرا ما يستغني بوجدانه الذكي المتدرب في طرق المحاورات عن الرجوع إلى العلم المذكور ومنها معرفة ما يبتني عليه صورة الاستدلال من المباحث المنطقية تمييزا بين صحيح الدليل وفاسده ومنتجه وعقيمه وربما يقل الحاجة إليها لان الغالب في مقام الاستدلال صوغ الدليل على هيئة الشكل الأول أو القياس الاستثنائي وكلاهما متضحا الانتاج فيندر موارد الاحتياج و منها معرفة ما يتوقف عليه
(٤٠٠)