الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٣
الفساد فإن قضية التعليل المذكور في هذه الموارد حجية مطلق الظن و باحتجاج العلامة بالشهرة في بعض مسائل الدفن وتردده في إلحاق غير صوم شهر رمضان من الصوم الواجب به في بطلانه بتعمد الجنابة من جهة الأصل وإطلاق كلمات الأصحاب فلو لا أن الظهور المستند إلى كلمات الأصحاب حجة عنده لما كان للتردد وجه إذ التردد إنما يكون عند تعارض الأدلة وانتفاء المرجح أقول أما احتجاج الشهيد رحمه الله على العمل بالظن في المقام الأول برجحانه فيمكن أن يكون ناظرا إلى توقف تحصيل اليقين بالبراءة عليه لا سيما إذا قلنا بعدم وجوب مراعاة الترتيب عند الشك مطلقا أو كان ذلك مع كثرة الفوائت بحيث يتعذر أو يتعسر تحصيل اليقين بمراعاة الترتيب بينها بالتكرير إذ مع الظن بالتقدم يحتمل وجوب العمل بمقتضاه فينبغي العمل بمقتضاه لتحصيل العلم بالبراءة خصوصا على القول بعدم جريان أصل العدم في ماهية العبادات وأما احتجاجه بقوة الظن على حجية الشهرة فهو لا يقتضي القول بحجية مطلق الظن كما زعم بل خصوص الظن القوي بدليل استناده إلى قوة الظن لا إلى مجرد الظن ومع ذلك فيمكن أن يكون اعتماده في حجية الشهرة على عموم قوله عليه السلام خذ بما اشتهر بين أصحابك بناء على شموله للفتوى ويكون التعليل بقوة الظن للتقريب والتأييد وكثيرا ما يوجد في كلامهم الاحتجاج بالمؤيدات والمقربات مع ترك ذكر الدليل تعويلا في ذلك على الوضوح ونحوه ويمكن أن يريد بقوة الظن كون الظن الناشئ من الشهرة ظنا متاخما للعلم بحيث يطمئن به النفس فيكون من أقسام العلم العرفي المعتبر في جميع الموارد كما ادعاه بعضهم في إخبار الثقة ويكون الفرق بينه وبين الاجماع باعتبار أن الحاصل في الاجماع العام وفي الشهرة الظن القريب إليه وأما احتجاج العلامة في مسألة الاستصحاب بالظن فقد تقدم الكلام فيه و يمكن تنزيله على التقريب أو للرد على العامة ومع الاغماض عن ذلك فنسبة الغفلة إلى العلامة في هذا الاحتجاج أقرب من الاحتجاج بكلامه وقد يوجد في كلام مثل العلامة والشهيد الاحتجاج في بعض المسائل بما ظاهره قياس مستنبط محض حتى شنع عليهم صاحب الفوائد المدنية بذلك ولكن العارف بمذاقهم يعلم أنهم قصدوا بذلك التقريب أو الرد على العامة بما يتم على مذهبهم أو أنهم يدعون في ذلك تنقيح المناط و إن خفي علينا لا أنهم يرونه قياسا مستنبطا ومع ذلك يعملون به وعلى هذا ينزل كلامهم في المقام وبالجملة فمعرفة مقاصد العلماء يستدعي نظرا آخر ولا يسع الوقوف على ما لهم من المطالب إلا العارف الفطن المتدرب وليس من كل واحد من الأنام الاقدام في ساحة هذا المقام وأما احتجاج العلامة بالشهرة في مسألة الدفن فالكلام فيه كالكلام في مقالة الشهيد في الشهرة وأما تردده لظاهر كلام الأصحاب فالظاهر أنه من جهة ظهور كونه إجماعا وتردده في حجية مثل هذا الاجماع ولو كان هذا الظهور عنده معلوم الحجية لما كان للتردد بينه وبين الأصل وجه أصلا لما عرفت من أن الأصل لا يعارض الدليل فصل ينقسم المجتهد إلى مطلق ومتجز فالمجتهد المطلق من كان له ملكة تحصيل الظن بجملة يعتد بها من الاحكام عن أدلتها التفصيلية على وجه يعتبر عرفا ولا يقدح قصور نظره عن تحصيل الظن بالبعض إن كان قصور عارف كما هو المتصور عادة في حق من له الملكة المذكورة وإنما لم نعتبر ملكة تحصيل الظن بالكل مما عدا قطعياته لتعذره عادة فإن الأدلة قد تتعارض ولتردد كثير من المجتهدين في جملة من الاحكام كالمحقق و العلامة والشهيدين وأضرابهم مع أن أحدا لم يقدح بذلك في اجتهادهم فإن ترددهم إنما هو في مقام الاجتهاد وإلا فلا تردد في مقام الحكم والمتجزي من ظن بعض الأحكام عن أدلتها من غير ملكة يعتد بها أو كان له ملكة تحصيل الظن بجملة لا يعتد بها والمعروف بينهم أن المجتهد المطلق من له ملكة تحصيل الظن في جميع الأحكام والمتجزي من له ملكة البعض خاصة ويشكل بما مر فإن المجتهد المطلق له ملكة تحصيل القطع في بعض الأحكام وليس له ملكة تحصيل الظن في البعض أيضا نعم لو فسر الاجتهاد بملكة معرفة الاحكام النظرية عن أدلتها التفصيلية صح تقسيمه باعتبار معرفة الكل والبعض خاصة إلى مطلق ومتجز لكنه خلاف المعروف كما عرفت و يظهر من العضدي في دفع بعض حجج القول بالتجزي أن المعتبر في الاجتهاد المطلق إنما هو العلم بجميع ألم آخذ وإن لم يعلم بالبعض لتعارض الأدلة وهو غريب والتحقيق ما ذكرناه أما المجتهد المطلق فلا ريب في أن ظنونه التي أدى نظره إلى حجيتها حجة في حقه و حق مقلديه مع تحقق الشرائط وهو إجماعي بل ضروري ويدل عليه مضافا إلى ذلك العقل والنقل أما الأول فلان انسداد باب العلم المعلوم بالوجدان وبقاء التكليف بالأحكام المعلوم بالضرورة من الدين يوجبان عقلا جواز تعويل العالم بالأحكام ولو بطريق ظني على ظنه بالبيان الذي سلف وتعويل غيره ممن يقصر عن درجة الاجتهاد عليه دفعا للتكليف بما لا يطاق وأما النقل فلقوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وتفسيره في جملة من الاخبار بالأئمة عليهم السلام لا ينافي عمومه لجواز أن يكون ذلك من باب بيان الفرد الأكمل والأظهر دون التخصيص وقوله جل اسمه إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية فإن ترك الكتمان يتحقق بإبراز الحكم بطريق الفتوى والرواية ووجوبه يدل على وجوب القبول وإلا لكان هذوا وعبثا وقوله تعالى فلو لا نفر من كل فرقة إلى قوله ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فإن الانذار كما يكون بطريق الرواية كذلك يكون بطريق الفتوى وإطلاقه يدل على مقبوليته بالوجهين ولا يقدح عدم حجية الأول في حق العامي و الثاني في حق المجتهد لخروجه بالاجماع و
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»