الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٠١
حجية الأدلة من علم الكلام كوجوده تعالى وعلمه وحكمته وتعاليه عن فعل القبيح والخطاب بما لا يفهم منه المراد مع عدم البيان و رسالة الرسول وخلافة أوصيائه وعصمتهم وحجية أقوالهم وذلك إنما يبين في علم الكلام ولا يقدح في توقف الاجتهاد عليها توقف الاسلام أو الايمان على جملة منها لعدم المنافاة بين كونها أصول الاسلام أو الايمان وكونها مقدمة للاجتهاد غاية ما في الباب أن يكون واجبة نفسية وغيرية عند وجوب الاجتهاد وهو مما لا غبار عليه كما نبهنا عليه في محله ولو علم هذه المباحث أو ما يحتاج إليه من مباحث المنطق من غير مراجعة إلى كتبهما أو إلى الطرق المقررة فيها جاز إذ المقصود مجرد تحصيل تلك التصديقات بأي وجه كان و قد يتوقف العلم ببعض الاحكام على معرفة بعض مباحث الأمور العامة أو الجواهر والاعراض كرد القول ببقاء الجواز بعد نسخ الوجوب باستحالة بقاء الجنس بعد زوال الفصل وكرد شبهة الكعبي ببقاء الأكوان مثلا إلى غير ذلك إلا أن طريق التخلص منها لا ينحصر في ذلك ومنها العلم بالمباحث المحتاج إليها من علم الأصول وهي أكثر مسائله لان مقاصد الفقه نظرية مستنبطة من أدلة مخصوصة فلا بد من تعيين تلك الأدلة ومعرفة طرق الاستنباط منها وكلاهما نظريان قد وقع النزاع في كثير من مباحثهما فيتوقف معرفتهما على معرفة مداركهما والعلم المتكفل لذلك علم الأصول وزعم جماعة من قاصري الدراية من الفرقة الموسومة بالأخبارية أن العلم المذكور مما لا حاجة إليه ولا طائل يترتب عليه وتمسكوا عليه بشبه ضعيفة أقواها أمران الأول أن الضرورة قاضية بوجوب العمل بما ورد في الشريعة من أوامرها ونواهيها ولا ريب أن من علم العلوم العربية فهم المراد بتلك الأوامر والنواهي فيجب عليه العمل بها إذ الجهل بمسائل الأصول لا يصلح مانعا وعذرا لعدم دليل عليه أ لا ترى أن العبد المأمور بأمر إذا ترك الامتثال واعتذر بجهله بمسائل الأصول لم يكن عذره مقبولا عند مولاه ولا غيره من العقلا والجواب منع قضاء الضرورة بوجوب عمل كل عالم بالعلوم العربية حتى بالنسبة إلى أمثال زماننا بما ورد في الكتاب أو السنة المأثورة بطريق الاجتهاد فيها والاستبداد وهل هذا إلا مكابرة في مصادرة كيف والأصوليون مطبقون على اعتبار شرط آخر بل شروط أخر فمن أين تحققت الضرورة مع مخالفته هذه الفرقة العظيمة مع أن جملة من مباحث اللغة لا تحرر إلا في علم الأصول فما الباعث على عدم الاعتداد بها مع أنها من جنس بقية مباحثها التي اعترفوا بتوقف الاجتهاد عليها وأما التمثيل بالعبد فقياس مع الفارق إذ عرف المولى في حقه غير مستقر وطريق البلوغ إلى مقصوده غير متكثر فلا مدخل لعلم الأصول في الوصول إلى مراده وتعيين لفظه ومفاده وليس الحال بالنسبة إلينا كذلك فإن تباعد الزمان و تعدي أهل البغي والعدوان وتعارض ما وصل إلينا من الاخبار و اندراس جملة من الشواهد والآثار مع ما ترى من اختلاف الأقوال و التباس الحال في كثير من الرجال أوجب في حقنا خفاء الأدلة و مالها من الشرائط المعتبرة وإن علمنا بها على سبيل الاجمال فإن ذلك لا يجدي في مقام الاستدلال فوجب علينا البحث عن تعيينها و الاجتهاد في تحصيلها وتبيينها ولو فرض في المثال المذكور كون العبد المأمور نائبا عن مولاه وأنه كان آمرا إياه بالأخذ بما يصل منه إليه من الاخبار والنصوص والترجيح بين ما تعارض منها بطريق مخصوص فهذا العبد قد علم بجملة مما يحتاج إليه من المسائل الأصولية بطريق خطاب المشافهة ولو كان مثله متحققا في حقنا لاكتفينا به ولم يحتج إلى البحث وأما ما دل على حجية أخبار الآحاد و طريق العلاج عند تعارضها في المفاد فمجملة الدلالة غير متضحة الإفادة لا سيما بعد ملاحظة الاختلاف الواقع في تعيين الأدلة وفي شرائطها المقررة المعتبرة كما لا يخفى على ذي بصيرة أو واقف على الطريقة وبه ينكشف الفرق بيننا وبين الحاضرين لمجلس الخطاب ومن في حكمهم فإن حكمهم حكم العبد المذكور في المثال فإن قلت لعل الخصم لا يريد عدم الحاجة إلى المطالب المذكورة في الكتب الأصولية بل عدم الحاجة إلى النظر في كتبها ومعرفة الخيالات المودعة فيها ولا ريب أن معرفة تلك المطالب لا يتوقف على الرجوع إلى تلك الكتب بل يمكن تحصيلها من ممارسة العرف واللغة والاخبار المأثورة كما تداول عليه طريقة السلف قبل تدوين تلك الكتب إذ لو كان الاطلاع عليها شرطا في الاجتهاد لزم عدم تحقق مجتهد فيهم وهو واضح الفساد من وجوه شتى مع أن الخيالات المتعلقة بتلك المقاصد مما تتزايد بتطاول الزمان فلو كان العبرة بالاطلاع على الجميع لزم عدم تحقق مجتهد في أصحاب تلك الكتب أيضا لحدوث خيالات لم يتنبهوا لها قلت لما كان العبرة في الاجتهاد على ما يظهر من طريقة الأصحاب ويعاضده أصالة حرمة العمل بالظن السالم عن المعارض غالبا باستفراغ الوسع على وجه يعتد به عرفا وعادة فلا ريب أن ذلك مما يختلف باختلاف الأزمان ففي أمثال زماننا لا يتحقق الاستفراغ إلا بعد استقصاء النظر في علم الأصول والاطلاع على خيالات القوم على قدر يحصل معه الوثوق والاعتداد به عادة فإن الذي يستنبط من العرف أو الاخبار حكما أصوليا من غير مراجعة إلى كتبه لا يؤمن من أن يكون ذلك مبنية الفساد في تلك الكتب بوجوه لو تنبه لها لأذعن بفسادها فلا يحصل له الوثوق به إلا بعد المراجعة والاستفراغ ولا يلزم الإحاطة بجميع الخيالات بل بما يحصل معه الوثوق و الاعتداد والركون والاعتماد عادة فظهر سقوط الوهم المذكور الثاني أن هذا العلم لم يكن بين أصحاب الأئمة وإنما أحدثه علماء العامة ثم تسرى منهم إلى أصحابنا
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»