والتكافؤ على التخيير أو الرجوع إلى الأصول وليس له أن يقلد في المقامين الأخيرين وربما قيل يقلد إذا توقف وهو ضعيف وكلام بعض القائلين بالتجزي يدل على إرادة هذا المعنى بل حكي في الايضاح عن القائلين بالتجزي أنهم احتجوا بأن كثيرا من الفقهاء يتوقفون في كثير من المسائل ولا يعلمون بها فلو لم يتجز لامتنع الاجتهاد وعطلت الاحكام فربما يستفاد منه أن هذا المعنى هو مراد الكل الثاني أن يستفرغ المجتهد وسعه في بعض الأحكام دون بعض مع تمكنه من الاجتهاد فيه وهذا هو المتجزي في مقام الفعلية وقد أطلق عليه المتجزي بعضهم وببالي أن منهم الشيخ في العدة ولا ريب أن المتجزي بهذا المعنى مجتهد مطلق ونظره في المسائل التي استفرغ وسعه فيها حجة في حقه وحق مقلديه وربما يظهر من العلامة والشهيد وقوع الخلاف في ذلك وسنشير إليه الثالث أن يتمكن المجتهد من معرفة بعض الأحكام على وجه يعتد به مع عجزه عن معرفة الباقي عجزا ناشئا عن قصور نظره وعدم تمكنه من الوصول إلى معرفة دلائله كما لو علم المتجزي أن الامر حقيقة في الوجوب و أن الخبر الصحيح السالم عن المعارض حجة وقصر نظره عن معرفة بقية مسائل الأصول ثم وجد في الفروع رواية صحيحة مشتملة على الامر بشئ وتفحص عن المعارض فحصا معتبرا فلم يظفر به و ربما يكمل قوته في الأصول فيحيط بجميع مباحثها ويتجزى في الفروع فيتمكن عن استنباط بعض مسائلها منها دون بعض لعدم أنسه بمباحثها وعدم تحقق قوة التفريع والرد إلى الأصول عنده وهذا هو المتجزي في مقام الملكة وهو محل النزاع ولم يثبت القول بحجية نظر المتجزي بهذا المعنى إلا من بعض المتأخرين ولم يتعرض الشيخ والسيد لهذه المبحث في العدة والذريعة ولا المحقق في أصوله فما ظنك بغيرهم من المتقدمين عليهم ونقل بعض الأفاضل عن ظاهر الشيخ في بعض مصنفاته القول بالمنع والقول بالجواز منقول عن العلامة والشهيدين قال العلامة في القواعد في كتاب القضاء في بيان شرائط الاجتهاد المبيحة للقضاء والافتاء ويشترط أن يكون ذا قوة يتمكن بها من استخراج الفروع من الأصول ولا يكفيه حفظ ذلك كله من دون قوة الاستخراج ولا يشترط معرفة المسائل التي فرعها الفقهاء وفي تجزي الاجتهاد إشكال الأقرب جوازه انتهى ووجه النقل المذكور عنه أن مراده بالتجزي التجزي في القوة وهو غير متعين لامكان إرادته التجزي في الفعلية ويؤيده قوله قبله ولا يشترط معرفة المسائل التي فرعها الفقهاء فإنه يوهم اشتراط معرفة روس المسائل فيرجع اعتبار التجزي بالنسبة إليها لأنه أقرب إليه لفظا وقال في التهذيب في مبحث الاجتهاد والأقرب قبوله التجزئة لان المقتضي لوجوب العمل مع الاجتهاد في الاحكام موجود مع الاجتهاد في بعضها وتجويز تعلق المجهول بالمعلوم يدفعه الفرض انتهى وظاهره التجزي في الفعلية بدليل أنه عرف الاجتهاد باعتبار الفعلية أعني الاستفراغ دون ملكته فيرجع التجزي بالنسبة إليه لأنه قال في مبحث شرائط المجتهد والضابط فيه تمكن المكلف من إقامة الأدلة على المسائل الشرعية الفرعية وظاهره اعتبار القوة الكلية في مطلق المجتهد ثم تعرض لبيان الشرائط تفصيلا وعد منها قوة استنباط الأحكام الشرعية من المسائل الأصولية وظاهره أيضا كسابقه ويظهر من السيد العميد أن المتجزي من اجتهد في بعض المسائل وعجز عن الاجتهاد في غيرها وهو كما يحتمل المعنى الثالث كذلك يحتمل المعنى الأول كما هو ظاهر كلام الايضاح كما عرفت و عبارته في ذكر الشرائط لا يخلو من إجمال وقال الشهيد رحمه الله في الدروس في كتاب القضاء ويتجزى الاجتهاد على الأصح ثم قال و ليس معرفة التفريع الذي ذكره الفقهاء شرطا لعدم تقييده به نعم ينبغي الوقوف على مأخذها لأنه أعرف له على التفريع انتهى وكلامه صالح للمعنى الذي نزلنا عليه كلام العلامة وكلام الشهيد الثاني في الروضة نص في اعتبار القوة الكلية لكن نقل عنه في المعالم القول بالجواز وبالجملة فكلمة المتعرضين من أصحابنا لهذه المسألة ليست جارية على مورد واحد فدعوى قيام الشهرة على حجية نظر المتجزي بالمعنى الأخير غير مسموعة وكلمة مخالفينا في هذه المسألة أيضا مختلفة المورد فإنهم احتجوا على القول بالتجزي بأن مالكا سئل عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين منها لا أدري قالوا فلو شرط في الاجتهاد والافتاء الإحاطة لجميع المسائل لما كان مالك مجتهدا و لا جاز له أن يفتي ولا ريب في ظهور هذه الحجة في إرادة جواز التجزي في فعلية الاجتهاد دون ملكته ثم أجيب عنها تارة بجواز تعارض الأدلة عنده في تلك المسائل وأخرى بأنه عجز في تلك الحالة عن المبالغة في النظر ولا يخفى ما في الجوابين لأنهما إنما ينهضان جوابا على تقدير أن يكون المقصود جواز التجزي بالمعنى الأخير و الدليل إنما يساعد على إرادة غيره وكيف كان فلنرجع إلى محل البحث فنقول قد احتج الأولون بوجوه الأول أن المتجزي إذا استقصى أدلة مسألة بالفحص والتتبع فقد ساوى المجتهد المطلق في تلك المسألة وقصوره عن الإحاطة بأدلة بقية المسائل لا مدخل له في معرفة تلك المسألة وحينئذ فكما جاز للمجتهد المطلق أن يعول على نظره و اجتهاده فيها فكذلك المتجزي ورد بأن هذا قياس مستنبط حيث ألحق المتجزي بالمجتهد المطلق لمساواته إياه في العلة وهي الإحاطة بأدلة تلك المسألة وهذه العلة مما لا نص على اعتبارها ولا هي في المتجزي أولى فيبقى اعتبارها مبنيا على مجرد الاستنباط ولا سبيل إلى دعوى القطع بكونه المناط في جواز التعويل على ظن المجتهد المطلق لجواز أن يكون لعموم القدرة مدخل في
(٣٩٥)