في أيدي المسلمين من اللحوم والجلود مذكى ونجاسة غسالة الحمام وطين الطريق بعد ثلاثة أيام على القول بهما للنص وبقول المرأة في استحقاقها تمام المهر بعد أن خلا بها زوجها فادعت وقوع الموجب وأنكره الزوج على قول جماعة وبقول من يدعي من الزوجين مهر المثل إذا تنازعا في مقداره على ما احتمله العلامة في القواعد و بقول البائع في تمام المبيع المقبوض إذا ادعى المشتري نقصانه مع حضوره لوقت الاعتبار إلى غير ذلك من النظائر فالشارع قد اعتد بالظاهر أعني ما من شأنه إفادة الظن وإن لم يفده عند الكل و البعض في هذه الموارد ولو مع التمكن من تحصيل العلم ثم لما كان مقتضى الظاهر غالبا مخالفا للأصل وقد ثبت اعتباره في جملة من الموارد وتقديمه على الأصل صح أن يقال إذا تعارض الأصل و الظاهر قدم الأصل إلا في مواضع قام الدليل فيها على تقديم الظاهر فإن المراد بالتعارض أن يقتضي كل منهما ما يخالف مقتضى الاخر وهذا لا يقتضي أن يكون الظاهر حجة في نفسه ما لم يعارضه معارض كما زعمه المعاصر المذكور فاستشهد بكلام الشهيد الثاني في تمهيد القواعد حيث قال في خاتمة باب التعارض والتراجيح الأصل و الظاهر قد يتعارضان إلى آخر ما ذكره على حجية الظاهر في نفسه نظرا إلى أن الأصل من الأدلة الشرعية ولا يعقل معارضة الظاهر له إلا مع كونه دليلا وذلك لما عرفت من أن المراد بالتعارض مجرد تنافيهما في المقتضى وهذا لا يقتضي حجية الظاهر في نفسه ولو سلم ظهور اعتبار التعارض في ذلك فلا بد من الخروج عن الظاهر لوجود القرائن الدالة عليه إذ قد صرح في الكتاب المذكور بأن الغالب تقديم الأصل على الظاهر حيث لا دليل على حجية الظاهر و قال في الروضة في دفع الاحتمال الذي حكيناه عن العلامة في مسألة المهر أن الأصل مقدم على الظاهر إلا فيما ندر ويستفاد من هذا الكلام ونظائره أن الظاهر ليس بمعتبر في نفسه وأن حجيته في بعض الموارد لدلالة الدليل إذ لو كان الظاهر دليلا في نفسه لوجب الخروج به عن مقتضى الأصل ولم يعقل تقديم الأصل عليه إلا في صورة نادرة إذ الأصل على ما صرحوا به ويساعد عليه دليل حجيته إنما يكون دليلا حيث لا دليل على الخلاف مع أن الدليل على حجية الأصل ثابت معلوم كما حققناه في محله وأما الدليل على حجية الظاهر في نفسه فمما لم نقف عليه ولا أشار إليه أحد فإن زعم أن تقديم الظاهر على الأصل في الموارد التي ثبت تقديمه عليه مما يرشد إلى أن المناط هو الظهور فيتسرى اعتباره إلى سائر الموارد ففساده واضح لان المستفاد من الأدلة الدالة على تقديم الظاهر في بعض الموارد حجية ظواهر خاصة في موارد خاصة بدليل ما اعتبر فيها من الشرائط الزائدة على اعتبار الظهور ألا ترى أن من أقسام الظاهر الشهادة وهي لا تقبل على النفي ولا ممن لم يثبت عدالته ولا من النساء في غير ما استثني ولا مما دون العدد المعتبر وهو يختلف باختلاف الموارد ولا من الصبيان ولا من أهل الكتاب في غير ما استثني إلى غير ذلك وإن حصل الظن بها ويقبل الشهادة المعتبرة وإن لم يحصل الظن بها و كذلك الحكم بمقتضى اليد واليمين في مواردهما فظهر أن الشارع قد نصب هذه الامارات بشرائطها التي قد اعتبرها بالنسبة إلى موارد خاصة وألزمنا بالعمل بها فيها على وجه التعبد فإذا لم يكن العبرة بالظن في موارد ثبوتها على ما يستفاد من أدلتها فكيف يستفاد منها اعتبار الظن في سائر الموارد ثم تمشية حجية الظن في الموضوعات إلى حجيته في الاحكام تعويلا على المناط المذكور غلط في غلط ودعوى أن من الموضوع ما هو سبب والسبب من جملة الأحكام الوضعية وهم واضح لوضوح الفرق بين السببية و السبب كالوجوب والواجب والذي يعد من باب الحكم هو الأول دون الثاني فإن الثاني موضوع للأول وليس من باب الحكم فإن قلت إذا لم يكن الظاهر حجة في نفسه فأي فائدة لعقد باب في تعارض الأصل و الظاهر إذ العبرة على ما قررت بوجود الدليل لا بنفس الظهور ولا ريب أن الدليل يقدم على الأصل قلت فائدة عقد هذا الباب التنبيه على المواضع التي وجد فيها الدليل على العمل بالظاهر وبيان أن الظهور بمجرده لا يصلح دليلا على الاثبات كما يستفاد ذلك من سياق عبارة الشهيد الثاني في تمهيد القواعد القواعد مع أن العاقد لهذا الباب نادر من العلماء فلا يعتد بمقالته على تقدير عدم مساعدة كلامه على هذا التنزيل وقد تراهم يبحثون عن الظاهر في بيان معنى المدعي فيقولون هل المدعي من يدعي خلاف الأصل أو من يدعي خلاف الظاهر والتحقيق أن المدعي من يدعي خلاف الأصل إلا فيما قام الدليل على خلافه ومن يعتبر الظاهر هنا لا يريد به مطلق الظاهر بل ما يكون ظهوره ناشئا عن ملاحظة الغالب والعادة ويدعي أن هذا المعنى هو المفهوم من المدعي فيلزمه بالبينة عملا بعموم الرواية وليس في هذه المقالة ما يوجب حجية مطلق الظن في مطلق الموضوعات فضلا عن الاحكام ثم بعد ثبوت حجية جملة من الظنون فلا حاجة إلى التصرف في اليقين في قوله عليه السلام لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله بحمل اليقين على ما يعم اليقين و الظن المعلوم اعتباره كما زعمه الفاضل المذكور إذ الظن المعلوم اعتباره يرجع إلى اليقين بناقضية الناقض فيكون النقض أيضا باليقين لا بالظن وإن وقع في طريقه وقد مر تحقيقه آنفا ثم استشهد على حجية مطلق الظن باحتجاج الشهيد على العمل بظن تقدم بعض الفوائت بأنه راجح فلا يعمل بالمرجوح وعلى حجية الشهرة بقوة الظن في جانب الشهرة وباحتجاج العلامة على حجية الاستصحاب بأنه لو لم يجب العمل بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو بديهي
(٣٩٢)