الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٠
هو ظاهر الكتاب فنجعل بعض مدلولات القاعدة كحجية كل ظاهر من الكتاب غير هذا العموم قرينة على التجوز في بعض آخر وهو تخصيص العموم المذكور بغير تلك الظواهر قلنا ليس هذا أولى من العكس لوقوع الكل في مرتبة واحدة فيحتاج إلى دعوى إجماع آخر على هذا التخصيص فيعود الاشكال المتقدم والجواب أما عن الأول فبأن الاجماع منعقد على حجية ظواهر الألفاظ السالمة عن المعارض والاعتماد عليها في الكشف بها عن مراد المتكلم من غير فرق في ذلك بين المخاطب وغيره بدليل أن السامع يشهد على ظاهر الاقرار والوصية والعقد والايقاع وغير ذلك وإن لم يكن مخاطبا بها ولهذا ترى أن الرواة يعتمدون على ما سمعوه من المعصوم مخاطبا به غيرهم كاعتمادهم على ما سمعوه منه في مخاطباته إياهم فمنع الاجماع على حجية ظواهر الألفاظ في حق غير المخاطبين ناشئ عن قلة التدبر ولو شئت لادعيت الضرورة على ذلك إذ لا تجد أحدا من الموافق والمخالف يخالف في ذلك بل الظاهر أنه مما تسالم عليه جميع أرباب المذاهب والأديان ولولا ذلك لما استقام لهم النظام ومخالفة الأخبارية في حجية ظواهر القرآن غير قادحة لان مثل هذا الخلاف النادر لا يقدح في تحقق الاجماع مع أن الذين يعتد بمقالتهم من الأخبارية لا يخالفون في صحة القاعدة التي قررناها من حجية ظواهر الألفاظ عند سلامتها من المعارض ولهذا تراهم يتمسكون بظواهر الاخبار إذا سلمت عن المعارض وإنما يمنعون من حجية ظواهر القرآن لدلالة بعض الاخبار عليه فهم في الحقيقة إنما يمنعون من حجية تلك الظواهر لعدم سلامتها عن المعارض فإذا دفعنا دلالتها على ذلك بقيت ظواهر الكتاب مندرجة تحت العنوان الذي اتفق الفريقان على حجيته فاتضح مما قررنا بطلان الفرق بين الكتاب والسنة وكتب المصنفين وغيرهما في حجية ما يستظهر من ألفاظها على المراد نعم هناك فرق من جهة أخرى وهي كون الكتب المصنفة خطابا إلى الذين لهم أهلية فهم تلك الخطابات وإن تأخر وجودهم عن زمن الخطاب بخلاف السنة فإن خطاباتها مختصة بالمشافهين وفي الكتاب وجهان وقد مر تحقيق القول فيه في محله وأما عن الثاني فبأنا لا نقول بحجية ظاهر الكتاب مطلقا بل بعد الفحص عن المعارض من الناسخ والمخصص ونحو ذلك مع عدم العثور عليه بطريق معتبر ولا يلزم من ذلك خروج الظاهر حينئذ عن مورد الاجماع لان الظن إنما يستند إلى المقتضي له لا إليه وإلى عدم المانع وإلا لم يتحقق ظن لفظي أصلا لاستناده دائما إليه وإلى عدم قرينة توجب الخلاف وهو واضح الفساد فالظن المستفاد من الكتاب إنما يستند إليه بشرط عدم المعارض لا إليه وإلى عدم المعارض واعلم أن قضية ما قررناه حجية ما علم كونه ظاهرا حين ورود الخطاب على تقدير انتفاء القرائن الخارجية ويثبت الكلام فيما يظن كونه ظاهرا حين الخطاب بمعونة أصالة عدم النقل ونقل اللغويين بضميمة عدم القول بالفصل وأما عن الثالث فبأن النزاع في حجية العام المخصص راجع إلى النزاع في الظهور كما أشار إليه والاجماع وإن انعقد على حجية ما هو ظاهر واقعا لكن لا سبيل إلى تعيين الأمور الواقعية إلا بالعلم أو بما علم قيامه مقامه فإذا علمنا بأن العام المخصص ظاهر في الباقي علمنا باندراجه في محل الاجماع أ لا ترى أنا لو علمنا بنجاسة الكفار بالاجماع ثم علمنا بدليل أن المجسمة كفار علمنا بدخولهم في مورد الاجماع وإن فرض وقوع النزاع في كفرهم وكذا لو ظننا ذلك ظنا قام قاطع عندنا على حجيته فإنا نعلم حينئذ بالدخول ظاهرا في مورد الاجماع نعم لو ظننا ذلك غير معتبر لم نعلم بشئ من الامرين لكن ليس المقام من هذا القبيل وهذا واضح و أما عن الرابع فبأن الاجماع إنما انعقد على حجية كل ظاهر لا يعارضه ما هو أقوى منه وإن كان الأقوى ذلك الاجماع وبعبارة أخرى قام الاجماع على حجية كل ظاهر لا ينافي ذلك الاجماع ولا غيره من سائر الأدلة التي هي أقوى من ذلك الظاهر لامتناع قيامه على حجية ظاهر يخالفه ويخالف ما هو أقوى منه فظهر من ذلك سقوط ما زعمه من أن ذلك يوجب تخصيص الاجماع وأما إشكاله بلزوم اتحاد المخصص والمخصص فواضح الاندفاع إذ يكفي فيه المغايرة الاعتبارية مع أنه لا تخصيص في المقام أصلا إذ الحكم الثابت بالاجماع في نفسه خاص بمورد معين كما عرفت ثم إنه تنبه لورود الاشكال المذكور على مذهبه من حجية مطلق الظن لانسداد باب العلم وبقاء التكليف فإن تخصيص هذه الآيات بغير الظن الحاصل بعد انسداد باب العلم ليس بأولى من تخصيص الدليل العقلي بعموم هذه الآيات فتفصى عنه بأن عموم الآيات عموم ظني فيجب تخصيصها بعموم القاعدة فإنه عموم قطعي و أجاب عن لزوم تخصيصها بالقياس والاستحسان بوجوه مر نقلها مع بيان فسادها في مبحث خبر الواحد وهو كما ترى إذ تخصيص الدليل الظني هنا يستلزم تخصيص الدليل القطعي بغير ذلك الظن قطعا فيبقى الاشكال بامتناع تخصيص القواعد العقلية بحاله فلا مخلص له إلا بالوجوه التي ذكرها في أمر القياس والاستحسان مع أن ورود هذا الاشكال عليه مبني على أن يكون قضية القاعدة العقلية فتح باب الظنون الشأنية كما التزم به في بعض تلك الوجوه وهو أيضا فاسد كما أشرنا إليه عند نقله ثم أورد في تقريب منع الاجماع على حجية ظواهر الكتاب من حيث كونها ظواهر الكتاب بأن هذا الاجماع إن كان مستفادا من عمل الصحابة والتابعين وأصحاب الأئمة عليهم السلام حيث كانوا يستدلون بظواهر الكتاب ففيه أنه لم يعلم أنهم كانوا يستدلون بها من جهة كونها ظواهر الكتاب لجواز حصول القطع لهم بها بسبب القرائن والامارات واحتجاجهم بها باعتبار حصول القطع بها وإن كان مستفادا من كلمات أصحابنا المصرحين بحجية
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 ... » »»