بذلك في أوائلها فلا حاجة إلى ملاحظة رجال السند في غير مواضع التعارض نعم يحتاج فيها إلى العلم المذكور للاخذ بقول الأوثق و الأعدل كما جاء في أخبار العلاج وضعفه ظاهر لان قولهم في حق الكتب التي أخذوا منها الاخبار بأنها كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع أو نحو ذلك فإنما يدل على توثيق أربابها ومصنفيها و الاعتماد عليهم دون جميع من يتقدمهم من الرجال أ لا ترى أنا نقول أيضا بأن الكتب الأربعة كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مع أنا لا نقول بجواز الاعتماد على جميع رواتها ورواياتها وأما حكم بعضهم بصحة رواياته كالصدوق فلا خفاء في أنه لا يقصد به توثيق رواتها كيف وهو لا يجامع ما ذكروه في كتب الرجال من تضعيف كثير منهم بل مجرد كونها معولا عليها معمولا بها عنده كما هو مصطلح المتقدمين ولا ريب أن تعويلهم كثيرا ما يبتني على أمور اجتهادية ومرجحات استنباطية بدليل اختلاف فتوى الواحد منهم في الكتاب الواحد فضلا عن المتعدد وظيفتنا تقليدهم في ذلك بل يتعين علينا الفحص والاجتهاد والبناء على ما نراه أوفق بالسداد و أقرب إلى الرشاد فإن الدلائل موجودة والامارات غير مفقودة و وقوفهم على جملة منها لم تصل إلينا معارض بوصولنا إلى جملة أخرى لم يقفوا عليها ولو جاز لنا التعويل على ما عول عليه أرباب تلك الكتب من الاخبار لجاز لنا التعويل عليهم فيما أفتوا به من الاحكام بل وعلى غيرهم لا سيما المتقدمين إذ ليس لأرباب هذه الكتب خصوصية يمتازون بها عن جميع من عداهم ولا للاخبار خصوصية تنفرد بها عن سائر الأدلة أو الاحكام وهذا راجع إلى القول بجواز تقليد المجتهد لغيره من الأموات وهو باطل إجماعا ومنها معرفة الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة والاجماع والعقل فعلا أو قوة قريبة منه فيكفي التمكن من تحصيلها ولو بالمراجعة إلى الكتب المعهودة والمصنفات المعروفة واللازم من معرفة الكتاب معرفة ما يتعلق منها بالأحكام وهي خمسمائة آية تقريبا ولا يجب العلم بما عداها بل ولا بما هو منسوخ منها ما لم يتوقف معرفتها عليه فيجب العلم به على قدر الحاجة وقد صنف بعض أصحابنا في تحقيق تلك الآيات ما يغني عن المراجعة إلى غيره وكذا اللازم من معرفة الاخبار معرفة ما يتعلق منها بالأحكام دون غيرها ما لم يتوقف معرفتها عليه وكذا لا بد من العلم بمواقع الاجماع محققا ومنقولا ومواضع عدم الخلاف والشهرة إن قلنا بحجية الثلاثة الأخيرة أو حيث ينهض جابرا وقادحا وعلى هذا القياس الأدلة العقلية إلا أن موضع بيانها علم الأصول ومنها أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى الأصول على وجه يعتد به عند أهل الصناعة من الفقهاء الماهرين وهي المعبر عنها بالقوة القدسية و تحصيلها أصعب من تحصيل بقية الشرائط بل يتعذر في حق كثير من الناس بخلاف بقية الشرائط فإنها قد تيسر لهم ولمعاشرة أربابها و المجادلة معهم ومدخل عظيم في حصولها كما نبه عليه الشهيد الثاني وكثيرا ما يتوهم فاقدها أنه واجدها لتسارع النفوس إلى حسن الظن بأنفسها فينبغي المراجعة إلى أهل الخبرة حذرا من الاشتباه والالتباس ولقد ترى في أبناء زماننا من ليس له أهلية تحصيل هذه القوة فضلا عن حصولها له وهو يزعم بنفسه أنه قد وجدها و ظفرها بل ربما يزعم بنفسه أنه بلغ منها الدرجة القصوى وهو عنها بمراحل لا تحصى وإنما اعتبرنا في بيان هذه القوة أن يكون الرد على وجه يعتد به عند أهل الصناعة احترازا عن القوة التي يتمكن بها من الرد على وجه لا يعتد به عندهم فإنه لا يكفي في صدق عنوان الاجتهاد واقعا وإن اكتفي بها صاحبها مع اشتباه الحال عليه واعلم أنه إن عرف الاجتهاد بفعلية الاستفراغ فلا إشكال وإن عرف بملكته فقد يستشكل في المقام بلزوم اتحاد الشرط والمشروط فإن المراد بالملكة القوة والقوة التي يتمكن بها من رد الفروع إلى الأصول هي قوة الاستفراغ المذكور في حد الاجتهاد وأجاب عنه الفاضل المعاصر بأن المراد بالملكة المعتبرة في حد الاجتهاد الملكة الخاصة المترتبة على مجموع شرائط الفقه التي من جملتها الملكة العامة أعني تمكن رد مطلق الجزئيات إلى الكليات والفروع إلى الأصول لا رد جزئيات الفقه إلى كلياته هذا كلامه والظاهر أنه يريد بالملكة العامة الطبيعة المستقيمة وقد فسر القوة المذكورة عند بيانها بها ولا يخفى بعده فإن استقام الطبيعة منشأ لتحصيل هذه القوة لا نفسها مع أن استقامتها أمر فطري لا مدخل للكسب فيها كما صرح به بخلاف هذه القوة فإنها من الأمور الكسبية كما مر من حصولها بالمجادلة مع أربابها بل التحقيق في دفع الاشكال أن المذكور في الشرط قوة رد الفروع إلى الأصول و مرجعه إلى التمكن من معرفة اندراج كل فرع تحت أصله والظاهر أن هذا المقدار من القوة لا يستلزم التمكن من معرفة حكم الفرع كما هو معنى الاجتهاد بالقوة فضلا عن اتحادها معه فإن من لم يحقق مباحث الأصول ربما يحصل له بمزاولة الفقه ملكة يتمكن بها من معرفة اندراج كل فرع تحت أصله ولكن لا يتمكن من معرفة حكم الفروع لعدم تمكنه من تحقيق حكم الأصل وهذا واضح جدا ومنها أن يكون عالما بجملة يعتد بها من الاحكام علما فعليا بحيث يسمى في العرف فقها كما في النحوي والصرفي فإنهما لا يصدقان عرفا بمجرد حصول الملكة الكلية بل لا بد معها من الفعلية المعتد بها عند أهل الصناعة وهذا الشرط قد ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين و التحقيق أن الملكة المعتبرة في الاجتهاد المطلق أعني الملكة الكلية لا يحصل غالبا إلا بالممارسة المستلزمة للفعلية المذكورة وكذلك العلم بحصولها لا يحصل غالبا بدونها فهي طريق إلى حصول الملكة و معرفتها غالبا لا شرط في الاعتداد بها نعم لا يبعد اعتبارها في صدق اسم الفقيه عرفا وقد نبهنا عليه في حد الفقه ولا ملازمة بين الاعتداد بالملكة وبين صدق الفقيه
(٤٠٤)