لكن التوثيق لا يستلزم العصمة عن الاشتباه والسهو مع أن ذلك لا يتحقق إلا في حق نادر من الرجال ولا يتحقق معرفته إلا بعلم الرجال فكيف يستغنى به عنه ومنها كون الراوي ممن نقل الاجماع على تصحيح ما يصح عنه وفيه أن الاجماع المذكور منقول في كتب الرجال فيتوقف معرفته على الرجوع إليها ومع ذلك فهو منقول بخبر الواحد و لا علم به وقد وقع الاختلاف في تعيين جماعة من أهل الاجماع كما نبهوا عليه في كتب الرجال على أن الظاهر من الاجماع هناك مجرد الاتفاق لا الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام فلا يستلزم العلم بصحة مورده مضافا إلى أن تصحيحهم لا يستلزم علمهم بصحة الصدور بل معناه مجرد الوثوق والاعتماد على الراوي أو على الرواية التي ثبت روايته لها ولو سلم فلا يلزم من علمهم بصحة روايات رجل علمنا بذلك أيضا ومنها شهادة أرباب الكتب الأربعة بصحة الاخبار التي أوردوها فيها وأنهم أخذوها من الكتب المعتمدة و الأصول المعول عليها وفيه أن ما ذكروه لا يدل على قطعهم بصدور تلك الأخبار عن الأئمة عليهم السلام بل إنما يدل على صحتها عندهم وهي أعم من ذلك وقد صرح الشيخ بأن الرواية إذا كانت محفوفة بأمارات الوثوق جاز التعويل عليها وإن لم يبلغ درجة القطع بل يظهر من الصدوق في كتاب الصوم من الفقيه أنه كان يعتمد على قول شيخه الحسن بن الوليد في تصحيح الروايات وتضعيفها حيث نقل فيه عنه استضعافه لرواية محمد بن موسى الهمداني ثم قال وكلما لم يصحح ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك انتهى فمن هذا شأنه في التصحيح والتضعيف فأين هو من دعوى العلم بصحة الصدور ولو سلم فالدلالة المذكورة ليست قطعية ولو سلم فلا يلزم من قطعهم بذلك قطعنا به ثم من الأخبارية من وجه مقالة أصحابه فحمل العلم في كلامهم على العلم العادي وفسره بما يطمئن به النفس قال وهو يحصل بإخبار الضابط المتحرز عن الكذب وإن كان فاسقا وزعم أن الأصولية لا ينكرون هذا المعنى لكنهم يسمونه ظنا فجعل النزاع بينهم لفظيا وفيه ما فيه وتوضيح المقام أن الاعتقاد قد لا يحتمل النقيض عقلا إما بالضرورة كقولنا الواحد نصف الاثنين أو بالنظر كقولنا العالم حادث وقد لا يحتمله عادة كعلمنا بعدم انقلاب بعض الجبال التي شاهدناها ذهبا وعدم انقلاب أشجارها إنسانا فنحن وإن جوزنا وقوع تلك الأشياء بالنظر إلى ذواتها من حيث إمكانها كيف ونحن عالمون بصدور أمثالها من الأنبياء و الأولياء في الأزمنة السابقة إلا أنا إذا لاحظنا الخارج قطعنا بعدم وقوع ذلك في هذا الزمان الحاضر وأمثاله قطعا لا يحتمل النقيض عندنا وليس ذلك لغفلتنا عن ملاحظة إمكانه في ذاته وإمكان وجود أسبابه كما زعمه بعض حيث ادعى زوال العلم بعد التنبيه لذلك بل لم نجد أنفسنا غير محتملة للنقيض بعد التنبه لذلك أيضا فإن الامكان الذاتي لا ينافي الامتناع الغيري كما لا ينافي وجوبه وبالجملة فنحن قاطعون بعدم الانقلاب فيما مر للقطع بعدم حصول أسبابها قطعا مستندا إلى الحدس الناشئ من ملاحظة الأحوال المعلومة والقرائن المكشوفة ومن هذا الباب علمنا بأنا في الان الحاضر لسنا بغير الذي كان في الان السابق وإن أمكن خلافه بالنظر إلى الامكان الذاتي ومن جوز ذلك بالنظر إلى الواقع ولو بعد ملاحظة إمكانه الذاتي و وقوع نظائره فقد تأسى في ذلك بابن هبنقة إلا أنه لا يكفيه وجود القلادة وقد لا يحتمل النقيض ما دام المعتقد غير متفطن للنقيض أو لما يوجبه من الأسباب المحتملة ومن هذا الباب علمنا ببقاء من فارقناه في الزمان الحاضر حيا صحيحا فإذا لاحظنا إمكان موته فجأة أو سقوط شئ عليه أو نحو ذلك لم نقطع ببقائه لكن كثيرا ما نذهل عن ملاحظة ذلك فنقطع ببقائه وقد لا يحتمل النقيض احتمالا يعتد به عرفا وإن احتمله عقلا وعادة كالمرتمس في الماء عند عدم وجود حائل على بشرته لا سيما بعد بل جسده فإن أهل العرف يحكمون بوصول الماء إلى تمامها ولا يعتدون باحتمال احتباس قليل من الهواء على بعض بشرته مانع من وصول الماء إليها وإن أمكن وقوعه عقلا وعادة و لهذا يعد الاعتداد بهذا التجويز من باب الوسواس ولك أن تسمي مثل ذلك علما عرفيا وقد لا يحتمل النقيض احتمالا يعتد به شرعا وإن احتمله عقلا وعادة وعرفا وذلك كالشهادة فإنه وإن احتمل في حق الشاهد الكذب بالاعتبارات الثلاثة إلا أنه لا يحتمله شرعا بمعنى أن الشارع لم يعتد بهذا الاحتمال في ترتب الاحكام عليها وكذا الكلام في سائر الطرق الشرعية فإن أراد الموجه المذكور أن أخبارنا علمية بالاعتبار الأخير فهو مما لا نزاع لنا فيه كيف وهو قضية قولنا بحجيتها إلا أن كلمات الأخبارية غير صالحة للتنزيل عليه وإن أراد أنها علمية بالمعنى الثالث فهو على تقدير تسليمه غير مستقيم في حقنا قطعا حيث تنبهنا للنقيض وجوزنا وقوع أسبابه مع أن الأخبارية لا يريدون أنها علمية بهذا الاعتبار فالتوفيق بهذا الوجه بين القولين حكومة من غير تراضي الخصمين وإن أراد أنها علمية بأحد الاعتبارات الاخر فمكابرة جلية وفي أخبار العلاج واعتبار العدد في الشهود وعدم الاكتفاء بدعوى المدعي الثقة ما ينبه على فساده والنزاع على هذا التقدير معنوي وزعم بعض متأخريهم أن أخبار الكتب المذكورة مأخوذة من كتب أصول معتمدة معول عليها بين قدماء الأصحاب محفوفة بأمارات الوثوق والصحة كما يقتضيه شهادة مصنفيها
(٤٠٣)