فإن الشك لا ينقض اليقين ومنها ما روي أيضا عنه عليه السلام من كان على يقين فأصابه الشك فليمض على يقينه فإن اليقين لا يندفع بالشك ووجه الاستدلال أن هذه الأخبار دلت على عدم جواز نقض اليقين بالشك والمراد الحكم المتيقن به لامتناع توارد اليقين و الشك على مورد واحد في زمان واحد وذلك معنى الاستصحاب لا يقال هذه الروايات غير ناهضة بإثبات المقصود لأنها بين قاصرة السند بل الدلالة أيضا كالثلاثة الأخيرة وبين قاصرة الدلالة كالأربعة الأول فإن موضع الاحتجاج من الرواية الأولى قوله عليه السلام لا ينقض اليقين أبدا بالشك ولا ريب أن الضمير المستتر في الفعل راجع إلى الذي ذكره السائل ممن شك في وقوع حدث النوم منه بعد فعل الطهارة ولفظ اليقين ظاهر في العهدية لسبق ذكره في قوله عليه السلام فإنه على يقين من وضوئه فيختص الحكم به ولا يتعدى إلى غيره وقريب منه الرواية الثالثة فإن لفظ اليقين فيها صالح للعود إلى اليقين السابق ومحل الاستدلال من الرواية الثانية قوله عليه السلام ولا ينقض اليقين بالشك وقوله عليه السلام لا يعتد بالشك في حال من الحالات ولا دلالة لذلك على حجية الاستصحاب فإن المفهوم منها أن الركعات الثلاث التي علم بفعلها لا يبطلها بما اعتراه من الشك في فعل الرابعة بل يبني على اليقين أعني الركعات الثلاث التي تيقن الاتيان بها ويأتي بالركعة المشكوك فيها على الوجه الذي استفيد من سائر الأخبار لتكمل أربعا ولا يعتد بالشك بجعله ناقضا للعمل الصحيح في حال من الحالات وقوله عليه السلام في الرواية الرابعة ابن علي اليقين كما يحتمل إرادة البناء على استمرار حكم اليقين كذلك يحتمل إرادة الاقتصار على محله فيدل على نقيض المدعى لأنا نقول أما ضعف الاسناد في البعض فمجبور بالشهرة بين الأصحاب فتوى ورواية وأما ما ذكر في دلالة الرواية الأولى فمدفوع بأن الظاهر من سياقها إعطاء القانون وتأصيل الضابطة كما يدل عليه لفظ أبدا وينبه عليه أولوية التأسيس على التأكيد إذ على تقدير تخصيص الحكم بمورد السؤال يكون مفاد الكلام المذكور أنه لا ينقض يقين الطهارة باحتمال الحدث وهذا مفاد الكلام السابق بعينه وبمثل ذلك يجاب عن الرواية الثالثة بل دلالتهما على المقصود مما لا تعسف فيه أصلا كما لا يخفى وأما ما ذكره في الرواية الثانية فيمكن دفعه بأن قوله عليه السلام ولا ينقض اليقين بالشك مسوق لبيان أنه لا ينقض يقينه بعدم فعل الرابعة سابقا بالشك في فعلها لاحقا بأن لا يعول على شكه فيبني على وقوعها ويؤيده قوله عليه السلام ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر بناء على أنه مسوق لبيان أنه لا يدخل الركعة المشكوك فيها في اليقين أعني الصلاة المعلوم اشتغال الذمة بها أولا يضمها إلى الركعات الثلاث اليقينية فيكون الظرفية على التوسع ولا تخلط الشك أعني تلك الركعة المشكوك في وقوعها باليقين أعني الصلاة أو الركعات الثلاث اليقينية بأن يبني على وقوع الأربع بل ينقض الشك في لحوق فعل الرابعة بيقين عدمها السابق فينفي فعلها بالأصل فيبني عليه و يأتي بها على الوجه المقرر تحصيلا للبراءة اليقينية ويتم عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات بل يبني على بقاء ما تيقن ثبوته و بالجملة فمفاد قوله لا ينقض اليقين بالشك إلخ إعطاء قانون كلي ليستعلم منه حكم الواقعة المسؤول عنها ولا يقدح رجوع الضمير إلى من لم يدر في ثلاث هو أو أربع لان ثبوت الحكم في حق واحد يوجب ثبوته في حق الباقين وأما ما ذكر في الرواية الأخيرة فيمكن دفعه بأن الظاهر من البناء على اليقين إبقاؤه واستمراره ولو سلم عدم وضوح الدلالة فيمكن جبرها بما مر من الشهرة المعتضدة بالوجوه السابقة فتدبر واعلم أن المستفاد من ما يعتمد عليه من هذه الأخبار كالرواية الأولى والثالثة وهي الأصل في المقام حجية الاستصحاب في الأشياء التي مقتضاها البقاء والاستمرار لولا عروض المانع بقرينة لفظ النقض فإن المفهوم منه اقتضاء الشئ المتيقن للبقاء على تقدير عدم طرو الناقض المشكوك فيه إذ عدم البناء على بقاء ما علم ثبوته في وقت لا يعد نقضا له إذا لم يكن في نفسه مقتضيا للبقاء فالحكم بعدم بقاء الموقت بعد وقته لا يعد نقضا لما ثبت منه في وقته ولقد أجاد المحقق الخوانساري في فهم الرواية حيث قال المراد من عدم نقض اليقين بالشك هو عدم النقض عند التعارض ومعنى التعارض أن يكون الشئ مقتضيا لليقين لولا الشك فإنك بعد التأمل فيه تجد محصوله راجعا إلى ما حققناه من أن النقض لا يصدق إلا في حق الأشياء التي مقتضاه البقاء لولا طرو المانع لكنه ما أجاد في تخصيصها بالأحكام التي ثبت استمرارها إلى غاية معينة وشك في حصولها إلى آخر ما مر بل يجري في كل ما ثبت بقاؤه ما لم يمنع منه مانع حكما كان أو غيره ويجري فيما لو كان الشك في مانعية الشئ المعين كما يجري فيما لو شك في حصول المانع المعين كما لو علم أن الطهارة إذا حصلت استمرت إلى أن يرفعها رافع ثم علم أن الاحداث الثلاثة مثلا رافعة لها وشك في رافعية المذي استصحب بقاءها وأما ما قيل عليه من أن الحال في كل حكم لم يثبت اختصاصه بوقت أو آن كذلك لأنه لو فرض عدم عروض الشك عند عروضه لكان اليقين بالحكم بحاله لان عدم العروض إنما يكون عند القطع بأن جزا من أجزأ علة الوجود لم يرتفع ومع القطع بعدم ارتفاعه يحصل اليقين بوجود المعلول لان بقاءه إنما هو ببقاء علته التامة وزواله بزوالها فضعفه ظاهر لوضوح الفرق بين عدم الشئ لطريان المانع وبين عدمه لعدم المقتضي وما يصدق في حقه النقض بالمعنى الذي ذكر إنما هو الأول دون الثاني فإن معنى قول المحقق المذكور في بيان معنى التعارض
(٣٧١)