ومحصله أن الجهل أعم من البسيط والمركب فإذا حكم الحاكم بالإباحة لدليلها أو بالحظر لدليله ثم انكشف الخلاف تبين أن ذلك كان حكمه من حيث خطائه وجهالته بالحكم و ح فلا منافاة بين العلم بالحكم وبين كون الموضوع مجهول الحكم وأما ما أجاب به عنه فليس على ما ينبغي بل التحقيق في الجواب أن القاطع بثبوت حكم في حقه إنما يقطع حال قطعه بثبوته في حقه من حيث إنه مصيب بقطعه الواقع لا من حيث إنه مخطئ به في إصابته وإن حكمه حال خطائه ذلك نعم إذا انكشف له الخلاف تبين عنده أن ذلك كان حكمه من حيث خطائه في إصابة الواقع لا من حيث إصابته له وظاهر أن الكلام في المقام إنما هو بالنسبة إلى حال القطع لا بالنسبة إلى حال انكشاف الخلاف فيبقى إشكال التدافع بين فرض العنوان مجهول الحكم مع قضاء الدليل بالعلم بالحكم بحاله وأما ما ذكره أخيرا من أن العقل يحكم فيما يجهل حكمه بعدم الوجوب دون الإباحة فغير سديد لان العقل كما يحكم فيه بعدم الوجوب كذلك يحكم بعدم الاستحباب و الحرمة والكراهة فيتعين أن يحكم بالرخصة في الفعل والترك ما لم يقم دليل على خلافه لان انحصار الاحكام في الخمسة يعد من الضروريات وقضية القول بالملازمة بين حكم العقل والشرع كما يقول هو وغيره به حكم الشرع أيضا بالرخصة فيهما ما لم يقم دليل على خلافه وهو معنى الإباحة الظاهرية هذا وأجاب التفتازاني عن الاشكال المذكور بأن النزاع في الفعل الذي لا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة محسنة أو مقبحة كأكل الفواكه مثلا ولا يحكم فيه بحكم خاص تفصيلي في فعل فعل فهل يحكم فيها على الاجمال بحرمته أو يحكم بإباحته أو لا وأورد عليه المحشي الشيرازي بأنه إذا علم العقل الحكم على الاجمال في أكل الفاكهة مطلقا علم الحكم المخصوص بكل فعل كأكل فاكهة الرمان بضم الصغرى الواضحة الثبوت إلى ذلك الحكم الكلي الاجمالي الحاصل من دليلهم ثم قال اللهم إلا أن يقال المراد الحكم الضروري وفيه تعسف يعني أن حمل الحكم المنفي إدراكه على الحكم الضروري يدفع الاشكال لان اعتبار ضم الصغرى يخرجه عن كونه ضروريا وكأنه أراد بوجه التعسف ما سيأتي ونقل بعض المعاصرين عن الشارح الجواد أنه أورد الاشكال المذكور على ما اختاره من القول بالإباحة ثم أجاب عنه بوجهين الأول أن المراد أن ما لا يدرك العقل حسنه أو قبحه بالنظر إلى خصوصياتها هل يحكم حكما عاما بالحسن بالنسبة إلى الجميع أو لا الثاني أن المراد أن ما لا يدرك العقل حسنه أو قبحه ابتدأ أو مجردا عن ملاحظة شئ آخر فهل يحكم عليه بالحسن حكما عاما بالنظر إلى الدليل أو لا وعلى التقديرين لا يكون الحكم المذكور مخالفا لما اعتبر في العنوان قال بعد نقل الوجهين عنه و الغفلة التي حصلت له أولا هو الذي أورد عليه هذا الاشكال يريد أنه لما قسم الفعل إلى ما يستقل العقل بإدراك حكمه وإلى ما لا يستقل به و حرر النزاع في القسم الثاني وقع في الاشكال المذكور ولو أنه حرر النزاع في الأشياء الغير الضرورية في التعيش المشتملة على المنفعة كشم الورد وأكل الفاكهة من غير اعتبار لكونها مما لا يستقل العقل بإدراك حكمه كما فعله هو أعني المعاصر المذكور سلم عن الاشكال فإن من يحكم فيها بالإباحة أو الحظر يجعلها من القسم الأول ومن يقول بأنه لا حكم فيها يجعلها من القسم الثاني وفيه ما لا يخفى لان تحرير الشارح الجواد لمحل البحث فيما لا يستقل العقل بإدراك حكمه موافق للتحرير المعروف في كتب القوم كما لا يخفى على من راجعها وحينئذ فلا بد إما من بيان يندفع به الاشكال و التزام بمقالة الحاجبي ولا يجدي تغيير العنوان وتحرير النزاع في الأشياء الغير الضرورية المشتملة على المنفعة لأنه لا ينطبق عليها أقوالهم فيها إلا بعد أخذها مجهولة الحكم ومعه يعود الاشكال مع أن الأشياء الغير الضرورية المشتملة على المنفعة قد يحكم العقل عندهم فيها بالوجوب كالعدل وقد يحكم بالتحريم كالظلم فلا يستقيم جعلها عنوانا لمحل النزاع على إطلاقها كما فعله ثم إنه تصدى لدفع الجوابين اللذين ذكرهما الشارح الجواد فأورد على الوجه الأول بإمكان أن يقال في شم الورد منفعة مأذون فيها وكل ما هو كذلك فهو حسن فقد علم حسنه بالخصوص وعلى الثاني بعدم انحصار مدركات العقل في الضروريات هذا محصل كلامه أقول وأنت خبير بأن مرجع الجواب الأول إلى ما أجاب به التفتازاني ومرجع الجواب الثاني و الاعتراضين إلى ما ذكر المدقق الشيرازي إلا أنه أشار إلى الاعتراض الثاني بقوله وفيه تعسف ونبه بعض الناظرين في كلامه بما ذكره المعاصر المذكور تم أقول وما أورد على الجواب الأول إنما يستقيم إذا أراد المجيب أن المراد أن ما لا يدرك العقل حكمه تفصيلا لا بدليل خاص ولا بدليل عام هل يدرك حكمه بدليل عام أو لا وهذا متضح الفساد لأنه حينئذ إن التزم بما أورده المورد عليه من انحلال ذلك إلى معرفة حكم الخاص باعتبار دليل عام عاد عليه الاشكال لان ما لا يدرك العقل حكمه ولو باعتبار دليل عام كيف يدرك حكمه باعتبار دليل عام وإن لم يلتزم بالانحلال فهو مع كونه غير معقول في نفسه خارج عن محل البحث لان كلامهم هنا في معرفة الحكم الذي ينحل إلى التفصيل إذ المقصود الحكم بحلية أكل الفواكه مثلا أو حرمته وهذا لا يعقل بدون الانحلال لا يقال اللازم من الحكم على العام إنما هو الحكم على الحصة الموجودة منه في الخاص على أن تكون تلك الحصة موردا للحكم دون الحكم على الخاص على أن يكون الخاص موردا له بسبب وجود العام في ضمنه فيمكن رفع المنافاة حينئذ على التقدير الأول بأن المعنى كل شئ لا يدرك العقل حكمه و لو باعتبار أمر كلي على أن يكون ذلك الشئ موردا للعلم هل يدرك حكمه باعتبار أمر كلي على أن يكون ذلك الكلي موردا للحكم أو لا فيندفع إيراد المورد عن الجواب لأنا نقول هذا التنزيل مع قصور كلام المجيب عن إفادته
(٣٤٩)