بوقوع جنابة وغسل عما في الذمة منه وشك في المتأخر فإن قضية أصل البراءة هنا عدم تحريم جواز المسجدين واللبث في المساجد و قراءة العزائم عليه مع أنه لا مسرح للاستصحاب فيها الثالث ما دل على نفي التكليف عند عدم ما يدل عليه من الكتاب والسنة فمن الأول قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فإن الاتيان لا يصدق فيما لا ينصب أمارة عليه وفيه تأمل وقوله تعالى ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة فإن قضية تخصيص الهلاك والحياة بصورة وجود البينة نفيهما عند انتفائها وقضية ذلك نفي الوجوب و الحرمة وأخويهما حينئذ على إشكال في دلالته على نفي الكراهة و قريب منه قوله تعالى ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون وقد يستدل أيضا بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فإن المتبادر من بعث الرسول في المقام هو التبليغ ويشكل بعد التسليم بأن نفي التعذيب لا يدل على نفي الوجوب والتحريم لجواز الاستحقاق والعفو كما مر في دفع حجة المنكرين للملازمة بين العقل والشرع ومن جمع بين التمسك بالآية في المقام بالبيان المذكور وبين دفع حجة المنكرين للملازمة بما ذكرناه كما يحكى عن بعض الأفاضل فكأنه أراد نفي الوجوب والتحريم بالمعنى الذي أثبته الخصم فإنه لا يلتزم بكونه ذنبا موعودا عليه بالعفو وعدم المؤاخذة ولو مع الاصرار بل يجعله كغيره من الذنوب فلا يكون تناف بين كلاميه كما أورده بعض المعاصرين عليه ومن الثاني ما روي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي تسعة وعد منها ما لا يعلمون وفي الموثق ما حجب الله تعالى علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وفي رواية عبد الاعلى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شئ قال لا فإن الرفع والوضع وعدم شئ عليه في معنى البراءة نعم إنما يتم الاحتجاج بالرواية الأخيرة إذا حملت على السلب الجزئي واستدل بعضهم أيضا بالصحيح كل شئ يكون فيه حرام وحلال فهو حلال لك أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه فنزل تارة قوله عليه السلام كل شئ فيه حرام وحلال على معنى كل فعل من الافعال وكل عين من الأعيان المتصفة بالحل والحرمة إذا لم يعلم الحكم الخاص به منهما فخرج ما لا يتصف بهما معا من الافعال الاضطرارية والأعيان التي لا يتعلق بها فعل المكلف وما تعين حله أو حرمته قال وليس الغرض من ذكر هذا الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بيان ما فيه الاشتباه ثم قال فصار الحاصل أن ما اشتبه حكمه وكان محتملا لان يكون حلالا و لان يكون حراما فهو حلال ونزله أخرى على معنى كل شئ تقسمه إلى هذين القسمين وتحكم عليه بأحدهما لا على التعيين و حكم برجوعه إلى المعنى الأول أقول ولا خفاء في أنه تعسف فاسد و تكلف بارد لما فيه من تقدير ما لا يساعد عليه اللفظ ولا عليه أمارة خارجية بل التحقيق أن المتبادر من الرواية هو كل شئ أي عين أو نوع يشتمل على النوعين لا على احتمالهما فيعتبر العلم بهما فيه كما هو الأصل في تشخيص سائر الموضوعات فيختص بالشبهة في الموضوع دون الحكم نعم ربما أمكن أن يقال بأنا إذا ضممنا عنوانا مشتبه الحكم إلى عنوان معلوم الحرمة وعنوان معلوم الحلية صدق على المجموع بأنه شئ فيه حلال وحرام فيثبت الحلية في مشتبه الحكم لعدم العلم بحرمته وكذا لو جمعنا بين مصاديق الثلاثة فينسحب الحكم حينئذ من المصداق إلى العنوان وفي كلا الوجهين تعسف فإن المتبادر من الرواية حلية المشتبه ومن معلوم أحد النوعين بالآخر في الشئ المشتمل عليهما كما لا يخفى ثم إن الفاضل المعاصر تنظر في التنزيل المذكور بوجوه أربعة الأول أنه يوجب استعمال قوله كل شئ فيه حرام وحلال في معنيين من حيث يراد به حينئذ أمران أحدهما كلما أمكن اتصافه بأحدهما ليخرج الأعيان التي لا يتعلق بها فعل المكلف كالسماء فإنه مما لا يمكن اتصافه بحكم شرعي والثاني كلما كان منقسما إليهما بأن وجد فيه النوعان عندنا أو في نفس الامر ليخرج الافعال الضرورية لبقاء الحياة وما تعين حليته أو حرمته وقد تقرر في محله عدم جواز الاستعمال المذكور الثاني أنه لا معنى لاخراج المذكورات بالقيد المذكور من حيث إنه معنى قوله عليه السلام فهو لك حلال أن مجهوله حلال ولا جهالة فيها الثالث أنه لا معنى حينئذ لاعتبار المفهوم المخالف اللازم للقضية إلا بأخذ السالبة منفية الموضوع وهي غير مفيدة يعني أن مفهوم الرواية حينئذ أي ما ليس فيه حرام وحلال فمجهوله ليس بحلال وليس فيما ليس فيه حرام وحلال بالتفسير المذكور مجهول فيتعين أخذ السالبة منفية الموضوع ولا فائدة فيها وزعم أن ذلك لا يلزم على تقدير تخصيصه بشبهة الموضوع إذ ليس التقييد حينئذ للاحتراز بل للتنبيه على أن احتمال التحريم في نظر المكلف في صورة الاشتباه لا يوجب التحريم كما ينصرف إليه الأوهام وهذا الوهم غير حاصل على تقدير أن يكون الاشتباه في نفس الحكم فلا يكون للتقييد حينئذ فائدة الرابع أنه يستلزم استعمال المعرفة في قوله عليه السلام حتى تعرف الحرام في معنيين المعرفة من الدليل الشرعي فيما إذا كانت الشبهة في الحكم أو من بينة وشبهها فيما إذا كانت الشبهة في الموضوع وهو غير جائز كما سبق هذا ملخص ما أطال الكلام في بيانه والحق أن الوجوه التي أوردها غير واردة أما الأول فلان توجيه الرواية على ما قرر في الاحتجاج لا يبتني على استعمال اللفظ المذكور في معنيين بل في معنى واحد متناول للمعنيين لما عرفت من أن المستدل ينزله على معنى كل ما يحتمل أن يكون حراما و حلالا وهذا عنوان عام يشمل كلا من المعنيين وأما الثاني فلان الضمير في قوله فهو راجع إلى الشئ المحتمل للحرمة والحلية من غير إضمار فلا إشكال وقوله معنى قوله فهو لك حلال أن مجهوله حلال إن أراد
(٣٥٣)