لأمر العبد أو إظهار الحالة عنده غيره ولو كان حسن التكليف مقصورا على حسن الفعل لما حسن ذلك واعترض عليه بعض المعاصرين أولا بأن نفس الابتلاء أيضا مصلحة وإن لم يكن في نفس الفعل مصلحة وثانيا بأن المراد بالامر قد يكون محض الامتحان كحكاية إبراهيم عليه السلام فالمصلحة حينئذ إنما هو في الامتحان لا في الفعل وثالثا بأن تخصيص فعل بالامتحان دون غيره يستدعي جهة مقتضية ومصلحة معينة وإن لم يدركه عقولنا دفعا للترجيح بلا مرجح ثم قال وبالجملة العقل تابع لما أفاده الشارع فإذا اطلع على طلبه للفعل من حيث هو هذا الفعل حكم بحسن طلبه كذلك وإذا اطلع على طلبه من حيث الامتحان حكم بحسن طلبه من حيث الامتحان أقول أما الاعتراضات التي أوردها على الدليل المذكور فواضحة السقوط أما الأول فلان الابتلاء ليس من مصالح الفعل بل من مصالح الامر و التكليف فإن تحمل المشاق من حيث كونه تحمل المشاق مما لا حسن له وإنما الحسن في التكليف والالزام به في مقام يحسن فيه الاختبار لا يقال موافقة التكليف أيضا جهة من جهات الفعل ومصلحة من مصالحه بل راجحة على بقية جهاته ومصالحه لما فيه من استجلاب منفعة الثواب ودفع مضرة العقاب الراجح على سائر الجهات والآثار المترتبة عليه فبطل قولكم لا مصلحة في نفس الفعل أو الترك أو لا جهة مقتضية لأحدهما لأنا نقول ليس الكلام في الجهات المتفرعة على التكليف بل في الجهات التي يتفرع عليها التكليف و ليس منها الجهات المذكورة وإلا لدار فإن قلت المراد بجهات الفعل ما يتناول جهات التكليف أيضا ككونه مما يحسن التكليف به فيسقط الدليل ولا يلزم المحذور لان تلك الجهات مغايرة للتكليف وسابقة عليه قلت حسن التكليف حينئذ لا يقتضي حسن الفعل بالعقل إلا بواسطة صدور التكليف فيلزم على مقالة الخصم توقف صدور التكليف على حسن الفعل المتوقف على صدور التكليف وهو الدور وإن أريد الحسن الثاني خرج عن محل البحث ولا كلام لنا فيه كما مر فإن قيل التكليف الاختياري المقصود به استعلام حال العبد بالعصيان والطاعة إذا تعلق بفعل فلا بد أن يتعلق به بقصد الامتثال لئلا يفوت الحكمة الباعثة على التكليف أعني الاختبار فإن موافقة الأمر والنهي لا بقصد الموافقة لا يتحقق الاختبار فالمقصود بتلك التكاليف حقيقة إنما هو امتثالها ولا دور لان وجود المأمور به مثلا موقوف على وجود الامر ووجوده موقوف على تعقل المأمور به أعني الفعل المقصود به موافقة الامر لا على وجوده وإلا لزم طلب حصول الحاصل وأما بحسب التعقل فهما متلازمان لأنهما متضايفان وهو واضح وحينئذ فقضية القول بالملازمة أن يكون للامتثال جهة محسنة له عقلا مع قطع النظر عن الشرع وهو كذلك ضرورة أن امتثال أوامره تعالى ونواهيه حسن عند العقل وإن قطع النظر عن حسنه الشرعي فلا يتم النقض قلنا حقيقة الامتثال هو الاتيان بالفعل أو الترك لموافقة التكليف المتعلق به فعلا فيتوقف إمكانه في حق المكلف على تحقق التكليف فيتوقف اتصافه بالحسن أيضا عليه لامتناع تحقق الصفة بدون الموصوف فحسنه متفرع على وقوع التكليف فلا يكون التكليف متفرعا على حسنه على أنه لو تم الوجه المذكور لثبت به المدعى أيضا إذ حسن الامتثال لا يختص بالافعال الحسنة وهو يوجب بطلان الملازمة وأما الثاني فلان المراد بالمراد بالامر إن كان هو الغرض الداعي إلى الامر فهو التزام بمقالتنا وليس فيه ما ينافيه وإن كان المراد به المطلوب بالامر أعني المأمور به كما يقتضيه التفريع فواضح الفساد لان إبراهيم عليه السلام لم يأمر بالامتحان كيف والامتحان من لوازم صدور التكليف الابتلائي سواء فعل المأمور أو لم يفعل إذ على التقديرين ينكشف حاله بالإطاعة والمعصية فيحصل الاختبار والامتحان وإن أراد أن المطلوب منه مجرد امتحان ولده إسماعيل عليه السلام و أنه راجح فمع عدم مساعدة سياق الآية عليه مما لم يذهب إليه ذاهب ومع ذلك فلا تعلق له بالمقام كما لا يخفى وأما الثالث فلان تخصيص فعل بالامتحان دون فعل لا يستدعي وجود مصلحة فيه بمعنى كونه مما يستحق فاعله المدح من حيث كونه فاعله بل يستدعي كونه مما يتأتى به الامتحان على القدر المقصود وهو يتبع مقدار مشقة الفعل وكلفته المراعى باستعداد المكلف وأهليته فيجوز أن يكون تخصيص بعض الأفعال لحصول القدر المقصود من الامتحان به دون غيره ولو قدر هناك أفعال متساوية في ذلك جاز تعيين البعض بناء على جواز الترجيح بلا مرجح ونلتزم على تقدير المنع بلزوم التكليف بالجميع على وجه التخيير أو نقول لا بد من سبق البعض بالذكر فيستغنى به عن ذكر الباقي وأما ما ذكره أخيرا من قوله وبالجملة فهو مخالف لما قرره أولا من أن حسن التكليف تابع لحسن الفعل إذ محصل كلامه هذا أن التكليف منه تعالى لا يقع إلا إذا كان حسنا وهذا حق لا ينافي ما قررناه الثاني التكاليف التي ترد مورد التقية إذا لم يكن في نفس العمل تقية فإن إمكانها بل وقوعها في الاخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام مما لا يكاد يعتريه شوب الانكار وإن منعنا وقوعه في حقه تعالى بل وفي حق النبي صلى الله عليه وآله أيضا فإن تلك التكاليف متصفة بالحسن والرجحان لما فيها من صون المكلف أو المكلف عن مكائد الأعادي وشرورهم وإن تجرد ما كلف به عن الحسن الابتدائي وطريانه بعد التكليف من حيث كونه امتثالا وطاعة لا يقدح في ذلك لان الكلام في الجهة المتفرع عليها التكليف لا الجهة المتفرع على التكليف وليس التكليف هناك بالمصلحة كما توهم مثله في الاختبار لأنها من لوازم التكليف كالاختبار دون العمل وليس التكليف حينئذ صوريا محضا مجرد ألفاظه عن إرادة المعنى لبعده عن مظان الاستعمال مع أن التكليف في الحقيقة
(٣٣٨)