الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٥٠
غير مستقيم عندنا لان الاحكام على ما نراه لا تتعلق بالطبائع إلا باعتبار وجوداتها الخارجية فلا يعقل مغايرة حكمها لحكم أفرادها لاتحادهما في الخارج نعم يتجه ذلك على قول من يجعل وجودها مغايرا لوجود أفرادها أو يجعل الاحكام متعلقة بالطبائع باعتبار أنفسها ويجوز مغايرة حكم الافراد لحكمها كما يراه الفاضل المعاصر وجماعة من المتأخرين فيمكن إلزامهم بصحة الجواب واندفاع الايراد بناء على هذا التنزيل لكن لا خفاء في أن النزاع المذكور لا يختص بأحد هذين القولين فيبقى الاشكال بحاله على مذهب الآخرين هذا والذي هو أوفق بمساق كلام التفتازاني بل هو الظاهر من كلام الشارح الجواد أن المراد أن ما لا يدرك العقل حكمه بدليل يختص به هل يدرك حكمه بدليل يعمه وغيره أو لا فيندفع عنه الايراد المذكور لان الحكم بحسن شم الورد لكونه منفعة خالية عن أمارات المفسدة إنما هو حكم عليه باعتبار أمر كلي عام جار فيه وفي غيره كشم الرياحين وأكل الفواكه وغيرها وليس باعتبار كونه خصوص شم ورد وهذا معنى قوله يحكم عليه بالحسن حكما عاما يعني يحكم عليه بالحسن باعتبار أمر عام وهذا واضح نعم يرد على المجيب أن بعض الأفعال التي يستقل العقل بإدراك حكمها الابتدائي من حسن أو قبح مما يتصف به باعتبار أمر عام كحكم العقل بقبح ضرب غير المستحق وإن اشتمل على منفعة لكونه إيذاء فإن إدراكه لحكمه ليس باعتبار الخصوصية بل باعتبار أمر عام يجري في غيره من الجرح والقتل ونحوهما أيضا مع أن النزاع المحرر في المقام لا يتوجه إليه قطعا وأما ما أورد على الجواب الثاني فإنما يرد على ظاهر كلامه بناء على أن تكون الأدلة العقلية حجة في النظريات أيضا كما هو الحق المحقق ويمكن توجيهه بأن المراد أن ما لا يدرك العقل حسنه أو قبحه الابتدائي أي الثابت للشئ مع قطع النظر عن ملاحظة العنوان المذكور فيرجع إلى ما ذكرناه ويمكن أن يحمل أيضا على أن ما لا يدرك العقل حكمه الابتدائي الواقعي هل يحكم عليه في الظاهر بالإباحة أو الحظر أو لا لكن يقدح فيه أن من الأشياء التي لا يدرك العقل حكمه الواقعي لا يحكم عليها في الظاهر إلا بالحظر كالإناءين المقطوع بوجود السم في أحدهما لا على التعيين ثم إن كلام جماعة كالحاجبي والعضدي في تحرير العنوان خال عن اعتبار كون الفعل الذي لا يدرك العقل حكمه مشتملا على منفعة وإنما وقع التقييد به في كلام جماعة وتبعهم في ذلك الفاضل المعاصر حتى ادعى أن ما لا منفعة فيه كتحريك اليد بلا داع ومضغ الخشب الغير اللذيذ لا حكم للعقل فيها عند الكل أقول وكأنهم أخذوا القيد المذكور من الحجة المعروفة للقائلين بالإباحة حيث اعتبروا في الفعل اشتماله على المنفعة والأقرب عندي أن يحمل المنفعة المأخوذة في الدليل على منفعة ما أعني موافقة القصد والداعي سواء سميت عرفا منفعة أو لا ومرجعها إلى ما يمتنع بدونها صدور الفعل الاختياري و بهذا يحصل التوفيق بين الدليل والعنوان وحمل كلام المعتبرين لهذا القيد في العنوان على ذلك تعسف واضح وربما يؤيد ما ذكرناه أنه لولا عموم العنوان لكان من المناسب أو اللازم أن يبحثوا عن القسم الاخر أيضا مع أنهم لم يتعرضوا له وأما الاتفاق الذي حكاه المعاصر المذكور على أنه لا حكم فيما لا يشتمل على المنفعة فكأنه وقع سهوا من قلمه لان من قال بالحظر في المشتمل على المنفعة كيف يقول بأن لا حكم فيما لا يشتمل عليها بل يلزمه القول بالحظر في ذلك بطريق الأولوية وقد عرفت أن مستندنا على الإباحة يعم النوعين ثم إن أراد الحاجبي بقوله أن لا حكم أنه لا حكم عند العقل كما هو الظاهر من دليله توجه عليه ما مر وإن أراد أن لا حكم في الواقع توجه عليه أن عدم حكم العقل بمعنى عدم إدراكه الحكم أعم من عدم الحكم في الواقع والعام لا دلالة له على الخاص وأما المتوقف فإن أراد توقف العقل عن الحكم رجع مقالته إلى مقالة الحاجبي فيرد عليه ما يرد عليه وإن أراد توقفه عن تعيين أحد القولين أو الأقوال لعدم عثوره فيها على دليل يعتمد عليه توجه عليه ما عرفت من بياننا المتقدم على إثبات القول بالإباحة ثم قولهم في العنوان قبل الشرع هل المراد به قبل بعث الرسل مطلقا أو قبل وصول أحكام الشريعة مطلقا أو قبل وصول جملة يعتد بها منها أو قبل وصول الحكم في خصوصيات الموارد المبحوث عنها بهذا العنوان أو قبل وصول حكم هذا العنوان وكان الأول أظهر في كلام العامة لكن حمل كلام أصحابنا عليه غير سديد لابتناء البحث معه على مجرد الفرض و تقدير غير واقع ولا جدوى فيه إلا أن يقال فائدته انسحاب الحكم منه إلى الواقع وهو كما ترى مع عدم وقوع هذا الدعوى في كلامهم و الثاني بل الثالث أيضا يستفاد من كلام الفاضل المعاصر يرشد إليه تمثيله بأهل زمن الفترة والمحبوسين الذين لا يتيسر لهم البحث و هو أيضا لا وجه له لأنه تخصيص من غير اختصاص والذي أوقعه في هذا الوهم ما توهمه سابقا من أن النزاع في الإباحة الواقعية إذ بعد وصول كثير من أحكام الشريعة إلى المكلف وعلمه بحكم الشارع بالحظر في كثير مما لا يدرك العقل حكمه الكاشف عن وجود جهة مقبحة واقعية خفية فيه يمتنع أن يقطع بإباحة ما يجهل حكمه وقد عرفت فساده والوجه في المقام أحد الوجهين الأخيرين أو ما يعمهما والوجه الأخير هو الأظهر فيرجع محصل البحث إلى أن الأشياء التي لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها مع قطع النظر عما ورد فيها من الشرع خصوصا أو عموما هل يحكم فيها بالإباحة أو الحظر أو لا يحكم بشئ هذا وما ذكره بعض المعاصرين من أن حكم العقل به بإباحة تلك الأشياء وإن كان قطعيا قبل ملاحظة الشرع لكنه بعد ملاحظة الشرع والاطلاع على تحريم الشارع لكثير من المنافع الخالية عن المضرة يكون ظنا ولا دليل قطعيا على حجيته والدليل الظني غير مفيد فكيف يدعى أنه مما يستقل العقل به إلا أن يقال إذا حصل الظن بمقتضى هذا الأصل كان في مخالفته مظنة ضرر فيجب دفعه عقلا أو يقال يبتني حجية
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»