التي تسالموا عليها من وجوب كل لطف عليه تعالى فلو تم ما ذكروه لدل على وجوب تطابق العقل والنقل لا عدم حجيته إلا أن يستكشف بعدمه عن فساد حكم العقل لكنه خلاف ما يراه المستدل لأنه يلتزم بصحته ولا يقول بحجيته أو يشترط الحكم في الكبرى بأن لا يمنع مانع لكن هذا ربما يقدح فيما قصدوه من وجوب الارسال وأجاب الفاضل المعاصر عن الحجة المذكورة بعد تسليم وجوب اللطف في الجملة بالمنع من وجوب كل لطف وأنت خبير بأن هذا المنع مما لا مساس له بكلام المستدل إذ لم يتمسك بوجوب اللطف مطلقا بل مبني حجيته على عدم وجوبه كذلك كما نبهنا عليه نعم يرد المنع المذكور وعلى كبرى حجية المتكلمين ويشبه أن يكون المجيب قد خلط بين الحجتين فأورد على إحداهما ما يرد على الأخرى لتقاربهما ويمكن التكلف بحمل الوجوب في كلامه على الوجوب الشرطي فيرجع الجواب إلى المنع من اشتراط حسن العقاب بحصول كل لطف ولا يخفى عدم مساعدة تعليله الآتي عليه ثم قال في سند المنع ما لفظه إذ كثير من الألطاف مندوبة فإن التكليفات المندوبة أيضا لطف في المندوبات العقلية أو مؤكدة للواجبات العقلية يعني أن التكليف الندبي بالمندوبات العقلية لطف مندوب وهذا متجه على القول بأن جهات التكليف تابعة لجهات ما تكلف به إذ لا يعقل حينئذ زيادة الفرع على الأصل وقوله أو مؤكدة مرفوع عطفا على قوله لطف يعني أن التكليف الندبي بالمندوبات العقلية مؤكد للواجبات العقلية وهذا قريب من ما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد في بيان نية وجه الوجوب والندب في الوضوء حيث قال المراد بوجه الوجوب و الندب السبب الباعث على إيجاب الواجب وندب المندوب فهو على ما هو قرره جمهور العدليين من الامامية والمعتزلة أن السمعيات ألطاف في العقليات ومعناه أن الواجب السمعي مقرب من الواجب العقلي أي امتثاله باعث على امتثاله فإن من امتثل الواجبات السمعية كان أقرب إلى امتثال الواجبات العقلية من غيره ولا معنى للطف إلا ما يكون المكلف معه أقرب إلى الطاعة و كذا الندب السمعي مقرب من الندب العقلي أو مؤكدا لامتثال الواجب العقلي فهو زيادة في اللطف والزيادة في الواجب لا يمتنع أن يكون ندبا ولا نعني أن اللطف في العقليات منحصر في السمعيات فإن النبوة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد بل جميع الآلام تصلح للالطاف فيها وإنما هي نوع من الألطاف انتهى ثم قال المعاصر المذكور وقد يكتفي في اللطف بالتكليف بسمعي لم يستقل به العقل لا بنفس التكليف العقلي كما يشير إليه قوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر يعني قد يكلف بسمعي يؤدي إلى ترك القبائح العقلية فيستغنى بالتكليف به عن التكليف بها كالتكليف بالصلاة المؤدية إلى ترك القبائح فلا حاجة إلى التكليف بها أو يريد أنه قد يكلف بسمعي على وجه ينبه على وجوب ترك القبائح العقلية كالأمر بالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر فإنه يدل بالالتزام على مطلوبية تركها بل وجوب تركها فلا حاجة إلى التصريح بذلك ولا يخفى ما في كلامه من التعقيد احتج من خص الانكار بغير المعارف على النفي بما مر وعلى الاثبات بما دل عليه جملة من الاخبار من تعذيب عبدة الأوثان فإنها بإطلاقها تشمل زمن الفترة أيضا فتدل على حجية مدركات العقل بالنسبة إلى العقائد و جوابه أن النسبة بين هذه الأخبار والأخبار السابقة التي زعم المستدل أنها تدل على عدم حجية العقل عموم من وجه فتخصيص عموم تلك الأخبار بإطلاق هذه ليس بأولى من تقيد إطلاق هذه بعموم تلك الأخبار مع أن كثيرا من الاخبار أيضا تدل على تعذيب الآتي ببعض المناكير وهي بإطلاقها يتناول زمن الفترة أيضا فلا وجه للتخصيص بالمعارف وأما ما أجاب به بعض المعاصرين من أن التعذيب على عبادة الأوثان يرجع إلى التعذيب على الأعمال النظرية الاختيارية المفيدة لتلك الاعتقادات لان نفس الاعتقاد غير مقدور فلا يترتب عذابه عليه فضعفه ظاهر إذ يكفي في صحة التكليف بشئ وترتب عقاب عليه مقدوريته ولو بواسطة مقدماته و أسبابه كما نبهنا عليه في بحث المقدمة ولئن سلم فلعل القائل المذكور يريد بترتب العقاب على تلك الاعتقادات ترتبها على مقدماتها من الأعمال النظرية ويمنع حجية العقل فيما عداها وليس في الجواب المذكور ما يقتضي دفعه حجة من فصل بين الضروريات و النظريات وجهان الأول ما دل من الاخبار على أن دين الله لا يصاب بالعقول وما دل على أن الناس مكلفون بالرجوع إلى الكتاب والسنة فإن ظاهرهما حصر الحجة فيهما والجواب أما أولا فبالنقض بالضروريات إذ لو تم الدليل المذكور لدل على عدم جواز التعويل عليها أيضا وأما ثانيا فبأن تلك الأخبار كلا أو بعضا واردة في مقام المنع عن العمل بالقياس كما يظهر من سياقها ولو سلم فهي واردة مورد الغالب من عدم وصول أغلب العقول وندرة ما يصل إليها الواصل الثاني أن المطالب النظرية كثيرا ما يقع فيها الاشتباه والخطأ و إن بالغ الناظر في المحافظة على مقدماتها كما يشهد به الوجدان فلا يحصل للناظر القطع بها لأنه كل ما رتب البراهين بمقدماتها المستلزمة للمطلوب منع نفسه من الانقياد لها والتسليم بمقتضاها علمه الاجمالي بكثرة وقوع الخطأ في النظر وإن الناظر كثيرا ما يقطع بالحكم بمشاهدة مقدمات معلومة عنده بالضرورة ثم ينكشف خلافه فيجوز أن يكون علمه بالحكم المستفاد من النظر من ذلك القبيل إذ لا يتمكن من التميز بحيث لا ينتقض بذلك اليقين الاجمالي وإذا تحقق عنده ذلك امتنع جزمه بالحكم والجواب أما أولا فبالنقض بالضروريات لوقوع الخطأ فيها أيضا كيف لا ومرجع النظريات إلى
(٣٤٥)