على حسب مؤدى تلك الألفاظ عند جهل السامع بخلافها فلا باعث على صرفها عن ظاهرها وتجريدها عن معانيها مع صحة إرادتها نعم يمكن إخراج ذلك عن موضع النزاع بتخصيصه بتكاليفه تعالى أو مع تكاليف النبي صلى الله عليه وآله ولا يتطرق التقية هناك الثالث أن كثيرا من الاحكام المقررة في الشريعة معللة في الحقيقة ولو بحسب الظن أو الاحتمال بحكم غير مطردة في جميع مواردها ومع ذلك فقد حافظ الشارع على عمومها وكليتها حذرا من الأداء إلى الاخلال بموارد الحكم كتشريع العدة لحفظ الأنساب من الاختلاط حيث أثبتها الشارع بشرائطها المقررة على سبيل الكلية حتى مع القطع بعدم النسب أو بعدم الاختلاط كما في المطلقة المدخول بها دبرا أو مجردا عن الانزال والغائب عنها زوجها أو المتروك وطئها مدة الحمل وغير ذلك فإنه لو جعل المدار في ذلك على العلم أو الظن بعدم النسب أو عدم الاختلاط لادى إلى تفويت الحكمة وحصول الاختلاط في كثير من الموارد بالتلبيس أو الالتباس وكذا الحال في تشريع غسل الجمعة لرفع رياح الإباط مع ثبوت استحبابه مع عدمها وكراهة الصلاة في الحمام لكونه مظنة للرشاش وفي الأودية لكونها مظنة لمفاجأة السيل مع ثبوتها عند القطع بعدمهما إلى غير ذلك فهذه الأمور فعلا أو تركا وإن كان حسنها الابتدائي مقصورا على الموارد التي تشتمل على الحكم وقضية ذلك حسن التكليف بتلك الموارد خاصة لكن لما كان في تعميم التكليف حكمة كمال المحافظة على موارد الحكم حسن تعميم التكليف فحسن الفعل في الموارد التي يتجرد عن الحكمة من جهة التكليف وليس حسن التكليف من جهته وإلا لدار ثم ما ذكرناه من أن الأحكام المذكورة معللة بتلك الحكم فقط إن لم يكن مظنونا فلا أقل من كونه محتملا وهو كاف في إثبات ما أردناه من نفي الملازمة إذ تجويز العقل ذلك ينافي حكمه بالملازمة فإن قلت يمكن تقرير هذا الدليل أيضا بالنسبة إلى أكثر القواعد المقررة والضوابط الممهدة في الشريعة المقدسة فإنها مما قد تتخلف عن مؤداها وتفارق مقتضاها ومع ذلك فقد قررها الشارع على سبيل العموم والكلية كوجوب العمل بخبر الواحد والاستصحاب وشهادة العدلين والاخذ بظاهر اليد وإقرار الكامل المختار وغير ذلك مما يقطع بتخلفه عن إصابة الواقع ولا ريب أن العمل بتلك الضوابط إنما يحسن ابتدأ مع إصابة الواقع فإن الحكم بمقتضى شهادة الزور وإبقاء المرتفع وملكية اليد العادية وإقرار الكاذب قبيح لكن بعد ملاحظة تعذر الوصول إلى الواقع غالبا وكون تلك الضوابط من الامارات الموصلة إليه في الغالب يحسن عند العقل تأسيس تلك الضوابط ويحسن التكليف بالعمل بها حتى في مواضع التخلف مع عدم العلم به لا لحسن العمل بها فيها بل لتحصيل فوائدها في صورة الإصابة كما هو الغالب فحسن العمل بها في مواضع التخلف إنما هو بعد تعلق التكليف بها من جهته قلت ليس شئ من ذلك مما نحن فيه لاتصاف العمل بالجميع فيها بالحسن الابتدائي مع قطع النظر عن التكليف غاية ما في الباب أن الحسن في غير الحسن منها لنفسه غيري نظرا إلى اشتباه الراجح منها بغيره مع غلبته جهة الرجحان وليس فيه منافاة لما ذكروه الرابع الأخبار الدالة على عدم تعلق بعض التكاليف بهذه الأمة رفعا للكلفة والمشقة عنهم كقوله صلى الله عليه وآله لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك فإن وجود المشقة في الفعل قد يقدح في حسن الالزام به وإن لم يقدح في حسن الفعل وذلك حيث لا يكون هناك ما يحسن الابتلاء ولا يكون في الفعل مزيد حسن بحيث يرجح الالزام به مع المشقة كما في الجهاد فالفعل الشاق قد يكون حسنا بل واجبا عقليا لكن لا يحسن الالزام به لما فيه من التضييق على المكلف مع قضاء الحكمة بعدمه الخامس الصبي المراهق إذا كان كامل العقل لطيف القريحة ثبت الاحكام العقلية في حقه كغيره من الكاملين ومع ذلك لم يكلفه الشارع بوجوب ولا تحريم لمصالح داعية إلى ترك تكليفه بهما من التوسعة عليه وحفظ القوانين الشرعية عن التشويش وعدم الانضباط السادس أن جملة من الأوامر الشرعية متعلقة بجملة من الافعال مشروطة بقصد القربة والامتثال حتى إنها لو تجردت عنه لتجردت عن وصف الوجوب كالصوم والصلاة والحج والزكاة فإن وقوعها موصوفة بالوجوب الشرعي أو رجحانه مشروط بنية القربة حتى إنها لو وقعت بدونها لم تتصف به مع أن تلك الأفعال بحسب الواقع لا تخلو إما أن تكون واجبات عقلية مطلقا أو بشرط الامر بها ووقوعها بقصد الامتثال وعلى التقديرين يثبت المقصود أما على الأول فلحكم العقل بوجوبها عند عدم قصد الامتثال وحكم الشارع بعدم وجوبه وأما على الثاني فلانتفاء الحسن قبل التكليف وحصوله بعده فلم يتفرع حسن التكليف على حسن الفعل ولنا على الثانية أنه إذا حسن التكليف ورجح وجب صدوره عنه تعالى لان علمه وحكمته وغناه و قدرته تنافي وقوع خلاف ذلك منه سواء كان رجحانه رجحانا وجوبيا أو ندبيا وربما توهم بعض الناس أن وجوب الصدور ينافي ندبية الفعل لان الوجوب والندب وصفان متضادان يمتنع تواردهما على محل واحد ومنشأ هذا الوهم عدم الفرق بين الوجوب بمعنى ما يستحق تاركه الذم وبينه بمعنى ما يمتنع عدمه فالندبية إنما تنافي الوجوب بالمعنى الأول والمعتبر في المقام إنما هو المعنى الأخير فقد اتضح مما حققنا أنه لا بد في إدراك العقل موافقة حكم الشارع واقعا لما أدركه من جهات الفعل من أن يدرك جهة التكليف وأن ليس فيها ما يصلح لمعارضة جهات الفعل وأنه لا يكفي مجرد إدراك جهات الفعل نعم قد يدرك العقل إجمالا أن ليس
(٣٣٩)