ما ذكروه ظنية وهي لا تصلح لمعارضة ما ذكرناه من الدليل القطعي فلا بد من تأويلها وصرفها عن ظاهرها وأما التخصيص أو تنزيلها منزلة الغالب أو يجعل بعثة الرسول مجازا عن مطلق إتمام الحجة أو يجعل الرسول أعم من الرسول الظاهري والباطني كما يرشد إليه ما ورد من أن لله حجتين حجة في الباطن وهو العقل وحجة في الظاهر وهو الرسول وهذا الجواب عندي غير مستقيم على إطلاقه و ذلك لان استلزام الحكم العقلي للحكم الشرعي واقعيا كان أو ظاهريا مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعي عنده من جواز تعويله عليه ولهذا يصح عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده لا تعول في معرفة أوامري وتكاليفي على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدي إليه حدسك بل اقتصر في ذلك على ما يصل مني إليك بطريق المشافهة أو المراسلة أو نحو ذلك ومن هذا الباب ما أفتى به بعض المحققين من أن القطاع الذي يكثر قطعه بالامارات التي لا يوجب القطع عادة يرجع إلى المتعارف ولا يعول على قطعه الخارج منه فإن هذا إنما يصح إذا علم القطاع أو احتمل أن يكون حجية قطعه مشروطا بعدم كونه قطاعا فيرجع إلى ما ذكرناه من اشتراط حجية القطع بعدم المنع لكن العقل قد يستقل في بعض الموارد بعدم ورود منع شرعي لمنافاته لحكمة فعلية قطعية وقد لا يستقل بذلك لكن حينئذ يستقل بحجية القطع في الظاهر ما لم يثبت المنع والاحتجاج بالآية على تقدير دلالتها إنما يقتضي منع حجية القسم الثاني والجواب المذكور إنما يقتضي منع دلالتها على القسم الأول الثاني الأخبار الدالة على أن لا تكليف إلا بعد بعث الرسل ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة وما دل على أنه على الله بيان ما يصلح الناس و ما يفسدهم وأنه لا يخلو زمان عن إمام معصوم ليعرف الناس ما يصلحهم وما يفسدهم وما دل على أن أهل الفترة وأشباههم معذورون وما رواه الكليني في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال بني الاسلام على خمسة أشياء إلى أن قال أما إن رجلا لو قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الايمان وقوله عليه السلام كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي فإن المستفاد منه دخول ما لا نص فيه في المباح مطلقا والجواب أما عن الأول فبأن نفي التكليف قبل البعثة كما يصدق بثبوت زمان لا تكليف فيه على المكلفين الموجودين فيه كذلك يصدق بعدم خلو زمان من البعثة بل الثاني هو المتعين لما تحقق عندنا بالأخبار المستفيضة بل المتواترة من أنه لم يخل زمان عن وجود نبي أو وصي والبينة لا تختص ببيان الرسل بل يتناول بيان العقل أيضا لا سيما بعد تقرير الرسل على حجيته و مع الاغماض عن ذلك فغاية ما يلزم عدم ترتب الهلاك والحياة على مدركات العقل قبل كمال وضوح الحجة بتأكيد السمع وهما أخص من ترتب العقاب والثواب المستلزم لتحقق الحرمة والوجوب وأما عن الثاني والثالث فبأن وجوب البيان والتعريف لا ينافي ثبوت التكليف بدونهما حيث يستقل بإدراكه العقل ويمتنع من وقوع البيان والتعريف أو وصولها مانع فيكون البيان والتعريف فيما يستقل به العقل تأكيدا لا تأسيا مع أن بيانه تعالى كما يصدق ببيان أنبيائه و حججه كذلك يصدق ببيان العقل إذ يكفي في إضافة بيان العقل إليه تعالى كونه مقدرا إياه من الوصول والادراك كما يكفي مثله في إضافة بيان أنبيائه وحججه إليه وأما عن الرابع فبأن معذورية أهل الفترة لا تدل على عدم حجية مدركات العقل لجواز قصور عقول أهلها عن الاستقلال بإدراك شئ من الاحكام إما لقصورها في حد ذاتها أو لعدم إلفها بالشريعة ومجرد احتمال إدراكهم لبعض الاحكام لا يكفي في صحة الاستدلال وأما عن الخامس فبأن المتبادر من أعماله الأعمال المذكورة سابقا من الصوم والصلاة والصدقة والحج لظهور الإضافة في العهد وظاهر أن ليس للعقل مدخل في ذلك مع أن المدار ليس على مشاهدة الدلالة والحضور عند وقوعها بل على الاطلاع عليها ولو بما يكشف عنها كالخبر و الاجماع ولا ريب أن العقل أيضا كذلك فإنه إذا كشف عن الواقع كشف عن وقوع دلالة الولي إليه فإذا عمل به من حيث كونه دالا إليه كان عملا بدلالته على أن نفي الثواب لا يستلزم نفي العقاب ويكفي ثبوته في إثبات حقيقة الوجوب والتحريم وأما عن الرواية الأخيرة فبأن الظاهر منها إباحة كل شئ جهل حكمه بدليل قوله حتى يرد فيه نهي فإن التقييد بغاية ورود النهي لا يلائم ما علم ورود النهي فيه ابتدأ مع أن ورود النهي أعم من وصوله بطريق السمع فيتناول ما إذا ورد النهي واستكشفنا عنه بالعقل كما أنه يتناول ما إذا ورد و استكشفنا الإباحة عنه بالاجماع والضرورة على أن الشئ ظاهر في الفعل والنهي ظاهر في طلب تركه فتدل الرواية على بقاء الشئ على وصف الاطلاق وإن ورد أمر به وهذا غير مستقيم فلا بد من تقييد الشئ بما لا يحتمل الوجوب فلا يتم الدلالة على تمام المدعى و يمكن تعميم النهي إلى النهي عن الترك فيتناول القسمين ولكنه بعيد نعم هذا الاشكال لا يتجه على رواية الشيخ فإن فيها أمرا أو نهيا و قد يجاب بأن ورود النهي أعم من وروده بالعقل أو الشرع هو بعيد نعم لا يبعد أن يقال المفهوم عنه عرفا الأشياء التي لا يستقل العقل بإدراك حرمتها أو هو قريب إلى ما ذكرناه ثم من المتأخرين من بالغ في توجيه الاستدلال والرواية فنزلها تارة على الاخبار على أن المعنى كل ما لم يرد من الشارع منع فيه ولم يصل إلينا فلا يحكم عليه بالمنع الشرعي وإن منع منه العقل لعدم إدراك العقل للعلة المقتضية لحكم الشرع فيبني على
(٣٤٣)