بالمال الذي لا يضطر إليه على النفس إلى غير ذلك مما لا حصر له بل هذه درجة المتقين ومرتبة الزاهدين لا يسع القيام به إلا الأوحدي من الناس بل الظاهر عدم جريانه في الواجب المخير أيضا إذا تجرد بعض آحاده عن الجرح للبيان الذي سبق ثم إذا اشتمل الواجب التعييني على مشقة شديدة لا يتحمل مثلها عادة فلا إشكال في سقوط وجوبه التعييني وفي بقاء وجوبه على وجه التخيير لو كان له بدل اضطراري حال عن المشقة كالغسل في البرد الشديد مع أمن الضرر أو إبقاء رجحانه على وجه الاستحباب مع عدم البدل عند عدم قيام دليل عليه وجهان من أن زوال الفصل يوجب زوال الجنس فيحتاج إثباته في ضمن فصل آخر إلى دليل كما مر ومن الجمع بين الحكمة القاضية بوجوب الفعل والحكمة القاضية بنفي الحرج وهو الأقوى و يدل عليه ثبوت الرجحان قبل دخول وقت الواجب لعدم المانع فلا يعقل تحريمه بعده فصل ينقسم الحكم باعتبار الحاكم إلى شرعي وعقلي فالحكم الشرعي ما جعله الشارع في الشريعة مما ليس بعمل فخرج بقيد الشارع ما جعله غيره وبقولنا في الشريعة ما جعله في غيره كالأوضاع الشرعية بناء على ثبوتها فإنها جعل في غير الشريعة وإن كان الموضوع له مجعولا فيها وبالقيد الأخير مثل الصلاة و الصوم مما جعله الشارع في الشريعة وليس بحكم وعرف في المشهور بأنه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من حيث الاقتضاء أو التخيير أو الوضع فالخطاب جنس وخرج بتقييده بالشرع خطاب غيره وبقيد المتعلق بأفعال المكلفين الخطاب المتعلق بغير الافعال كالذوات أو بأفعال غير المكلفين كفعله تعالى وينبغي أن يراد بالفعل ما يتناول الترك وأفعال القلب ليدخل الأحكام الشرعية المتعلقة بهما ومن منع تعلق التكليف بالترك فلا حاجة له إلى التعميم الأول و بقيد الحيثية خطابه المتعلق بأفعال المكلفين لا بالحيثية المذكورة كقوله تعالى ثم وليتم مدبرين والله خلقكم وما تعملون ولا فرق في ذلك بين أن يجعل ما مصدرية أو يجعل موصولة وبعضهم خص الاحتراز بالتقدير الأول ولا وجه له لتعلق الخطاب على التقديرين بفعل المكلف ومن ترك قيد الحيثية كالغزالي فقد انتقض طرد حده بدخول ذلك فيه وانتصر له العضدي باعتبار الحيثية في المكلفين ورد به النقض بالآية الثانية من حيث إن الخطاب فيها ليس متعلقا بأفعال المكلفين من حيث كونهم مكلفين وهذا لا يجدي في دفع فساد حده لتوجه النقض عليه بالآية الأخرى وبمثل أنهم كانوا قوما فاسقين وبخروج الأحكام الوضعية عنه والمراد بالاقتضاء وما يعم اقتضاء الفعل والترك مع المنع من النقيض وبدونه فيتناول الأحكام الأربعة التكليفية ويبقى الإباحة وهي المرادة بالتخيير و يندرج الأحكام الوضعية في قولنا أو الوضع ومن ترك القيد الأخير زاعما أن الأحكام الوضعية ليست بأحكام حقيقة وإنما تسمى أحكاما باعتبار ما يلزمها من الأحكام التكليفية فقد خرج عن مسلك السداد وارتكب ما هو معلوم الفساد لوضوح مساعدة عرف المتشرعة على تسمية الجميع أحكاما حقيقة وعلى الحد المذكور إشكالات منها أنه لا يتناول الأحكام المتعلقة بفعل النبي صلى الله عليه وآله خاصة و هي المعبر عنها بخواصه صلى الله عليه وآله لعدم عمومها المكلفين بل لا يتناول الاحكام المختصة ببعضهم عليهم السلام كوجوب ستر العورة على المرأة في الصلاة لعدم عمومها غيرها بل لا يتناول شيئا من الاحكام لعدم عمومه لجميع الافعال فإن الجمع المضاف كالجمع المعرف باللام ظاهر في العموم والجواب أن المراد بالافعال و المكلفين الجنس فإن الجمع المعرف قد يأتي لذلك كما مر وحينئذ فيتناول الجميع لصدق الجنس على الجميع ويشكل بأنه مجاز ولا قرينة عليه وورود الاشكال لا يصلح لها إلا أن يدعى مساعدة المقام عليه ومنها أن خطاب الشرع قد يتعلق بفعل غير المكلف كصحة عمل الصبي أو فساده وندبية الراجح وكراهة المرجوح وإباحة المباح في حقه والجواب أن الصبي إن كان أهلا لتوجه شئ من الخطابات التكليفية إليه فهو مندرج تحت عنوان المكلف إذ لا نعني به إلا من توجه إليه خطاب بالحكم غاية ما في الباب عدم توجه تكليف الخاص أعني الوجوب والتحريم إليه وهو لا ينفي صدق عنوان المكلف عليه بالمعنى الأعم وإن لم يكن أهلا له إما عقلا كغير المميز أو شرعا كالمميز عند من لا يعتد بعلمه فلا ريب أنه لا حكم في حقه أصلا فلا يرد النقض إلا بالحكم الوضعي فإن ثبوته في حقه لا يتوقف على توجه الخطاب إليه وسيأتي الجواب عنه ومنها أنه لا يتناول الأحكام الوضعية المتعلقة بأفعال غير المكلفين ببينة إتلاف المجنون لضمانه أو بغير الافعال كطهورية الماء ونجاسة الأعيان المعهودة إلى غير ذلك والجواب أن المراد تعلقه بفعل المكلف في الجملة سواء كان ابتدائيا أو ثانويا وتلك الخطابات وإن تعلقت بغير المكلف ابتدأ إلا أن لها تعلقا بفعل المكلف بطريق الأول واللزوم ولو شأنا فلا إشكال وفيه تعسف ثم هذا التعريف كما ترى إنما يتم على مذهب الأشاعرة حيث أثبت الكلام النفسي وجعلوا منه الحكم الشرعي وأما على ما يراه أصحابنا والمعتزلة من بطلان الكلام النفسي فالصواب أن يعرف بما ذكرناه أو بمؤدى الخطاب المذكور ثم الحكم التكليفي ينقسم إلى الأقسام الخمسة وقد مر وأما الحكم الوضعي فقد قسم أيضا إلى أقسام خمسة السببية والشرطية والمانعية والصحة والفساد وليس بمعتمد الخروج كثير من أحكام الوضع منها كالطهارة والنجاسة والملكية والحرية والرقية والزوجية و البينونة إلى غير ذلك وينقسم الحكم العقلي أيضا إلى تكليفي و وضعي وينقسم الأول إلى أقسام خمسة لان العقل إذا أدرك الجهات فإما أن يحكم بالحسن أو بعدمه و
(٣٣٦)