هو الإباحة العقلية وعلى الأول إما أن يكون حكمه للفعل أو الترك و على التقديرين إما أن يكون مع تقبيح النقيض أو بدونه وهذه أحكام أربعة عقلية أعني الوجوب العقلي وحرمته وندبه وكراهته و أما حكمه الوضعي فكحكمه بشرطية الفهم والقدرة للتكليف و بسببية عدمهما لسقوطه وبصحة العمل الموقع على الوجه الذي أمر به بكلا معنييها وغير ذلك ثم إنه قد اتضح مما قررنا في التقسيم حدود الأحكام التكليفية الشرعية والعقلية وأن الواجب الشرعي ما ألزم الشارع بفعله بمعنى أنه طلب فعله ولم يرض بتركه والواجب العقلي ما حسن فعله عند العقل وقبح تركه والحرام الشرعي ما ألزم الشارع بتركه بمعنى أنه طلب تركه ولم يرض بفعله والحرام العقلي ما حسن تركه عند العقل وقبح فعله والمندوب الشرعي ما طلب الشارع فعله مع الاذن في تركه والمندوب العقلي ما حسن فعله عند العقل ولم يقبح تركه والمكروه الشرعي ما طلب الشارع تركه مع الاذن في فعله والمكروه العقلي ما حسن تركه عند العقل ولم يقبح فعله والمباح الشرعي ما رخص الشارع في فعله وتركه وخير بينهما والمباح العقلي المقدور الذي لا حسن في فعله وتركه فصل اختلف القائلون بالحسن والقبح العقليين في الملازمة بين حكم العقل والشرع فذهب الأكثرون إلى إثباتها مطلقا وصار آخرون إلى نفيها مطلقا و فصل بعض فخص النفي بالأحكام المتعلقة بالفروع وأثبتها في الأصول وذهب بعض الأفاضل إلى النفي في النظريات خاصة و توقف شيخ الأشاعرة بعد التنزل عن أصله ولا بد أولا من تحرير محل النزاع فنقول نزاعهم في المقام يرجع إلى مقامين الأول وهو المعروف بينهم أن العقل إذا أدرك جهات الفعل من حسن أو قبح فحكم بوجوبه أو حرمته أو غير ذلك فهل يكشف ذلك عن حكمه الشرعي و يستلزم أن يكون قد حكم الشارع أيضا على حسبه ومقتضاه من وجوب أو حرمة أو غير ذلك أو لا يستلزم ثم عدم الاستلزام يتصور بوجهين الأول أن يجوز حكم الشارع بخلافه بأن يحكم العقل بإباحة شئ وبعدم استحقاق فاعله الذم ويحكم الشارع بحرمته مثلا و استحقاق فاعله الذم وعلى هذا فلا يستلزم حكم العقل حكم الشرع و لا حكم الشرع حكم العقل الثاني أن يجوز أن لا يكون للشارع فيما حكم العقل فيه بوجوب أو حرمة مثلا حكم أصلا لا موافقا ولا مخالفا و ذلك بأن تخلو الواقعة عن الحكم رأسا وعلى هذا فيجوز أن يكون حكم الشارع عند هذا القائل مستلزما لحكم العقل بخلاف العكس المقام الثاني أن عقولنا إذا أدركت الحكم الشرعي وجزمت به فهل يجوز لنا اتباعها ويثبت بذلك الحكم في حقنا أو لا وهذا النزاع إنما يتصور إذا لم يقطع العقل بالحكم الفعلي بل قطع بالحكم في الجملة بأن احتمل عند اشتراط فعليته باستفادته من طريق النقل وأما لو قطع بالتكليف الفعلي بأن أدركه مطلقا غير متوقف على دلالة سمعي عليه فالشك في ثبوته غير معقول وهذا الوجه أيضا إنما يقتضي منع استلزام الحكم العقلي للشرعي دون العكس ولا يذهب عليك أن النزاع على التحرير الأخير يعم جميع ما يستقل بإدراكه العقل مما يبتني على قاعدة التحسين والتقبيح وما لا يبتني عليها وعلى التحرير الأول يختص بالقسم الأول وربما يقرر النزاع في أن العقل إذا أدرك أن الفعل أو الترك مطلوب له تعالى بطريق الالزام أو بدونه فهل يحكم بأنه موافق لما صدر عنه تعالى من الاحكام التي أنزلها على نبيه صلى الله عليه وآله وأودعها النبي صلى الله عليه وآله عند أوصيائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين أو لا أقول إن أريد بالطلب والالزام ما يتناول الثاني أعني ما يحتمل عند العقل أن يكون مشروطا بدلالة النقل عليه رجع إلى ما حررناه في المقام الثاني وإن أريد الطلب والالزام الفعليين كما هو الظاهر من البيان المذكور فظاهر والسقوط وذلك لان التحرير المذكور يتصور حينئذ على وجهين الأول أن يكون النزاع في أن العقل إذا أدرك أنه تعالى أراد فعل كذا في نفس الامر والواقع فهل يحكم أيضا بأنه أمر به فيما قرره من الشريعة أو لا الثاني أن يكون النزاع في أن العقل إذا أدرك مطلوبه ومراده فهل يدرك أن الواقع أيضا على حسب ما أدركه أو لا بل يجوز أن يكون الامر على خلاف ما أدركه وكلا الوجهين متضح الفساد أما الأول فلانه إنما يتصور المنع فيه على ما ذهب إليه الأشاعرة من أن مدلول الامر يغاير الإرادة ولا يستلزمها وأما على ما ذهب إليه الإمامية وغيرهم من أنه عينها أو يستلزمها فلا يعقل الانفكاك فلا يتصور النزاع وأما الثاني فلان إدراك العقل للمطلوب إن كان ظنيا فلا معنى لعدم تجويز المخالفة للواقع وإن كان قطعيا فلا معنى لتجويز مخالفته له هذا إن اعتبر التجويز بالنظر إلى عقل المدرك كما هو الظاهر وإلا فلا ريب في أن ظن أحد بالحكم أو قطعه به لا يوجب من حيث إنه كذلك ظن غيره أو قطعه به إذا تقرر هذا فالحق عندي في المقام الأول أن لا ملازمة عقلا بين حسن الفعل و قبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه وإنما الملازمة بين حسن التكليف بالفعل أو الترك وبين وقوعه نعم جهات الفعل من جملة جهات التكليف فقد يقتضي حسن الفعل أو قبحه حسن التكليف به أو تبركه وقد لا يقتضي المعارضة جهة أخرى في نفس التكليف هذا إذا أريد بالملازمة الواقعية منها ولو أريد بها الملازمة ولو بحسب الظاهر فالظاهر ثبوتها لكن المستفاد من كلمات القوم إرادة المعنى الأول وسنشير إلى المعنى الثاني في أثناء المبحث وربما يظهر من بعض المحققين موافقته لنا في الذهب وأما في المقام الثاني فالحق ثبوت الملازمة في الظاهر وعدم ما يدل على عدمها في الواقع قلنا في المقام الأول دعويان لنا على أولهما أمور الأول حسن التكليف الابتلائي فإن الضرورة قاضية بحسن أمر المولى عبده بما لا يستحق فاعله من حيث إنه فاعله المدح في نظره استخبارا
(٣٣٧)