حكم بنفيه وبأن الممتنع هو تصوره مثبتا لا مطلقا والذي يلزم من ذلك إمكان تصوره منفيا لا مطلقا فلا منافاة وتوضيح ذلك على ما حققه بعضهم هو أن المستحيل مما يمتنع أن يحصل له صورة في العقل كأن يتصور شئ هو اجتماع النقيضين أو اجتماع الضدين فتصوره إما على سبيل التشبيه بأن يلاحظ بين المختلفين كالسواد و الحلاوة وصف الاجتماع ثم يقال مثل هذا الوصف لا يمكن حصوله وبينهما أو على سبيل النفي بأن يعقل أنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض هذا ولا يخفى ما فيه لأنه إن أريد باستحالة تصور المستحيل الذاتي استحالة حصول صورته في الخيال فمسلم لكن نمنع توقف الطلب على إمكان حصول صورة المطلوب في الخيال وإنما يتوقف على إمكان تصوره في الجملة وإن أريد استحالة حصول صورته في العقل كما صرح به في التوضيح فممنوع كيف وهذا المفهوم حاصل في العقل وحصوله فيه عبادة عن تصوره وذلك لان دائرة العقل أوسع من دائرة الخيال والخارج من وجه ولهذا يوجد الكليات بوصف الكلية في العقل ويمتنع تحققها في الخيال والخارج وأما الوجه الثاني فضعفه ظاهر لان الحكم بالنفي فرع تصور الطرفين كالحكم بالاثبات وأما ما يقال من أن السالبة لا تستدعي وجود الموضوع مطلقا بخلاف الموجبة فإنها تستدعيه فمعناه أن السالبة من حيث الصدق لا تستدعي وجود الموضوع بحسب الظرف الذي اعتبر السلب بالنسبة إليه مطلقا بخلاف الموجبة فإن صدقها يستدعي وجود الموضوع بحسب الظرف الذي اعتبر الايجاب بالنسبة إليه محققا أو مقدرا ومرجع ذلك إلى أن انتفاء شئ عن شئ لا يستدعي وجود ما انتفي عنه بحسب الظرف الذي اعتبر الانتفاء بالقياس إليه لا محققا ولا مقدرا سواء كان الظرف ذهنا أو خارجا بخلاف ثبوت شئ لشئ فإنه يستدعي ثبوت ما ثبت له بحسب الظرف الذي اعتبر الثبوت فيه بأحد الاعتبارين وليس المراد أن السالبة من حيث كونها حكما بالسلب لا يستدعي وجود الموضوع مطلقا كيف ومورد السلب إنما هو النسبة الحكمية كالايجاب وهي مما يمتنع تعقلها بدون معقل طرفيها الثاني أنه لو امتنع تصوره لامتنع الحكم الثبوتي عليه بأنه ممتنع أو معدوم فإن ثبوت شئ لشئ فرع ثبوته ويكفي ذلك في صحة طلبه وأجاب عنه أولا بأن المستحيل حينئذ هو الامر الخارجي دون الذهني المتصور فلا يكون المستحيل هو المتصور وفيه أن الامر الذهني المتصور عنوان للامر الخارجي المستحيل ومرآة لملاحظته فكيف يكون المتصور أي الملحوظ بذلك العنوان غير المستحيل وإلا لاستحال الحكم عليه بالاستحالة و ثانيا بأنه لو كان متصورا لكان ممكنا فيكون الحكم بالاستحالة على ما ليس بمستحيل وفيه أن كون الشئ ممكن الوجود في الذهن لا ينافي كونه ممتنع الوجود في الخارج فالحكم على الموجود الذهني بالامتناع ليس من حيث كونه موجودا في الذهن لامكانه بهذا الاعتبار بل باعتبار ما جعل مرآتا لملاحظته أعني وجوده في الخارج فلا منافاة وكذا الحال في الحكم على الممتنع الذهني كحكمنا على الوجود الخارجي بأنه ممتنع التحقق في الذهن فإنه حكم على العنوان الموجود في الذهن باعتبار كونه آلة ومرآتا لملاحظة ما يمتنع تحققه فيه فإن امتناع وجود أمر في الذهن لا ينافي إمكان وجود وجهه فيه الحاكي عنه المعرف لأحكامه ولوازمه ومثله الكلام في الحكم على ما ليس بموجود ذهنا وخارجا كقولنا المعدوم المطلق لا يحكم عليه بشئ ولا يشكل بأن هذا أيضا حكم عليه لان المراد أنه لا يحكم عليه باعتبار نفسه لا باعتبار وجهه وكذا الحال في الممتنع وجوده ذهنا وخارجا كوجود الممتنع الخارجي وثالثا بأن الحكم على الخارج بالامتناع يستدعي تصوره في الخارج وهو محال لأنه تصور للشئ على خلاف حقيقته وفيه أن تصور المستحيل في الخارج لا يوجب كونه تصورا له على خلاف حقيقته أي مفهومه كيف والتقدير أنه تصور لمفهومه وإنما يوجب كونه تصورا له على خلاف حقيقته بمعنى ما يمكن تحققه به والفرق واضح حجة المفصلين في المحال بين ما يستند استحالته إلى اختيار المكلف وغيره أما على منعه فيما لا يستند إلى اختيار المكلف فما مر من حجة المنع وأما على جوازه فيما يستند استحالته إلى اختياره فهو أنه لولاه لخرج كثير من أفراد الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا و التالي باطل أما الملازمة فلان الواجب إذا توقف على مقدمات مقدورة وتركها المكلف فلا يخلو إما أن يبقى التكليف في حقه وهو التكليف بالمحال أو لا فيلزم أن لا يكون وجوب الواجب مطلقا بل مشروطا بحصول تلك المقدمات وهو المراد بالتالي وأما بطلانه فواضح وأن المستند على امتناع التكليف بالمحال هو قبحه العقلي و هو لا يجري فيما إذا استند إلى اختيار العبد إذ لا يقطع العقل بقبحه حينئذ والجواب عن الأول أنا نختار عدم بقاء التكليف بعد ارتفاع القدرة ونمنع لزوم خروج الواجب المطلق حينئذ عن كونه واجبا مطلقا إن اعتبر الخروج بالنسبة إلى زمن القدرة لعدم ما يوجبه حينئذ وإن اعتبر بالنسبة إلى ما بعده فهو لا يوجب أن يكون الوجوب مشروطا بل بقاؤه مشروطا ولا إشكال عليه إذ يكفي في عصيانه و استحقاقه العقاب تفويته فعل الواجب بعد وجوبه بتقصيره واختاره و لا يعتبر في ذلك اتصال التكليف بزمن ترك الواجب وببيان أوضح الافعال التي تتولد من الفعل الاختياري بطريق الاضطرار بأسرها مستندة إلى اختيار الفاعل الذي يستند إليه الفعل الاختياري فهي اختيارية له بالنسبة إلى زمن اختياره السابق بمعنى أنه في زمن وجود الاختيار له في الفعل الذي تولدت منه كان له أن يتسبب لحصولها بفعله أو لعدمها بتركه وإن كانت اضطرارية بالنسبة إلى ما بعد زمن حصول ذلك الفعل الاختياري حيث إنه لا يتمكن حينئذ من التسبب لعدمها والتكليف الفعلي عندنا إنما يجوز أن يتعلق بها فعلا أو تركا حال
(٣٣٣)