الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٨٧
بمعنى الحسن وليس المقام منه على أنه لو صح ذلك لادى إلى وجوب العمل بالظن مطلقا وإن عارضه دليل شرعي إذ القواعد العقلية لا تقبل التخصيص مع أنه معلوم الفساد قلنا أما المنع المذكور فمكابرة فإن الضرورة قاضية في الفرض المذكور برجحان العمل بالطرف الراجح من حيث كونه طرفا راجحا على العمل بالطرف المرجوح من حيث كونه طرفا مرجوحا وأما النقص بصورة المعارضة [بالدليل الشرعي] فمدفوع بأن حكم العقل بذلك ليس على الاطلاق بل مقصور على مورد يقطع ببقاء التكليف فيه وينقطع عنه طريق العلم السمعي بالكلية ومثل هذا لا يعقل فيه معارضة دليل شرعي هذا و بعض المعاصرين بعد أن فسر الترجيح في عبارة الدليل بالاختيار قال والمرجوح عبارة عن القول بأن الموهوم حكم الله والعمل بمقتضاه والراجح عبارة عن القول بأن المظنون حكم الله والعمل بمقتضاه ومبدأ الاشتقاق في لفظ الراجح والمرجوح هو الرجحان بمعنى استحقاق فاعله المدح والذم والمعنى أن الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل وبالراجح حسن ووجهه أن الأول يشبه الكذب بل هو هو بخلاف الثاني ولا يجوز ترك الحسن واختيار القبيح انتهى ملخصا أقول لا يخفى ما في تأويله مع ضعف تعليله أما الأول فلان تفسير المرجوح والراجح بالقول والعمل ليس على ما ينبغي بل الوجه اعتباره في الترجيح فإن الاختيار كما يكون بالقول كذلك يكون بالرأي والعمل ثم تفسيره الرجحان الذي هو مبدأ لاشتقاقهما باستحقاق فاعله المدح والذم غير سديد لأنه بهذا المعنى مبدأ لاشتقاقهما بمعنى آخر ومنه المرجوح في قوله الفتوى و العمل بالموهوم مرجوح والفرق واضح ثم عطفه الذم على المدح في تفسير الرجحان لا يتم إلا بتعسف وأما الثاني فلانه مع اختصاصه بالقول مدفوع بأن المشابهة على تقدير تسليمها لا يقتضي بالمشاركة في الحكم والعينية ممنوعة فإن العبرة في الصدق والكذب بموافقته ومخالفته دون الاعتقاد فإن قلت نعم لكن المدار في الاتصاف بالحسن والقبح على الاعتقاد قلت لا نسلم حسن القول المظنون الصدق وإنما المسلم حسن القول المعلوم الصدق هذا وقد يعترض على الدليل المذكور بأنه إنما يتم إذا ثبت وجوب الافتاء أو العمل عند عدم القطع وهو ممنوع إذ لا دليل عليه عقلا ولا نقلا والاجماع المدعى عليه ممنوع لمخالفة الأخباريين فيه ومصيرهم إلى وجوب التوقف والاحتياط وضعفه واضح إذ وجوب الافتاء عند عدم القطع على التفصيل الآتي والعمل به ضروري و مخالفة الأخباريين غير قادحة فإنهم يدعون حصول القطع بالاخبار المدونة في الكتب الأربعة وسننبه على فساده بما لا مزيد عليه و على تقدير عدم حصول القطع بها فلا أظنهم يخالفون في وجوب العمل بالاخبار وعلى تقدير مخالفتهم فهم مخرجون بالاجماع و الضرورة ووجوب التوقف إن كان بالنسبة إلى الحكم الظاهري فغير معلوم مع أنه لا يجامع القول بوجوب الاحتياط وإن كان بالنسبة إلى الواقع فغير مفيد والالزام بالاحتياط مع أنه قد يتعذر في بعض الموارد وحرج وضيق فينافي ما دل على نفيهما عن الشريعة مع أنه لا قطع بالبراءة من وجوب الافتاء وتعليم الاحكام بالاحتياط وترك الافتاء بخلافه بالكلية إن لم يقطع بعدمها فلا يكون التعويل على الاحتياط قطعيا أيضا العاشر أن مخالفة الخبر الواحد مظنة الضرر و الاحتراز عن الضرر المظنون واجب فيجب العمل بمقتضاه وقد أورد عليه تارة بمنع الصغرى لان علمنا بأن الشارع لم يكلفنا بما لا يتمكن فيه من تحصيل العلم يؤمننا من الضرر وأخرى بمنع الكبرى لان ظن الضرر يقتضي أولوية الاحتراز محافظة على الاحتياط دون وجوبه ولو سلم فإنما يسلم في العقليات الصرفة المتعلقة بأمر المعاش دون المسائل الشرعية المتعلقة بأمر المعاد فإن العقل إنما يستقل بالأول دون الثاني والجواب أما عن الأول فبأن الدليل مبني على انسداد باب العلم وبقاء التكليف بالأحكام وحينئذ فلا علم بعدم التكليف فيما لا يتمكن فيه من العلم هذا إذا أريد به العلم الابتدائي و أما إذا أريد به العلم في الجملة ولو من جهة كون الطرق علميا ولو ظاهريا فالايراد المذكور مما لا مدفع له لظهور أنا لا نسلم بعد انسداد باب العلم إلى الاحكام ببقاء التكليف بها في حقنا مطلقا بل بشرط مساعدة طريق إليه بعلم بحجيته ولو بملاحظة انسداد باب العلم فيتوقف ثبوت الضرر بمخالفة الظنون وجوبه أو تحريمه على ثبوت حجية الظن بذلك عندنا فإذا توقف ثبوت حجية الظن بذلك عندنا على ثبوت الضرر كان دورا وعن الثاني بأن العقل يستقل بوجوب دفع الضرر والمظنون مطلقا على أنه لو ثبت الجواز في المقام ثبت الوجوب إذ لا قائل بالفصل ومنع استقلال العقل بأمر المعاد غير مسموع مع أنه يكفي في المقام مجرد ظنه وإنكاره مكابرة ثم لا يذهب عليك أن هذا الدليل لو تم لاقتضى التعويل على الظن في الأدلة و لكنهم قرروا الدليل المذكور على حجية الظن في الاحكام ويعرف ما فيه مما مر ثم يرد على هذا الدليل وسابقه ما مر من الاشكالين و الجواب الجواب واعلم أن بعض المعاصرين زعم أن الدليل العقلي الدال على حجية الظن بعد انسداد باب العلم أوفي بإثبات ما هو المطلوب من القول بحجية خبر الواحد من الأدلة المتقدمة لان تلك الأدلة إنما تدل على حجية المراد من الخبر الواحد لأنه المتبادر من النبأ والانذار وهو المستفاد من الاجماع دون ما يفهم من لفظ الخبر و فيه نظر لان النبأ والانذار يصدقان على ما يستفاد من كلام المنذر والمنبئ سواء كان بطريق النص أو الظهور والاجماع منعقد على حجية ظواهر الألفاظ عند خلوها عن المعارض مطلقا كما مر و اعلم أيضا أن الأدلة المتقدمة على حجية خبر الواحد ليست متحدة المفاد فإن منها ما يقتضي حجيته تعبدا كالآيات والاخبار ومنها ما يقتضي حجية ما كان منه مفيدا للظن الفعلي أو الشأني لا ما كان حجيته مظنونا من الأدلة المحتملة للحجية كدليل الانسداد ومنها ما يقتضي حجيته في الجملة كالاجماع والسيرة وزعم الفاضل المعاصر أن آية النفر وآية النبأ تدلان على حجية الخبر المفيد للظن من جهة إفادته له وفساد هذا الوهم في آية النفر واضح لان الانذار عبارة عن الاخبار بإصابة المكروه والحذر عنه عبارة عن الاجتناب عنه و هما يجامعان الشك بل الوهم أيضا وأما آية النبأ فربما كان فيه نوع خفاء نظرا إلى إناطة قبول خبر الفاسق فيها بالتبين وهو طلب ظهور الحال
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»