الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٨١
على جواز التمسك بالكتاب مطلقا لكن شمولها للصور المذكورة ظني ولا دليل على حجيته في المقام إذ المستند على حجية الظن في الألفاظ إنما هو الاجماع وهو ممنوع في محل النزاع مع أنه خطاب إلى المشافهين ولا إجماع على مساواة غيرهم لهم فيه على الاطلاق لأنا نقول الاجماع منعقد على أن وظيفة الفقيه البناء على ما أفاده ظاهر الكتاب والخبر الصحيح ما لم يعارضه ما ثبت حجيته عنده ولا نزاع في صحة هذا الحكم عند العاملين بهما وإن تنازعوا في حجية بقية الطرق وفي تعيين الأرجح عند التعارض ولا خفاء في أن إثبات حجية تلك الطرق إذا كان في حقنا مبنيا على ثبوت حجية مطلق الظن كما هو المفروض وهو مبني على انسداد باب العلم فيما لم يعلم فيه بقاء التكليف وهو لا يتم على تقدير حجية ظاهر الكتاب والخبر الصحيح ولنا أيضا أن نتمسك بظاهر رواية الثقلين ومنع الاجماع على حجية هذا الظاهر مردود بأن الاجماع لم ينعقد على حجية الظن في الألفاظ باعتبار خصوصيات مواردها بل إنما انعقد على عنوان كلي وهو حجيته في مطلق الألفاظ حيث لا يعارضه ما ثبت صلوحه لمعارضته فمن لم يعول على هذا الظاهر في مقام فإنما هو لعثوره بالمعارض لا لعدم اعتداده بخصوص ذلك الظاهر في نفسه كما مر الإشارة إليه ونحن حيث لم نعثر بما لم يعارضه لانحصار طريق ثبوته عندنا في انسداد باب العلم وقد منعناه لم يكن لنا سبيل إلى العدول عنه ثم على تقدير ثبوت الحكم في حق المشافهين يثبت في حق غيرهم إذ لا قائل بالفصل والجواب أن الجمود على ظاهر الكتاب على تقدير تسليم حجيته مطلقا لا يجدي في معرفة جميع الأحكام لأنه مشتمل على مجملات جملة منها والاجماع المدعى على حجية الخبر الصحيح إن كان من حيث الخصوص تم لان كثيرا من العاملين بخبر الواحد يعملون بالاخبار المظنونة الصدق لا سيما المتقدمين من أصحابنا فإن الذي يظهر بالتتبع في كلماتهم أنهم كانوا يعولون على الاخبار الموثوق بصدقها من غير الجمود على الصحيح بمصطلح المتأخرين كما نبه عليه بعضهم ولذا تراهم كثيرا ما يعملون بالاخبار الضعيفة ويطرحون الأخبار الصحيحة نعم كانت عدالة الراوي ووثاقته عندهم من جملة الامارات المفيدة للوثوق وإن كان من حيث حصول الظن لصدوره [بمؤداه] فهو مع عدم جريانه في مقام تعارضه أمارة أقوى منه أمر مشترك بينه وبين غيره من الأدلة الظنية فلا يتم الجمود عليه فاتضح أن لا إجماع على حجية الخبر الصحيح بالخصوص فثبت الانسداد وتعين التعويل على الظن في الأدلة مع أنه لو تم الاشكال المذكور لثبت المقصود من حجية خبر الواحد في الجملة وإن فسد الدليل لان كلامنا هنا في مقابلة من أنكر حجيته مطلقا الوجه الثاني وهو المعروف في ألسنة المتأخرين أن التكليف بالأحكام ثابت في حقنا بالضرورة و طريق العلم إليها منسد غالبا كما يشهد به الوجدان فيسقط التكليف بتحصيله فيها لامتناع التكليف بما فوق الطاقة فتعين التعويل على الظن لقطع العقل به من جهة قربه إلى العلم والتعليل الأخير مما لا بد منه وإن أهمله بعضهم إذ المقدمات المذكورة بمجردها لا يوجب تعيين العمل بالظن بل الأعم منه ومن غيره وإذا ثبت حجية الظن في الحكم الشرعي ثبت حجية خبر الواحد فيه لأنه من أماراته فإن قيل لا نسلم انسداد باب العلم لامكان العمل بالاحتياط والآتيان بجميع المحتملات قلنا هذا يؤدي إلى العسر والحرج المنفيين في الشريعة السمحة السهلة كما لا يخفى على من له أدنى خبر بالطريقة فعدم تعيين الشارع له طريقا أمر مقطوع به مع أن ذلك لا يتم حيث يدور الامر بين الوجوب والتحريم كما لو تعارضت الحقوق وليس من هذا الباب صلاة الجمعة كما توهم لان حرمتها تشريعية فترتفع حيث يترجح الاحتياط كالصلاة إلى غير القبلة عند تعذر معرفتها لتحصيل العلم بالصلاة إليها أقول إن أريد بهذا الدليل إثبات حجية خبر الواحد به على تقدير عدم هو ظن دليل أخر عليه كما يظهر من صاحب المعالم حيث أورده في جملة الأدلة ولم يلتزم بمقتضاه في شئ من موارده لاعتماده في الحقيقة على غيره فهو متجه إلا أن الكلام حينئذ على تقديره غير واقع وإن أريد به بيان كون الاعتماد في حجية خبر الواحد في أمثال زماننا على هذا الدليل فضعفه ظاهر لأنا نمنع انسداد باب العلم إلى الاحكام الثابتة في حقنا من غير طريق العقل حتى يترتب عليه بعد فرض بقاء التكليف بها وجوب الاعتماد على ما ينسبه العقل حينئذ طريقا لعلمنا بعد مراجعة السمع بأن الشارع قد نصب في حقنا أدلة مخصوصة و كلفنا بالعمل بمقتضاها غاية ما في الباب أن تلك الأدلة غير معلومة عندنا على التعيين والتفصيل فيجب علينا الاعتماد في معرفتها على الظنون الناشئة منها كما عرفت وجهه مما مر نعم يتم الدليل المذكور إن ثبت من السمع بقاء التكليف بالأحكام الفرعية بعد انسداد باب العلم إليها ولم يثبت منه نصب طريق مخصوص إلى معرفتها لا إجمالا ولا تفصيلا أو ثبت ذلك ولم يثبت بقاء حكمه بعد انسداد باب العلم إليه والأول مخالف لما عرفت بيانه في الوجه الأول والثاني مخالف لما أجمعوا عليه من بقاء التكليف بالأحكام الشرعية مطلقا بعد انسداد باب العلم إليها مع أن التفصيل بين الاحكام في بقاء التكليف بها مما لا سترة بفساده على أنا نقول لا علم لنا ببقاء التكليف بالأحكام الواقعية في حقنا مطلقا وإنما المعلوم بقاؤه عند مساعدة بعض الطرق المخصوصة عليها فعلى من يدعى بقاءه في غير هذه الصورة إقامة الدليل عليه ولا سبيل إلى التمسك بإطلاق أدلة الشركة في التكليف لأنها لا يفيد العلم بالاطلاق لا سيما في مقابلة ما أسلفناه وبالجملة فعلمنا بأنا مكلفون بالأحكام الفرعية المقررة في الشريعة عند تعذر طريق العلم والطريق العلمي إليها لا يفتح لنا باب الظن إليها بعد علمنا بنصب طرق مخصوصة لمعرفتها أ لا ترى أنا علمنا بأنا مكلفون في المرافعات بإيصال كل حق إلى صاحبه لا يوجب في حقنا فتح باب الظن في تعيين الحقوق لعلمنا بأن الشارع كما كلفنا بذلك كذلك جعل لنا إليها طرقا مخصوصة وكلفنا بالعمل بمقتضاها كاليد والشهادة واليمين فإذا انسد علينا معرفة تلك الطرق أيضا لم نعمل بالظن في تعيين الحقوق بل في تعيين الطرق المقررة لها فإن قلت من جملة مباحث الأصول
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»