الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٧٩
منعقد على بقاء التكليف بالأحكام الشرعية بقول مطلق بعد انسداد باب العلم إليها غاية الامر أن البقاء مشروط عقلا ونقلا بمساعدة دليل عليه ولو في الظاهر لئلا يلزم التكليف بالمحال وقد ثبت مما قررنا قيام الدليل العقلي المعتبر على الأدلة الصالح للتعيين على بقاء التكليف بها كقيامه على الاحكام على الفرض الاخر فلا سبيل إلى الحكم بالسقوط ومنها أن انسداد باب العلم إلى الاحكام الفرعية مع العلم ببقاء التكليف بها كما يقتضي بحكم العقل عند عدم العلم بنصب الشارع لنا إلى معرفتها دلائل مغايرة للدلائل التي يستقل بهما العقل وجوب التعويل على كل ظن لا دليل على عدم حجيته إن تيسر وإلا فكل أمارة لا علم بعدم حجيتها لقرب مفادها إلى الظن فيتعين الاخذ بها مع الاتحاد ويرجح الأقرب مع التعدد والاختلاف ويخير مع التساوي كذلك يقتضي ذلك عند علمنا بنصب الشارع لنا أمارات خاصة إلى معرفتها إذا لم يكن الامارات معلومة عندنا على التفصيل و التعيين وإن علمنا ببقاء التكليف بالعمل بها بعد انسداد باب العلم إليها وذلك لأنه ليس في هذا العلم الاجمالي بالأدلة ما يقدح في الحكم العقلي الكلي الثابت على تقدير عدمه لأنا إذا أخذنا بما تفيدنا من تلك الامارات ظنا فعليا بالحكم ثم بالأقرب منها إليه كما مر لم يكن منافيا لعلمنا الاجمالي بنصبها أمارة وطريقا إلى الاحكام ولا لعلمنا ببقاء التكليف بالعمل بها أو التقدير وقوع العمل بها فإذن لا معدل لنا عن ذلك لان حكم العقل بما قررناه حكم قطعي ظاهري لا يرتفع إلا عند قيام قاطع على خلافه والجواب أن كون العمل بالظن في الاحكام على الوجه المذكور إنما يتم إذا لم نعلم بحكم الشارع بحجية جملة من الطرق ولو إجمالا إلا بعد الرجوع إلى ما يقتضيه قاعدة الانسداد عقلا وأما إذا علمنا به مع الاغماض عن ذلك كما مر الإشارة إليه فعلمنا بالظن في الاحكام على الوجه المذكور مناف لحكم هذا العلم عقلا وإن لم يكن منافيا لنفسه إذ قضية هذا العلم الاجمالي علمنا بأنا مكلفون بالأحكام بشرط مساعدة تلك الطرق عليها فلا يجدي الظن الناشئ منها بالحكم ما لم يظن الطريق إذ التقدير بقاء التكليف بالعمل به بل اللازم حينئذ تحصيل الظن بالطريق خاصة وأما الحكم فهو تابع له فلا حاجة إلى تحصيل الظن به إلا إذا كان الطريق المظنون هو الظن بالحكم مطلقا أو في خصوص مقام فيعتبر الظن به لا من حيث كونه ظنا به بل من حيث الظن بطريقه وبالجملة فوجوب تحصيل الحكم عن طريق مخصوص يوجب دوران الحكم مدار ذلك الطريق فلا يعتبر غيره فيه وهذا واضح ومنها أن وجوب العمل بالطرق المخصوصة تعبدا على تقدير تسليمه لا يختص بفروع الاحكام الغير القطعية بل يجري في مطلق الأحكام الشرعية الغير القطعية سواء تعلقت بالفروع أو بالأصول لعلمنا في الكل بأن الشارع كما كلفنا بها كلفنا باستفادتها عن مدارك مخصوصة ولجريان طريقة الاحتجاجات في الكل على ذلك ولا ريب أن إثبات الطرق وتعيينها على ما قرر من أنها غير قطعية داخلة في تلك الأحكام فالتعويل فيها على الطرق المخصوصة يستلزم إما توقف الشئ على نفسه أو الدور واللازم بقسميه باطل أما الملازمة فلان كل واحد من تلك الطرق إن أثبت حجيته بنفسه لزم الامر الأول وإن أثبت بالآخر نقلنا الكلام إليه وإن أثبت حجيته بنفسه عاد المحذور وإن أثبت بما أثبت حجيته به لزم الامر الثاني وأما بطلان اللازم بقسميه فواضح والجواب ما مر الإشارة إليه من الفرق بين مباحث الفروع ومباحث الأصول طريق غير القطعي من الفروع إما في المرتبة الأولى من المراتب الثلاث التي سبق ذكرها كالكتاب والسنة القطعية الصدور في وجه أو في المرتبة الثانية كالأصول الظاهرية والسنة الغير القطعية وما يظهر من بعض الأصحاب من جعل الأخير في المرتبة الأولى فغير واضح إذ لا يقوم من الاخبار مقام العلم مع إمكانه على ما يظهر من الأدلة إلا خبر من علم عدالته شرعا وأكثر رجال أخبارنا ليسوا كذلك لا يعلم بوجود العدل فيهم ولا سبيل إلى العلم بالتعيين فيعول على الظن فيه فيكون حجية أخبارنا المعتبرة في المرتبة الأولى وإن كان طريقنا إلى معرفة عدالة رواتنا المعتبرة في المرتبة الثالثة لأنا نمنع بقاء التكليف بخبر العدل كونه خبر عدل بعد انسداد باب العلم إلى معرفته فلا ينفتح باب الظن إليه لما عرفت من ابتنائه على ثبوت هذه المقدمة أيضا وذلك لان كون الراوي عدلا ليس من جملة الاحكام حتى يشمله الأدلة المنعقدة على بقاء الاحكام بعد انسداد باب العلم إليها من الاجماع وغيره نعم نفس الوصف من الاحكام وأما الاتصاف فهو من الأمور العادية الراجعة إلى الموضوعات ولا دليل على بقاء حكم الموضوع بعد انسداد باب العلم إليه وبالجملة فأخبارنا الغير القطعية على تقدير في المرتبة الثانية لعلمنا بنصب الشارع لها طريقا بعد تعذر العلم وما في مرتبته أو لعلمنا بنصبه حينئذ لما يحتمل أن يكون تلك الأخبار من جملتها بل التحقيق أن حجية الكتاب والسنة القطعية الصدور أيضا بالنسبة إلى أمثال زماننا في المرتبة الثانية لعلمنا إجمالا بأن كثيرا من ظواهر الخطابات الشرعية قد أريد بها خلافها إما بطريق التجوز أو التخصيص أو التقييد ولا سبيل لنا غالبا إلى تحصيل العلم بسلامة ما نعمل به منهما عن ذلك إلا بالطرق الظنية ولولا ذلك لما جاز لنا تقييد شئ منهما ولا تخصيص ولا تأويل بشئ من أخبار الآحاد التي حجيتها عندنا في المرتبة الثانية إذ مع إمكان العلم وما في مرتبته لا سبيل إلى التمسك بما يبتني حجيته على انتفاء الامرين وأما المباحث الغير القطعية وما في حكمها من الأصول فهي في حقنا في المرتبة الثالثة إذ ليس لنا إلى معرفتها طريق تفصيلي يعلم من السمع جواز الرجوع إليه ولو بعد انسداد باب العلم وأما علمنا بنصب الطريق إليها إجمالا فلا يصيرها في المرتبة الأولى أو الثانية لأنا ننقل الكلام إلى ذلك الطريق فيكون حجيته أيضا في مرتبة مدلوله وهكذا لا لامتناع الترجيح من غير مرجح فنمنع إثبات حجية شئ من تلك الطرق بل طريق الفروع و طريق طريقها وإن تعددت الإضافات في مرتبة واحدة هي المرتبة الثالثة كما عرفت لعدم طريق سمعي يساعد على معرفة تفاصيلها فيصح إثبات حجية بعضها بما يصح إثبات حجية الأخير به من غير فرق وهو الظن الذي لا دليل على عدم جواز التمسك به ثم ما يقرب إليه كما هو قضية حكم العقل في هذه المرتبة فإذا ظننا أن خبر الواحد حجة في الفروع مثلا بما لا دليل على عدم حجيته وإن كان ظنا خبريا يثبت به
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»