الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٧٠
والعوام ونقل عنه العلامة في التهذيب القول بالنظرية ولعله ناظر إلى هذا التنزيل وهو أوفق بما بنى عليه من توقفه على توسط مقدمتين وإن كان الأول أوفق بتسميته له ضروريا والحق عندي ما ذهب إليه الأولون لنا أنه لو كان نظريا لاستدعى حصوله توسط مقدمتين والتالي باطل أما الملازمة فلان ذلك هو الشأن في جميع النظريات كما لا يخفى على الخبير بعلم الميزان وأما بطلان التالي فلانا إذا رجعنا وجداننا وجدنا أنفسنا عالمين بالمتواترات بمجرد العلم بتواترها من غير حاجة إلى ملاحظة أمر آخر فلو توقف العلم بها على مقدمة أخرى لوجب ملاحظتها أيضا وسيأتي لهذا مزيد بيان واستدلوا على ذلك أيضا بوجوه آخر منها أنه لو كان نظريا لما حصل لمن ليس له أهلية النظر والاكتساب كالعوام والبله والصبيان و بطلان التالي قاض ببطلان المقدم ويشكل لجواز أن يكون علمهم مستندا إلى التقليد ولذا نراهم يقطعون بأخبار الأحاديث لا يقطع بها غيرهم على أنا لا نسلم قصورهم عن إدراك النظريات مطلقا وإنما المسلم قصورهم عن إدراك النظريات الخفية ونفي الخاص لا يستلزم نفى العام ومنها أنه لو كان نظريا لما حصل مع ترك النظر قصد أو التالي باطل بيان الملازمة أن النظري ما يكون الطريق إلى اكتسابه إعمال النظر وقضية ذلك عدم حصوله على تقدير إهمال النظر وأما بطلان التالي فلانا نجد أنفسنا عالمين بوجود مكة مثلا وإن قطعنا النظر عن كل نظر ويشكل بجواز أن يكون نظريا مكتسبا من أوائل البديهيات بحيث ينتقل إليها في بادي النظر من غير إعمال روية ولو سلم فإنما يتم بالنظر إلى النظر الابتدائي إذ بعد النظر والوصول إلى المقصود يكفي في العلم به العلم الاجمالي بوجود ما يوجبه ونقيضه ولا حاجة إلى ملاحظته تفصيلا ومنها أنه لو كان نظريا لساغ الخلاف فيه ولم يعد مخالفه مباهتا ومكابرا كما في غيره من النظريات وبطلان التالي معلوم بالضرورة ويشكل أولا بمنع الملازمة لجواز أن يكون من النظريات الجلية التي تبتني على مقدمات واضحة بحيث يتنبه لها بأدنى توجه والملازمة إنما تسلم في النظريات الخفية وثانيا بالمنع من بطلان التالي مطلقا وإنما المسلم بطلانه في المتواترات الجلية احتج القائل بنظريته بأن حصوله يتوقف على توسط مقدمتين وهما أن المخبرين جماعة لا داعي لهم إلى الكذب والمخبر عنه محسوس فلا يشتبه وأنه كلما كان كذلك فخبرهم ليس بكذب والجواب أن العلم بصدق الخبر لا يستند إلى ملاحظة هاتين المقدمتين بل العلم بمقدمة الأولى كاف في العلم به من غير حاجة إلى ضم المقدمة الثانية إذ العلم بها في مرتبة العلم بصدق الخبر أو مستند إليه فلا يتوقف عليه وبهذا يظهر فساد ما ذكره الغزالي من أن العلم بصدق المتواتر يتوقف على توسط مقدمتين وإن لم يشعر العالم بهما إحداهما أن هؤلاء مع كثرتهم و اختلاف أحوالهم لا يجمعهم على الكذب جامع والثانية أنهم اتفقوا على الاخبار عن هذه الواقعة ووجه فساده أن الذي يتوقف عليه حصول العلم بالتواتر إنما هو العلم بإخبار الجماعة الكثيرة بالصفات المعتبرة عن الواقعة الخاصة وأما ما ذكر في المقدمة الأولى من أنه لا يجمعهم على الكذب جامع فهو عين النتيجة وفي مرتبتها فلا يتوقف العلم بها عليه وليس مجرد إمكان تأليف قياس ينتج المطلوب موجبا لكونه نظريا بل لا بد معه من كونه مستفادا منه وإلا لأمكن تأليفه في كل ضروري كقولنا الكل مشتمل على الجز وزيادة وكل مشتمل على الجز وزيادة فهو أعظم من الجز فالكل أعظم من الجز ونحو هذا ما أبصرته متحركا وكل ما أبصرته متحركا فهو متحرك فهذا متحرك إلى غير ذلك احتج المفصل بأن من المتواتر ما يعلم صدقه بالضرورة كوجود مكة ومنها ما ليس كذلك كمعاجز الأنبياء والأئمة فإن حصول العلم بتلك الأخبار يتوقف على إمعان النظر فيها والوقوف على حال المخبرين من تكاثرهم وتباين آرائهم واختلاف بلادهم وتحرزهم كلا أو بعضا عن تعمد الكذب و كون المخبر عنه أمرا حسيا غير صالح لوقوع السهو والخطأ فيه منهم إلى غير ذلك من الأمور التي تعتبر في حصول العلم بصحة الخبر ولا بد من ملاحظة تلك الأمور والالتفات إليها في حصول العلم حتى أنه لو اتفق ذهول المخبر عنها فربما زال عنه العلم بصدق الخبر و احتاج في تحصيله إلى مراجعة جديدة والجواب أن توقف العلم على ملاحظة هذه الأمور في بعض الموارد والأحوال تفصيلا لا تصيره نظريا وإن كانت تلك الأمور كلا أو بعضا خفية في حد أنفسها أو عند الناظر لان النظري على ما تحقق في محله وأشرنا إليه هو ما يتوقف الانتقال إليه على توسط مقدمتين مشتملتين على هيئة القياس وما عدا ذلك لا يعد نظريا وإن توقف الانتقال إليه على توسط أمر خفي ولو نظري كالتصديق البديهي المتوقف على تصورات نظرية فحكم العقل بامتناع تواطئ المخبرين واجتماعهم على الكذب كما قد يستند إلى أمر جلي ينتقل إليه في بادي النظر ككثرتهم واختلاف دواعيهم بحيث يستغنى عن ملاحظة سائر الاعتبارات كذلك قد يستند إلى أمر خفى لا ينتقل إليه إلا بعد التخلية عن الشبهات والتأمل في حال المخبرين و الخبر بطريق الانصاف فكما أن الأول ضروري كذلك الثاني ضروري وما يكشف عما ذكرناه وقوع مثله في الحسيات فإنه قد ينتقل إلى مؤداها بأدنى توجه وقد ينتقل بعد التخلية وتلطيف الادراك مع أنه لا تأمل في أن مدركاتها ضرورية مطلقا فصل خبر الواحد ما لم يبلغ حد التواتر سواء كان المخبر واحدا أو أكثر وسواء أفاد العلم أو لا وينبغي أن يقيد بما إذا كان المخبر غيره تعالى وغير المعصوم عليه السلام إذ لا يعد إخباره تعالى وإخبار المعصوم عليه السلام في عرفهم من باب الاخبار الآحاد وعرفه التفتازاني بما لا يفيد العلم بنفسه أي بدون القرائن الخارجة وأورد عليه بالخبر المفيد للعلم بالنظر إلى القرائن الداخلة ويمكن دفعه بأن المراد بالقرائن الخارجة القرائن التي ينفك نوعها عن الخبر غالبا ويقابلها القرائن الداخلة وهي التي لا ينفك نوعها عن الخبر غالبا والخبر بالنسبة إلى القرائن التي لا تنضم إليه غالبا لا يفيد العلم ولهذا نجد ما نفيده منه نادرا وقد نبهنا على هذا في المتواتر لكن يحتاج الحد على هذا التقدير إلى التقييد السابق وقد يحد بما أفاد الظن وهو منقوض بما لا يفيده
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»