انكشاف خلافه ومع تعذر هذا النوع من الظن فالرجوع إلى ما يكون أقرب إليه مفادا من المدارك التي لا دليل على عدم حجيتها مع الاتحاد ومع التعدد والتكافؤ التخيير لامتناع الاخذ بما علم عدم جواز الاخذ به كما مر أو ترجيح المرجوح أو الترجيح مع عدم المرجح ومما يكشف عما ذكرناه أنا كما نجد على الاحكام أمارات نقطع بعدم اعتبار الشارع إياها طريقا إلى معرفة الاحكام مطلقا وإن أفاد الظن الفعلي بها كالقياس والاستحسان والسيرة الظنية والرؤيا وظن وجود الدليل والقرعة وما أشبه ذلك مما لا حصر له كذلك نجد علينا أمارات أخر نعلم بأن الشارع قد اعتبرها كلا أو بعضا طريقا إلى معرفة الاحكام وإن لم يستفد منها ظن فعلي بها ولو بمعارضة الامارات السابقة وهذه أمارات محصورة منها الكتاب والسنة الغير القطعيين والاستصحاب والاجماع المنقول والاتفاق الغير الكاشف والشهرة وما أشبه ذلك فإنا نقطع بأن الشارع لم يعتبر بعد الأدلة القطعية في حقنا أمارات أخرى خارجة عن هذه الامارات ومستند قطعنا في المقامين الاجماع مضافا في بعضها إلى مساعدة الاخبار و الآيات حتى إن القائلين بحجية مطلق الظن كبعض متأخري المتأخرين لا تراهم يتعدون في مقام العمل عن هذه الامارات إلى غيرها وإن لم يستفد لهم ظن فعلي بمؤداها وحيث إنه قد وقع النزاع في تعيين ما هو المعتبر من هذه الامارات في نفسه وفي صورة التعارض ولا علم لنا بالتعيين ولا طريق علميا إليه مع علمنا ببقاء التكليف بالعمل بها كان اللازم الرجوع في ذلك إلى ما يستفاد اعتبارها من هذه المدارك الاحتمالية لتقدمها في نظر العقل حينئذ على المدارك المعلوم عدم اعتبارها شرعا مقدما للأقرب منها في النظر إلى غيره مع تحققه فثبت مما قررنا جواز التعويل في تعيين ما يعتبر من تلك الطرق التي هي أدلة الاحكام على الظن الذي لا دليل على عدم حجيته ثم على ما هو الأقرب إليه كذلك ولا ريب أن خبر الواحد إن لم يكن من الطرق القطعية فهو من الطرق الظنية للوجوه التي مر ذكرها فيجب العمل به وهو المطلوب واعلم أن العقل يستقل بكون العلم طريقا إلى إثبات الحكم المخالف للأصل ولا يستقل بكون غيره طريقا إليه ولو مع تعذره حيث لا يعلم ببقاء التكليف معه بل يستقل حينئذ لعدم كون غير العلم طريقا في الظاهر وبسقوط التكليف ما لم يقم على حجية غير العلم قاطع سمعي واقعي أو ظاهري معتبر مطلقا أو عند انسداد باب العلم إلى الدليل مع حصوله [وأما الاعتداد بظن التكليف وتجويزه في وجوب الفحص عقلا فليس من حجية الظن أو التجويز في ثبوت التكليف المظنون أو المحتمل وإلا لما وجب الفحص بل لعدم تعويل العقل على أصل البراءة إلا بعد الفحص وعدم العثور على الدليل المعتبر] ثم إن دل الدليل السمعي بأحد أنواعه على حجية طريق مطلقا كان في مرتبة العلم مطلقا فيجوز التعويل عليه ولو مع إمكان تحصيل العلم في تلك الواقعة وإن دل على حجيته عند تعذر العلم لم يجز التعويل عليه إلا عند تعذره فيقدم العمل بالعلم وبما دل الدليل السمعي على قيامه مقامه مطلقا مع تيسره وأما إذا انتفي الجميع و علم ببقاء التكليف معه ثبت بحكم العقل وجوب العمل بالظن الذي لا دليل على عدم حجية ثم الأقرب إليه على ما مر وهذه مرتبة ثالثة متوقفة على تعذر المرتبتين المتقدمتين على أنه لو دل الدليل السمعي على حجية الظن عند تعذر العلم وما في مرتبته كان حجيته باعتبار الدليل السمعي خاصة دون الدليل العقلي وإن كان المؤدى واحدا لما عرفت من توقف دلالته على عدم السمعي فلا يتحقق معه إلا على سبيل التقدير [ولأن حجية الظن حينئذ في مرتبة غيره ولو فرض قيام السمع عليه ولا ريب في تقديم مرتبة حجيته على مرتبة الظن المستند إلى دلالة العقل ولهذا يقدم عليه وكذا ما في مرتبته] فاتضح أن للطريق ثلاثة مراتب لا يعول على اللاحقة منها إلا بعد تعذر السابقة و نحن حيث علمنا مما مر أن الشارع قد قرر في حقنا إلى معرفة الاحكام أصولا وفروعا ولو بعد انسداد باب العلم وما في مرتبته طرقا مخصوصة لم يجز لنا العدول إلى المرتبة الثالثة والاخذ بما يقرره العقل طريقا إلى معرفة الاحكام بل يجب علينا تحصيل تلك الطرق التي علمنا بنصب الشارع إياها وتعيينها بالعلم أو بما علم قيامه بالخصوص مقامه ولو بعد تعذره ومع تعذر ذلك كله كما هو الثابت في حقنا غالبا يجب الرجوع في التعيين إلى ما يقتضيه العقل من العمل بأقوى تلك الامارات على ما مر البيان فتبين أن طريقنا إلى معرفة فروع الاحكام الغير القطعية إما في المرتبة الأولى أو الثانية وإلى معرفة تفاصيل ذلك الطريق في المرتبة الثالثة والسر في الفرق أنا لما راجعنا طريقة أصحابنا وجدناهم يعتمدون في فروع الاحكام على طرق و مدارك مخصوصة مطبقين على نفي حجية ما عداها مع إمكان الرجوع إليها مطلقا وفي إثبات حجية تلك الطرق وتعيين ما هو المعتبر منها على أدلة قطعية عندهم كالاجماع والكتاب كما يدل عليه احتجاج الشيخ وغيره فكان طريقهم في معرفة طرق الفروع في المرتبة الأولى من المراتب المتقدمة وحيث إن الاجماع غير ثابت عندنا على التفاصيل ودلالة الكتاب عليها أيضا غير واضحة ومثلها دلالة الأخبار المتواترة وجب علينا الرجوع في معرفة التفاصيل إلى ما يقتضيه العقل من العمل بالظن الذي لا دليل على عدم حجيته ثم ما يقرب إليه بالتفصيل المتقدم ولا ينافي ذلك ما مر من قيام الاجماع و غيره عندنا على حجية خبر الواحد في الجملة حيث إن طريق حجيته يكون حينئذ عندنا أيضا في المرتبة الأولى لان مساق هذا الدليل مبني على الاغماض عنه مع أن ذلك لا يجدي في مقام العمل إذ لا بد فيه من معرفة التفاصيل وشئ من تلك الأدلة لا تساعد عليها و يتوجه على هذا الوجه إشكالات لا بد من التنبيه عليها وعلى دفعها منها أنا لا نسلم بقاء التكليف بالعمل بالأدلة المقررة من حيث الخصوص بعد انسداد باب العلم إليها حتى يتفرع عليه وجوب العمل بالظن في تعيينها وإنما المسلم حينئذ ثبوت التكليف بالعمل بها في الجملة ولو من حيث القطع ببقاء التكليف بالأحكام وانفتاح باب الظن إليها على الوجه الذي قرر حصوله بتلك الأدلة وإذا لم يثبت بقاء التكليف بالعمل بتلك الأدلة من حيث الخصوص بطل ما فرع عليه من وجوب العمل بالظن في تعيينها والجواب أن الأدلة المخصوصة بعد نصب الشارع لها دليلا من جملة أحكام الوضع فتندرج في الأحكام الشرعية فلا يسقط اعتبارها بعد انسداد باب العلم إليها كسائر الاحكام فإن الاجماع
(٢٧٨)