خبر الواحد كما أنه لو دل على حجيته ما يظن حجيته لامارة لا دليل على عدم حجيتها ثبت به حجية الطريق فيثبت به حجية خبر الواحد و بالجملة فالعمل بالطريق سواء كان طريقا إلى حكم فرعي أو أصولي مع عدم قيام قاطع سمعي على تعينه لا يتم إلا بإرجاعه إلى المرتبة الثالثة إذ بدونه يلزم إما الحكم من غير دليل أو الدور أو التسلسل أو توقف الشئ على نفسه وفساد اللازم بأقسامه بين جلي ولو أرجع بعض الطرق إليها خاصة لزم الترجيح من غير مرجح وهو أيضا بين الفساد فاتضح الفرق بين من يتمكن من تحصيل العلم بتفاصيل الأدلة من غير أن يستند إلى قاعدة الانسداد كما يظهر من جماعة من أصحابنا وبين من لا يتمكن منه إلا بالاستناد إليه كما هو الثابت في حقنا وأن التكليف في مطلق الاحكام الغير القطعية حتى الأصولية منها بالعمل بالمدرك المنصوبة من حيث التعبد إنما يتم في حق الأول دون الأخير ومنها أنا لا نسلم أن انسداد باب العلم إلى تعيين الطرق يوجب حجية كل ظن لا دليل على عدم حجيته بل حجية كل ظن نظن حجيته خاصة لأنه أقوى وللاقتصار في مقام الضرورة على أقل ما تندفع به والجواب أن كون الظن المظنون حجيته أقوى مع كونه على إطلاقه ممنوع لاختلاف مراتب الظن لا يقتضي منع حجية الأضعف أو لا لوجب الاقتصار على أقوى مراتب الظنون وهو واضح الفساد بل العبرة في الحجية بمجرد الظن بها إذ يحصل به في نظر العقل رجحان ظاهري يصح معه الترجيح في الظاهر فلا أثر لقوة الظن في إثبات أصل الحجية وإنما يظهر أثرها في مقام التعارض وهو أمر آخر وعلى ما قررنا فلو ظن بطريق يظن عدم حجيته حجية طريق وجب الاخذ بأقوى الظنيين لتساوي نسبته حجية الظن إليها فيرجح الأقوى ولو كان الظن بعدم الحجية معارضا بما في مرتبة سقوط اعتباره وجب الاخذ بالظن بالطريق لسلامته عن المعارض السالم ومن هذا الباب كل تنعقد على حجيته طريق فإنه يجب الاخذ بها عند خلوها عن المعارض لحصول الظن بها ولا يعارضها انعقاد الشهرة على عدم جواز الاخذ بالشهرة لمعارضة تلك الشهرة لنفسها فلا تصلح لمعارضة غيرها وقد سبق تحقيق ذلك في مبحث الشهرة ومنها أن قضية البيان المذكور حجية الظن في تعيين أدلة الاحكام عند انسداد باب العلم إلى معرفتها أو معرفة بعضها إجمالا أو تفصيلا مع العلم ببقاء التكليف بها وهو وإن كان في نفسه مستقيما لكنه مجرد فرض لا تحقق له في حقنا إذ لا خفاء في أن من طرق الاحكام ما نتمكن من معرفة جملة من تفاصيله بطريق القطع ولا قطع لنا ببقاء التكليف بالعمل بما لا قطع لنا به منه وهو الاجماع والأدلة العقلية فينتفي بالنسبة إلى كل واحد من نوعيه أحد الشرطين المعتبرين في جواز العمل بالظن فيه ومنها ما نقطع بحجيته بطريق الاجمال دون التفصيل ونقطع أيضا ببقاء التكليف بالعمل به وهو الكتاب وخبر الواحد لقيام الحجة القاطعة من السيرة والاجماع المعتضدين بالاخبار المتكاثرة المتظافرة على حجيتهما في الجملة وعلى بقاء التكليف بالعمل بهما ولا قطع بحجية ما عدا هذه الأدلة الأربعة ابتدأ ولا ببقاء التكليف بالعمل به حتى يتفرع عليه جواز التعويل في تحصيله على الظن نعم لو استفدنا منها حجية طريق آخر كنقل الاجماع والشهرة اتجه القول بحجيتهما من هذه الجهة ولا يقدح ذلك في عد هذا الوجه من الأدلة على حجية خبر الواحد لان مبناه على قطع النظر عن سائر الأدلة المفيدة للعلم الاجمالي بها نعم يصح التمسك بهذه الطريقة في معرفة تفاصيل ما يجب علينا العمل به من الكتاب والسنة فإنا حيث علمنا علما إجماليا بثبوت التكليف بالعمل بهما في الجملة وقد تعذر علينا معرفة تفاصيلها بطريق القطع والطريق القطعي مع توقف العمل على التفاصيل وجب الاعتماد فيها على الظن الذي لا دليل على عدم حجيته ثم ما هو أقرب إليه بالتفصيل المتقدم لا يقال إذا ثبت انسداد باب العلم إلى معرفة تفاصيل ما هو الحجة من الكتاب والسنة ثبت انسداد باب العلم إلى الأدلة وكان الظن في تعيين تفاصيلهما كالظن بحجية غيرهما وتفاصيله لمشاركتهما في كون كل منهما دليلا مظنون الحجية والقطع بحجية أحدهما مجملا غير صالح للفرق إذ الحاصل في التفاصيل ليس إلا الظن بالحجية لأنا نقول إنما وجب العمل بالظن في تفاصيل الكتاب و السنة للعلم ببقاء التكليف بالعمل بهما في الجملة مع انسداد طريق باب العلم التفصيلي وهذه العلة غير متحققة في غيرهما فلا سبيل إلى التعدي إليه بالعمل بالظن فيه وبهذا يتضح الفرق بين الظن بحجية ما علم حجية نوعه مجملا وبين غيره والجواب أن البيان المذكور إنما يتم إذا علم بوجوب العمل بالأدلة المذكورة و ببقائه بعد انسداد باب العلم على الاطلاق حتى في صورة معارضتها لسائر الأدلة التي لا دليل على عدم حجيتها وليس كذلك لتحقق الخلاف في حجية خبر الواحد عند معارضته لنقل الاجماع أو الشهرة أو نحوهما وبالجملة ففرض العلم بحجيته على الاطلاق ينافي عدم العلم بحجية غيرها ولو في صورة التعارض كما هو المفروض فإذا لم يكن هناك قاطع على حجية تلك الأدلة مع علمنا بوجوب العمل بها أو بمعارضها وجب الرجوع في التعيين إلى الظن أو ما قام مقامه كما مر ومنها المنع من انسداد باب العلم إلى الأدلة فإن للأحكام مضافا إلى الأدلة القطعية أدلة ظنية قام على حجيتها دليل قاطع كظاهر الكتاب والخبر الصحيح وأصل البراءة فإن الاجماع والسيرة القطعية قاضيان بحجية الأولين والعقل قاض بحجية الأخير مضافا إلى ما ورد في الموارد الثلاثة من الاخبار المتظافرة ولا يقدح في انعقاد الاجماع مخالفة الأخبارية في الأول والسيد وجماعة في الثاني لحصول الاستكشاف لنا بمقالة الآخرين وحينئذ فكل حكم دل عليه حجة قاطعة أو ما ثبت حجيته بقاطع كظاهر الكتاب والخبر الصحيح علمنا به وفيما عدا ذلك لا قطع لنا ببقاء التكليف فيعمل بأصل البراءة لقطع العقل بحجيته حيث لا دليل معلوم الحجية عند العامل به على خلافه لا يقال إن أريد حجية ظاهر الكتاب والخبر الصحيح في الجملة سلمنا قطعيتهما لكنه لا يجدي في منع حجية ما عداهما وإن أريد حجيتهما مطلقا وإن عارضهما إجماع منقول أو شهرة أو رواية موثقة أو حسنة أو ضعيفة منجبرة بقطعيتهما حينئذ ممنوعة لعدم مساعدة الاجماع والسيرة على حجيتهما حينئذ وأما الاخبار فغاية ما يستفاد منها حجيتهما في الجملة ورواية الثقلين المتواترة بين الفريقين وإن دلت
(٢٨٠)