وبهذا يتضح سقوط الاحتجاج بالآية على المقصود ومنها أن مفهوم الآية ليس حجة في موردها وهو نسبة الارتداد إلى من ثبت إسلامه قبلها والتمانع من أداء بعض الحقوق الواجبة إليه فلا يكون لوصف الفسق مدخل في وجوب التبين أما الأول فلما روي في شأن نزولها من أن النبي صلى الله عليه وآله أرسل وليد بن عتبة إلى بني المصطلق ليأخذ منهم صدقاتهم فلما قرب إلى منازلهم خرجوا إليه ليتلقوه تعظيما لحقه فهابهم لما كان بينه وبينهم في الجاهلية من العداوة فهرب إلى النبي وأخبره بتمانعهم من أداء الصدقات وقد يروى أنه أخبر بارتدادهم فنزلت الآية وأما الثاني فلان قول العدل الواحد لا يقبل في مثل ذلك فلا يكون المنشأ في عدم قبول قول الوليد فسقه فيكون التعليق للتنبيه على فائدة غير المفهوم كتعيير المخبر وأجيب تارة بارتكاب التقييد في المفهوم فإنه مقدم على إلغائه بالكلية و أخرى بأن المراد تبينوا نبأه مطلقا وإن انضم إليه نبأ مثله فيدل بمفهومه على قبول نبأ العدل في الجملة ولو حيث ينضم إليه نبأ مثله ولا يخفى ما فيهما من التكلف المستشبع ومنها أن التعليل بقوله أن تصيبوا قوما بجهالة الآية يقتضي تخصيص الحكم بما إذا كان هناك إصابة وخوف ندامة على تقدير ظهور الخطأ فيختص بمورده ولا يتعدى إلى محل البحث والجواب أن الإصابة والندامة على تقدير ظهور الخطأ قد يتحققان في العمل بخبر الواحد في الاحكام أيضا كما إذا ورد في قصاص أو حد أو ما أشبه ذلك ويتم الكلام في الباقي بعدم القول بالفصل ويمكن الجواب أيضا بأن العبرة بعموم الحكم لا بخصوص التعليل لامكان وروده لتقريب الحكم إلى الفهم في محل الحاجة أو أن المراد أن العمل بخبر الفاسق مما يؤدي إلى الوقوع في مثل تلك المفسدة غالبا فلا بد من التحرز عن العمل به مطلقا فتدبر ويتوجه على الاحتجاج بهذه الآية أيضا إشكالان آخران تقدم ذكرهما في الآية السابقة وهما أنها خطاب إلى المشافهين فلا يثبت في حق غيرهم إلا بالاجماع وهو منتف في محل النزاع وأنها ظاهرة بعد تسليم دلالتها في المقصود والمسألة أصولية يطلب فيها بالقطع و قد تقدم الجواب عنهما الثالث قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وجه الدلالة أن الموصولة بعمومها يتناول الأحكام الشرعية والتهديد على كتمانها يقتضي وجوب بيانها و إظهارها وهو يقتضي وجوب عمل السامعين بها وإلا لانتفي الفائدة في بيانها كما مر نظيره في الآية الأولى ويرد عليه وجوه منها أن المراد إنذار اليهود حيث كانوا يخفون أوصاف الرسول مما كان مذكورا عندهم في التوراة فلا تعلق له بالمقام ويمكن دفعه بأنه تخصيص لا شاهد عليه إذ على تقدير تسليم وروده في ردعهم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد وفيه تكلف ومنها أنه لا يتناول ما بينه الرسول أو الإمام عليه السلام إذا لم يكن مبينا في الكتاب كما هو محل الحاجة من خبر الواحد والجواب أن كل ما بينه الرسول أو الإمام عليه السلام فقد تبين في الكتاب ولو بعمومات الامر بالطاعة و التحذير عن المعصية أو بالخصوص كما يدل عليه قوله تعالى و أنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شئ ولا يقدح عدم وقوفنا عليه في ظاهر الكتاب لجواز أن يكون بيانه في بعض مراتب بطونه ولا ينافيه اعتبار كون البيان للناس إذ ليس المراد به جميع الناس لعدم تحقق البيان لهم بل بعضهم ويكفي في صدقه تحققه بالنسبة إلى النبي والأئمة ولو خص الكتاب بالمتواترات كما هو الظاهر من السياق وبه صرح أهل التفسير كما مر في الوجه السابق سقط الجواب و منها أن تحريم الكتمان مقيد بكونه مبينا في الكتاب فيكون القبول مقيدا به أيضا ولا بد من العلم بالقيد ومعه لا يبقى ثمرة لقبول الخبر ومنها أن الامر بالبيان لا ينحصر فائدته في وجوب العمل به مطلقا بل يكفي وجوبه إذا أفاد القطع وأنه خطاب إلى المشافهين فلا يتناول غيرهم وأنه ظاهر والمسألة أصولية يطلب فيها العلم وقد سبق ذلك كله بأجوبته الرابع قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وجه الدلالة أنه تعالى أمر عند عدم العلم بمسألة أهل الذكر والمراد بهم إما أهل القرآن أو أهل العلم وكيف كان فالمقصود من الامر بسؤالهم إنما هو استرشادهم والاخذ بما عندهم من العلم و السؤال عند عدم العلم كما يقع عن حكم الواقعة كما هو شأن المقلد فيجاب بذكر الفتوى كذلك قد يقع عما صدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير كما هو شأن المجتهد فيجاب بحكايته و نقله وهو المعبر عنه بالخبر والحديث وقضية الامر بسؤالهم وجوب قبول ما عندهم فتوى كان أو رواية ما لم يمنع منه مانع فيدل على حجية أخبارهم كما يدل على حجية فتاويهم وتخصيصه بالثاني كما هو المعروف في كتب القوم بعيد لان الآية بظاهرها تفيد الاطلاق و لا يختص دلالتها بحجية إخبار المجتهدين بل مطلق أهل العلم أو أهل القرآن وإن خص في جانب الفتوى بالمجتهدين حيث لا يقصد حكايتها عنهم لما دل على عدم جوازها من غيرهم ولو سلم فيمكن إتمام الكلام في التعميم بعدم القول بالفصل ويشكل بأن سياق الآية محتملة لان يكون المراد بأهل الذكر علماء اليهود وإن لم يكن ظاهرة فيه وإن المراد مسألتهم عن أحوال الأنبياء السلف وكونهم رجالا لا ملائكة وذلك لان أعوام الكفار لما استبعدوا أن يكون النبي المبعوث من قبله تعالى إلى العباد بشرا كما حكى الله ذلك عن الأمم السالفة بقوله تعالى فقالوا أ بشر يهدوننا وقالوا أ بشرا منا واحد نتبعه و قالوا لو شاء الله لأنزل ملائكة وأمثال ذلك ردهم الله تعالى بأن الأنبياء الذين أمنوا بنبوتهم من المرسلين قبله صلى الله عليه وآله ما كانوا ملائكة وإنما كانوا رجالا وأمرهم بمسألة علمائهم عن ذلك إن كانوا جاهلين به فهو خاص باعتبار السائل والمسؤول عنه فلا يتناول المقام إلا بتعميم المواضع الثلاثة والبعض منه ممنوع فضلا عن الكل فإن قلت قد ورد في بعض الاخبار أن ليس المراد بأهل الذكر
(٢٧٦)