الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٧٢
الظاهر فبطلان التالي ممنوع فإن ثبوت الاحكام عندنا تابع لحسن تشريعها فقد يحسن وضع القاعدة وتعميمها إلى مواردها تسهيلا لأمر التكليف وإن أدى إلى ارتكاب القبيح الواقعي ومن هذا الباب جواز الاعتماد على الامارات الشرعية من الاستصحاب وقول ذي اليد والشهادة مع إمكان الفحص عن الواقعة وتحصيل العلم بها ولو قرر النزاع في صورة انسداد باب العلم وبقاء التكليف فالمنع أوضح إذ قد يحسن الامر بالقبيح محافظة على ما هو أعم منه من فعل الحسن و يحسن النهي عن الحسن محافظة على ما هو أهم من ترك القبيح فكما أن القبيح قد يكون مقدمة تعيينه لما هو أهم منه من فعل الحسن فيجوز لنا ارتكابه بل يجب للتوصل إليه مع علمنا بقبحه وقد يكون الحسن سببا لحصول قبيح تركه أهم من فعله فيجوز لنا تركه بل يجب تحرزا عن حصول القبيح مع علمنا بحسبه فكذلك الحال فيما لو اشتبه علينا الحال فلم يمكن من تميز القبيح عن الحسن فيحسن في حقنا ارتكاب القبيح أو ترك الحسن للتوصل إلى الأهم فيحسن من الشارع أن يلزمنا به مع قضاء المصلحة بعدم وضع أسباب التمييز ومن هذا جملة من الطرق الشرعية بالنسبة إلى مواردها التي لا سبيل لنا إلى تحصيل العلم بها كأخبار الآحاد والشهادات فإنها وإن لم تستلزم الإصابة للواقع بل قد يتخلف عنها لكن الغالب فيها الإصابة فجاز أن يحسن منها الاخذ بها بجميع مواردها حتى موارد التخلف مع عدم العلم به وأن يحسن من الشارع أن يكلفنا به تحصيلا لما هو الغالب فيها من الإصابة وأما بالنسبة إلى الموارد التي يتمكن فيها من تحصيل العلم بالواقعة فتسويغ الاخذ بتلك الامارات مبني على الوجه السابق ثم هذا مبني على ما حققناه في محله من أن حسن الفعل وقبحه ليسا من لوازمه وذاتياته غالبا بل مبناهما على الوجوه و الاعتبارات اللاحقة له فيختلفان باختلاف الأحوال فتصح في قتل النفس المحترمة الذي هو قبيح قبل قيام الشهادة الزور المعتبرة في ظاهر الشريعة أن يكون حسنا بعد قيامها وهكذا الكلام في نظائر ذلك وأما ما يجاب به من أن الغرض الداعي إلى تشريع الاحكام أمران أحدهما الوصول إلى لوازمها وجهاتها الواقعية والثاني إظهار الامتثال والعبودية والامر الأول وإن جاز تخلفه عن التعويل على تلك الطرق إلا أن الامر الثاني مما لا يتخلف عنها بعد تشريع الشارع لها و الامر بالأخذ بمقتضاها فمع ابتنائه بناء على ما نحققه في محله من أن جهات التكليف لا ينحصر في جهات الفعل فلا يقول به المجيب بما لا حاجة إليه في مقام بناء على تخصيصه لمحل النزاع بصورة انسداد باب العلم وبقاء التكليف كما عرفت من بياننا آنفا وعلى تقدير عدم التخصيص فالبيان قاصر عن إفادة المدعى الثاني لو جاز التعويل على خبر الواحد في الاخبار عن المعصوم عليه السلام لجاز التعويل عليه في الاخبار عن الله تعالى والتالي باطل اتفاقا أما الملازمة فلان كلا منهما خبر مشتمل على الشرائط المعتبرة في قبوله فيجب القبول حيثما يتحقق والجواب منع الملازمة فإن الدواعي في الاخبار عنه تعالى تتوفر على الكذب على تقدير القبول لما فيه من إثبات منصب الرئاسة والفوز بمقام النبوة والرسالة ومع ذلك فالاخبار عنه تعالى يستدعي مزيد استعداد يندر حصوله فيتعذر قبوله ولهذا يحتاج إلى انضمام المعجزة بخلاف المقام واعلم أنه قد يحكى عن بعض القول بوجوب العمل بخبر الواحد عقلا لما فيه من دفع الضرر المظنون فإن أراد إثبات ذلك حيث يعلم ببقاء التكليف و ينسد باب العلم إليه فهو متجه إلا أنه خروج عن محل البحث على ما عرفت وإن أراد ذلك مطلقا ولو مع انتفاء أحد الامرين ففساده واضح إذ لا ظن بالضرر حينئذ بل قطع بعدمه لقبح التكليف بدون البيان المعتبر فصل ثم اختلف القائلون بجواز التعبد بخبر الواحد عقلا في وقوعه شرعا فذهب السيد المرتضى وجماعة من قدماء أصحابنا إلى عدم وقوع التعبد به وصار الأكثرون إلى وقوع التعبد به وهو الحق لنا وجوه الأول قوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وجه الدلالة أن المراد بالنفر أما النفر إلى الجهاد كما نص عليه بعض المفسرين وذكر أنه لما نزل في المتخلفين ما نزل كانوا إذا بعث النبي صلى الله عليه وآله سرية إلى الكفار ينفرون جميعا ويتركونه منفردا فنزلت الآية وعلى هذا فالضمير في يتفقهوا وينذروا وقومهم وإليهم راجع إلى الفرقة باعتبار ما بقي منهم وفي البواقي إلى الطائفة وأما النفر إلى طلب العلم وتعلم الاحكام فالضمير في الثلاثة الأول وفي رجعوا راجع إلى الطائفة وفي البواقي إلى الفرقة وعلى التقديرين فالمستفاد من الآية وجوب التحذر عند إنذار الطائفة أو من بقي من الفرقة وهو يقتضي حجية خبرهم في الانذار أما الثاني فواضح وأما الأول فلوجهين الأول أنها دلت على وجوب الانذار وهو يستلزم وجوب العمل بمقتضاه بسبب التحذر وأما وجه دلالتها على وجوب الانذار فلان لولا إما للتنديم أو للتخصيص وعلى التقديرين يستفاد منها وجوب النفر فإذا كان المراد بالنفر النفر إلى تعلم الاحكام كان كل من التفقه والانذار واجبا حيث جعلا غاية للنفر الواجب فإن وجوب شئ لشئ يستلزم وجوب ما يجب له كما نبهنا عليه عند بحث المقدمة مضافا إلى أن ذلك هو المفهوم من فحوى الخطاب عرفا ولا سبيل إلى حمل اللام على العاقبة لأنه مجاز ولا قرينة عليه مع حصول التخلف إلا أن ينزل على الغالب فيزداد تعسفا لا يقال يكفي في وجوب النفر وجوب بعض غاياته ولا ريب في وجوب التفقه فيبقى وجوب الانذار منفيا بالأصل لأنا نقول ظاهر الآية يقتضي وجوب النفر للامرين وهو يقتضي وجوبهما إذ كما لا يعقل وجوب شئ للتوصل به إلى مندوب كذلك لا يعقل وجوبه للتوصل به إلى واجب ومندوب والعرف يساعده على ذلك أيضا ولو فسر النفر بالنفر إلى الجهاد أمكن أن يستفاد منها بضميمة صدرها وجوب مكث البعض للتفقه و الانذار ويتم الاستدلال به بالبيان المتقدم وأما وجه استلزام وجوب الانذار لوجوب العمل بمقتضاه فلان المفهوم من إطلاق وجوب الانذار عرفا هو جواز العمل بمقتضاه بل وجوبه كما يظهر بالتدبر في نظائره والظواهر المستندة إلى دلالة الألفاظ حجة وإن فهمت منها بطريق الالتزام ولأن الامر بالانذار مع المنع من العمل به يعد
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»