لغوا وسفها وهو ممتنع في حقه تعالى وبهذا البيان يتضح وجه الاستدلال على تقدير ندبية الانذار أيضا فإن رجحانه يستلزم جواز العمل به لما مر فثبت الوجوب بالاجماع المركب وكذا لو امتنع استلزام وجوب الانذار لوجوب العمل بمقتضاه كما في حق الولي و الصبي إذ لا سبيل إلى منع استلزامه لجوازه فثبت الوجوب بما مر لا يقال لا نسلم انحصار فائدة الانذار في جواز العمل به مطلقا بل يكفي جوازه في الجملة ولو عند احتفافه بالقرائن القطعية أو بلوغه حد التواتر لأنا نقول هذه ثمرة نادرة الحصول والاعتبار الصحيح لا يساعد على اعتبارها في مثل المقام الثاني أن قوله تعالى لعلهم يحذرون معناه وجوب الحذر لتعذر حمله على ظاهره لاستحالة الترجي عليه تعالى ووجوب الحذر عند إنذارهم في معنى وجوب العمل بما يشمل عليه أخبارهم لا يقال تعذر الحمل على الترجي لا يعين الحمل على الايجاب لامكان الحمل على الندب لا سيما مع مساعدة الأصل عليه لأنا نقول قد حققناه سابقا أن الظاهر من الألفاظ المستعملة في الطلب هو الايجاب بشهادة العرف والاستعمال فلا يصار عليه إلا الدليل مع أن ثبوت الرجحان كاف في إثبات المقصود بل في إثبات الوجوب أيضا بضميمة ما عرفت من الاجماع المركب وقد يتفصى عن السؤال المذكور بوجهين آخرين الأول ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين من أن المقتضي للمحذور إن كان موجودا وجب وإلا لم يحسن فلا يعقل ندبية الحذر وفيه نظر لان المقتضي قد يكون محتمل الوقوع فيحسن الحذر تحفظا عن إصابة المحذور كما في كثير من المكروهات فالملازمة ممنوعة الثاني ما ذكره بعض المعاصرين من أن ندبية الحذر العمل بخبر الواحد غير معقول لان خبر الواحد قد يشتمل على إيجاب شئ أو تحريمه ولا يعقل ندبية العمل بالواجب أو الحرام نعم قد يتصور ندبية العمل بالواجب في الواجب التخييري لكن لا يكون التخيير إلا بين أمرين وليس الامر الاخر هنا إلا العمل بالأصل إذ الكلام في حجية خبر الواحد حيث لا معارض له بالخصوص وحينئذ فإما أن يعتبر التخيير بين الاخذ و العمل بكل منهما أو بين مؤداهما والأول تخيير في المسألة الأصولية سواء اعتبر التخيير بينهما على الاطلاق أو في خصوصيات الموارد أما الأول فواضح وأما الثاني فلان التخيير فيه من جزئيات التخيير في الأول و فروعه والمفهوم من الآية على ما بنى عليه المؤول هو التخيير في المسألة الفقهية دون الأصولية على أن مرجع ذلك إلى التخيير بين اعتقاد الوجوب وعدمه ولا معنى لجواز اعتقاد الوجوب ومع ذلك فلا تعارض بين الاعتقادين حتى يستلزم التخيير أرجحية أحدهما فإن الاعتقاد بجواز العمل بالأصل قبل العثور على الدليل لا ينافي الاعتقاد بجواز العمل بخبر الواحد بعد العثور عليه ولا سبيل إلى منع الوجوب وإثبات الجواز مع الاستحباب ليرتفع التنافي إذ بعد بقاء التكليف بالأحكام وجواز الاستنباط من خبر الواحد يلزم وجوب العمل به من باب المقدمة ولا يجدي في صحة التخيير إمكان الاستنباط من الأصل إذ العمل بالأصل إنما يصح عند تعذر معرفة الحكم بغيره والثاني تخيير في المسألة الفقهية وهو يؤدي إلى اجتماع المتنافيين فإن جواز الواجب أو استحبابه غير معقول كما مر وجعله من باب التخيير بين العمل بالخبرين المتعارضين أو فتوى المجتهدين غير مستقيم لان ذلك تخيير عند الاضطرار أو بخلاف المقام فإن الآية واردة في حق الحاضرين المتمكنين من معرفة الاحكام على أن التخيير هناك إرشاد لطريق العمل لا لمعرفة أن أحدهما هو الحكم الشرعي بالخصوص انتهى ملخصا أقول وفيه أيضا نظر لان المفهوم من التحذير إنما هو العمل على حسب إنذارهم من فعل أو ترك دون الاتيان به على الجهة التي اشتمل إنذارهم عليها إذ التحقيق أن نية الوجه غير معتبرة وقد وقع نظير ذلك في السنن عند من يتسامح في أدلتها إذ كثيرا ما يدل الخبر على وجوب فعل أو ترك وهم يعملون بها على وجه الاستحباب نظرا إلى قصورها عن إفادة الوجوب لا يقال الاخبار بوجوب شئ أو تحريمه يستلزم الاخبار بجواز الاتيان به بنية الوجوب أو تركه بنية التحريم فإذا كان مفاد الآية استحباب العمل بخبرهم مطلقا لزم المحذور المذكور وكذا لو فرض تصريح المخبر بذلك لأنا نقول الاخبار بالجواز لا يعد إنذارا فيخرج عن مورد الآية ولو عمم الحكم إليه بالاجماع المركب يمكن التمسك به من أول الامر ولم يحتج إلى التطويل المذكور ثم ما ذكره من عدم مساعدة التأويل المذكور على التخيير بين العمل بالأصل وخبر الواحد واضح الاندفاع لان المستفاد من الآية جواز العمل بخبر الواحد فحمله على الوجوب التخيير لا يقتضي إلا التخيير بين العمل بخبر الواحد ومعادله لا التخيير في مؤداهما مع أنه أيضا غير مستقيم كما عرفت ولقد كان له أن يتمسك أيضا بأن خبر الواحد قد يقتضي الوجوب التعييني فلا يعقل أن يجب على التخيير العمل بالواجب التعييني وما ذكره من أن التخيير في المسألة الأصولية راجع إلى التخيير بين اعتقاد الوجوب وعدمه غير مستقيم بل راجع إلى التخيير في البناء على حجية كل من الدليلين وأما ما ذكره من أن التخيير هنا في مقام الاختيار والتخيير بين الخبرين المتعارضين والفتاوى المتعارضة تخيير عند الاضطرار فإن أراد أن التخيير في الصورتين إنما يثبت حال الاضطرار فهو لا ينافي ما أريد بالتنظير وإن أراد أن التخيير بين الدليلين لا يكون إلا عند الاضطرار فهو في محل المنع ثم لا يذهب عليك أن ما ذكره من أن الاستحباب يجتمع مع الوجوب التخيير وقد أوضحنا فساده في بعض مباحث النهي مع أنه لا قائل في المقام بوجوب العمل بخبر الواحد على سبيل التخيير بينه وبين العمل بالأصل فلا وجه لإطالة الكلام عليه مما لا طائل فيه واعلم أن هذه الآية يتناول إطلاقها الانذار بدون الواسطة ومعها مع تعدد الوسائط و بدونه لان وجوب العمل بإنذار المنذرين يقتضي جواز التعويل على روايتهم في معرفة الاحكام وذلك معنى التفقه في الدين فيجب عليهم إنذار غيرهم ويجب عليهم القبول وهكذا نعم من يزعم أن العلم بوجوب العمل لا يستلزم العلم بالحكم فله منع دلالتها على حجية خبر الواحد مع الواسطة إلا
(٢٧٣)