الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٦٥
بل لمعتقدهم والجواب أنا حيث دللنا بالتبادر وغيره أن المعتبر في كذب الخبر مخالفته للواقع فقط وجب ارتكاب التأويل في الآية و هو يصح من وجوه وذلك لان قولهم نشهد إن حملناه على الاخبار كما هو الظاهر من اللفظ جاز أن يكون نسبة الكذب إليهم باعتبار عدم وقوع الشهادة منهم في المستقبل أو عدم استمرارهم عليها بناء على دلالة فعل الاستقبال عليه أو لعدم حصول الاعتقاد أو الشهادة في قلوبهم بناء على أن المعنى نعتقد أو نشهد بقلوبنا وإن حملناه على الانشاء كما هو ظاهر المقام جاز أن يكون نسبة الكذب إليهم باعتبار الاخبار اللازم لشهادتهم من كونهم عالمين بمضمونها أو عاملين بمقتضاها أو يجوز أن يكون المراد أنهم قوم من شأنهم الكذب فلا تعتقد بصدقهم في هذا الخبر وأنهم كاذبون فيما حلفوا عليه من عدم الاتفاق كما ورد في بعض الآثار احتج الجاحظ بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة وجه الدلالة أن الكفار كانوا قاطعين بعدم مطابقة كلام الرسول صلى الله عليه وآله للواقع فيما كان يدعيه من أمر الرسالة والحشر والنشر لكنهم ترددوا بين أن يكون مخالفا لمعتقده أيضا فيكون كاذبا ومفتريا وبين أن يكون مطابقا له أو صادرا منه من غير اعتقاد فيكون مجنونا لزعمهم أن الاعتقاد بمضمون تلك الدعاوي بل الشك في صحتها لا يتحقق في حق العاقل فاعتبروا مخالفة الاعتقاد والواقع في الكذب وأثبتوا الواسطة و اعلم أن الذي يقتضيه الآية على حسب ما تمسك به الخصم خروج الوسائط الأربعة عن الكذب لاندراج القسمين المذكورين في قولهم أم به جنة واستفادة نفي القسمين الأخيرين المشتملين على مطابقة النسبة للواقع من مساق الكلام ويعرف بالمقابلة معنى الصدق أيضا و زعم بعض المعاصرين أن قولهم أم به جنة يتناول وسائط ثلاثة الاخبار مع اعتقاد المطابقة أو من غير قصد وشعور وليس على ما ينبغي بل الأولى إدخال الأخيرين في الاخبار من غير اعتقاد وعدم اعتبارهما قسمين مستقلين وأما ما أورده بعض المعاصرين عليه من منع تناول القول المذكور للوسائط الثلاثة نظرا إلى أن خبره صلى الله عليه وآله جزئي لا يقبل إلا أحد الاحتمالات فمدفوع بأن المراد تناوله لها على البدلية وأن المعتبر في مقابلة الكذب القدر المشترك بين الأقسام الثلاثة وهو كونه كلام ذي جنة فلا إشكال حينئذ فيه من هذه الجهة والجواب أن الافتراء عبارة عن تعمد الكذب إما لاختصاص الفرية به أو لظهور الفعل المسند إلى المختار في صدوره عنه بالقصد والشعور وحينئذ فيكون ترديدهم بين أن يكون الرسول مدعيا لأمر الرسالة وتوابعها عن قصد وشعور فيكون مفتريا وبين أن يكون مدعيا لها من غير قصد وشعور كما هو الغالب في أفعال المجانين فيكون مجنونا فلا يدل على اعتبار مخالفة الاعتقاد في الكذب ولا على تحقق الواسطة بينه وبين الصدق ولو سلم عدم ظهور هذا الاحتمال فلا أقل من مساواته للاحتمال الأول فلا يتم الاستدلال ومع التنزل فغاية ما ثبت به مجرد الاستعمال وهو لا ينهض بإثبات الحقيقة في مقابلة ما مر تتمة قد ذكر بعضهم في بيان ثمرة النزاع المذكور وإن المدعي لو قال كذبت شهودي سقط دعواه على مذهب الأكثر والجاحظ ولم تسقط على مذهب النظام ولو قال لم تصدق شهودي سقط الدعوى على مذهب الأكثر ولم تسقط على مذهب الجاحظ والنظام وهذه الثمرة مبنية على أن يكون المراد بالاعتقاد في كلام النظام والجاحظ اعتقاد المخبرون واصف الكلام بالصدق والكذب وهذا أمر بين لا يكاد يعتريه وصمة الارتياب وأجلى من أن يزل فيه قدم عارف بطريق التأدية والخطاب والعجب من الفاضل المعاصر حيث تلبس عليه الحال مع وضوح المقال فمنع من ترتب الثمرة المذكورة زاعما أن مقصود النظام بالاعتقاد إنما هو اعتقاد واصف الخبر بالصدق و الكذب دون المخبر وأن المراد بالمخبر في كلامه من يلاحظ الخبر و إن لم يخبر به فيكون ثمرة النزاع في الفرض المذكورة اعتبارية وحمل استدلال النظام بالآية على أن المعنى إنهم لكاذبون في معتقدهم من حيث مخالفة خبرهم لمعتقدهم وأن ما أجاب عنه الأكثرون من أن المراد إنهم لكاذبون في معتقدهم من حيث زعمهم مخالفة كلامهم للواقع واستشهد على ذلك بأنه لو كان مقصود النظام كما زعم من موافقة اعتقاد المخبر ومخالفته لزم أن لا يكون الخبر في نفسه متصفا للصدق والكذب بل بالنظر إلى ملاحظة حال المخبر فقط و أنه واضح الفساد أقول أما ما تأول به كلام الفريقين ونزل عليه مقالة المحتاجين فهو تعسف فاسد وتكلف بارد لا يقبله العارف بتأدية المقاصد مع احتجاجه تبعا لغيره على قول الأكثر بالاجماع على أن اليهودي لو أخبر بأن الاسلام حق كان صادقا مما لا وجه له على هذا التنزيل لأنه إن أريد أنه صادق عند اليهود فواضح السقوط أو عند المسلمين فلا يختص بمذهب الأكثر وأما ما تمسك به على التعويل المذكور فهو بمكان من القصور لأنه مع اختصاصه بطريقة النظام غير متجه في المقام إذ لا ضرورة على أن الخبر من حيث نفسه يحتمل الصدق والكذب بمعنييهما الحقيقيين وإنما الضرورة قائمة على قبوله في نفسه للاتصاف بالمطابقة للواقع وعدمها على أنا نمنع لزوم عدم اتصاف الخبر بالصدق من حيث نفسه على التفسير المذكور لظهور أن كل خبر من حيث نفسه كما أنه قابل لان يكون مطابقا للواقع وأن لا يكون مطابقا له كذلك قابل لان يكون مطابقا لمعتقد مخبره ولو تقديرا وأن لا يكون مطابقا له فدعوى صحة اعتبار الأول بالنسبة إلى نفس الخبر دون الثاني تحكم واضح ثم المستفاد من مقالة النظام والجاحظ أن مطابقة الاعتقاد وعدمها معتبران حال الاخبار فلو أخبر معتقدا مطابقته للواقع ثم اعتقد الخلاف لم يخرج عن كونه صادقا في ذلك الاخبار على مذهب النظام مطلقا وعلى مذهب الجاحظ مع المطابقة ولو أخبر معتقدا عدم المطابقة ثم اعتقد الخلاف لم يخرج عن كونه كاذبا على المذهبين كما مر وعلى ما توهمه الفاضل
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»