الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٨
وقد أجازه الأكثرون منهم مع أن الدليل المذكور جار فيه بعينه وأما ثانيا فبالحل وهو أنه إن أريد أنهما قطعيان من حيث السند أو من حيث الدلالة في الجملة فلا جدوى فيه لان المعارضة ليست بهذا الاعتبار خاصة وإن أريد أنها قطعيان باعتبار دلالتهما على استمرار الحكم أيضا فممنوع بل دلالتهما عليه ظنية إذ الفرض فيما [إنما] يكون كذلك وإلا لامتنع نسخه بمثله أيضا فيكونان دليلين ظنيين كخبر الواحد فيتكافئان ويمكن أن يقال أيضا كما أن الكتاب والمتواتر قطعيان باعتبار المتن كذلك خبر الواحد قطعي باعتبار دلالته و كما أن خبر الواحد ظني باعتبار متنه كذلك الكتاب والخبر المتواتر ظنيان باعتبار الدلالة فيتساويان لكن هذا الوجه لا يتجه حيث يحتمل الخبر التقية والتجوز إلا أن يتمسك في التعميم بعدم الفارق احتج المجوزون بوجوه الأول أنه لو امتنع نسخهما بخبر الواحد لامتنع تخصيصهما به أيضا والتالي باطل كما اعترف به أكثر المانعين فالمقدم مثله بيان الملازمة أن النسخ تخصيص بحسب الأزمان كما أن التخصيص تخصيص بحسب الافراد فهما متشاركان في حقيقة التخصيص وإنما يتفارقان في التسمية الاصطلاحية وظاهر أن مجرد ذلك لا يوجب الافتراق في الاحكام وأجيب بأن النسخ إبطال للدليل ودفع له بخلاف التخصيص فإنه بيان له ودفع لشموله فلا يلزم من جواز الثاني جواز الأول ويمكن دفعه بأن النسخ والتخصيص إن قيسا إلى الظاهر كانا دفعا [رافعا] لما ثبت فيه وإبطالا له و إن قيسا إلى الواقع كانا دفعا للشمول وبيانا للمراد فالتفرقة غير مسموعة وتتمة الكلام فيه تعرف مما مر في تحقيق معنى النسخ ومما مر في مبحث التخصيص والأظهر أن يجاب بما نبهنا عليه من أن الفارق إنما هو قيام الدليل على جواز التخصيص به دون النسخ الثاني أنه لو امتنع لما وقع لكنه قد وقع فإن التوجه إلى بيت المقدس كان متواترا عند أهل قبا فلما سمعوا منادي الرسول ينادي بأن القبلة قد حولت إلى الكعبة استداروا إليها ولم ينكر صلى الله عليه وآله عليهم وقد نسخ قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي الآية بما روي آحادا عنه صلى الله عليه وآله من أنه صلى الله عليه وآله نهى عن أكل كل ذي ناب ونسخ قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم بقوله صلى الله عليه وآله المروي آحادا لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها و الجواب عن الأول أنه يجوز أن يكون ذلك الخبر قد أفادهم القطع نظرا إلى انضمام القرائن الحالية إليه من كون المنادي إنما نادى بمحضر منه صلى الله عليه وآله على رؤوس الاشهاد والمنادى به واقعة عظيمة فلو كان كذبا لنادى غيره بخلافه كما تشهد به العادة وعن الثاني بالمنع من كون الرواية نسخا بل تخصيص لعموم الحصر المستفاد من الآية أو نقول معنى الآية لا أجد الان كما هو الظاهر فلا يدل على نفي التحريم بالنسبة إلى المستقبل وإنما يكون النهي ثابتا فيه بالأصل وقد مر أن رفعه لا يعد نسخا وعن الثالث بأنا لا نسلم أنه من باب النسخ بل التخصيص لجواز ورود الرواية قبل العمل بعموم الآية الثالث أن تتبع الآثار يقضي بأنه صلى الله عليه وآله كان يبعث الآحاد لتعليم الاحكام وهي مشتملة على الناسخ وغيره ولم ينقلوا الفرق بين ذلك فيلزم أن يكون أخبارهم حجة في الأول كما أنه حجة في الثاني والجواب أن هذا إنما يسلم في نسخ ما ثبت بالآحاد أو ما كان الخبر فيه محفوفا بقرائن الصدق وفي غير ذلك ممنوع ودعوى عدم نقل الفرق غير مسموعة لورود أخبار العرض على الكتاب وهي قاضية بالفرق مع أن مجرد عدم نقل الفرق لا يقتضي عدم الفرق ولو سلم فدعوى مساواتنا لهم في مثل هذا الحكم ممنوعة لوجود الفارق وهو ما أشرنا إليه وأما الاجماع فالمعروف بينهم أنه لا يكون ناسخا ولا منسوخا لان دلالته متوقفة على وفاته صلى الله عليه وآله ولا نسخ بعده وضعفه على مذهبنا ظاهر لان الاجماع إن كان عبارة عن الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم كما هو المختار فهذا مما يمكن تحققه في حياته صلى الله عليه وآله فيصح أن يكون ناسخا ومنسوخا وإن كان عبارة عن اتفاق جماعة أحدهم المعصوم على وجه لا يعرف شخصه بينهم فهذا أيضا مما يمكن وقوعه في زمانه صلى الله عليه وآله سواء علم بدخوله بينهم أو بدخول معصوم غيره وكذا الكلام على طريقة الشيخ وأما على مذهب مخالفينا فالأدلة التي تمسكوا بها على حجيته مختلفة المفاد وقضية أكثرها عدم حجيته في زمانه صلى الله عليه وآله كاحتجاجهم بالاجماع على القطع بحجيته لانتفائه في محل البحث وكاحتجاجهم بالآيات و الروايات لأنها مخصوصة أو مقيدة بغير زمانه بالاجماع إن تم أو موهونة الشمول لمحل البحث بقيام الشهرة العظيمة على الخلاف و مثله الاحتجاج بالضرورة وقضية بعضها الحجية مطلقا كاحتجاجهم على حجيته بإحالة العادة الاجتماع على حكم من غير دليل قطعي هذا كله إذا كان الاجماع كاشفا عن تحقق النسخ حال انعقاده وأما إذا كان كاشفا بعد زمانه عن وقوعه في زمانه فلا نزاع في جوازه [وفلا نزاع في جوازه] هذا وقد يتوهم أن الاجماع الواقع عقيب الخلاف ناسخ لتخيير العامي في الاخذ بأحد القولين أو الأقوال وضعفه ظاهر لان تخييره ظاهري مبني على عدم قيام دليل عنده يقتضي التعيين فإذا انعقد عنده الاجماع صادف الدليل فيرتفع التخيير كما لو تخير المجتهد في الاخذ بأحد الدليلين المتكافئين المتعارضين ثم وجد ما يقتضي ترجيح أحدهما فصل زيادة عبادة مستقلة على العبادات ليست نسخا لأنها إنما ترفع حكما عقليا من عدم وجوبها أو استحبابها أو انحصار عددها وقد عرفت أن رفع الحكم العقلي لا يعد نسخا ولا فرق بين أن يصرح أولا بعدم وجوبها أو لا لان الحكم بعدم الوجوب ليس من جملة الاحكام وكذا لا فرق بين أن يكون الزيادة في عدد الصلوات أو غيرها والثاني موضع وفاق وقد اختلفوا في الأول فذهب شرذمة إلى أن الزيادة فيها نسخ لكونها مخرجة للوسطى عن كونها وسطى فتكون ناسخة لحكمها من تأكد وجوب المحافظة عليها وضعفه ظاهر لأنه إن أريد بالوسطى صلاة بعينها فالزيادة لا توجب زوال حكمها وإن أريد الصلاة الموصوفة بها فثبوت الحكم في حقها قبل الزيادة منوط بثبوت
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»