الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٧
قلنا بجواز تأخير البيان في الاخبار وهو بمعزل عن التحقيق أو التزم باقترانها ببيان ولو إجمالي من السنة وهو بعيد عن الظاهر و يمكن أن يجاب أيضا بناء على الوجه الذي ذكرناه في محل النزاع بأنه يجوز أن يكون المأتي به الإباحة العقلية وهو أمر وجودي وأن يكون حكمه بثبوتها بعد النسخ مساوية لحكمه ثبوت الحكم المنسوخ قبله أو أولى وأن يكون الاتيان بها بلسان العقل أو بالعمومات العاضدة له أو يجاب بأن الآية ظاهرة في الاستقبال والمقصود أعم من ذلك ونفي الخاص لا يقتضي نفي العام فصل لا ريب في جواز النسخ إلى المساوي والأخف والحق جوازه إلى الأثقل أيضا وفاقا للمحققين وخالف في ذلك قوم لنا انتفاء المانع وجواز قضاء المصلحة به ووقوعه كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم ولا ريب أن التعيين أشق ونسخ صوم عاشوراء بصوم شهر رمضان وهو أشق ونسخ حبس الزانية بالجلد وهو أشق من الحبس احتجوا بوجوه الأول أن النقل إلى الأشق أبعد من المصلحة فلا يجوز و الجواب أما أولا فبالنقض بالأحكام الرافعة لأصل الإباحة فإنها نقل إلى الأشق وأما ثانيا فالمنع لجواز أن تكون المصلحة في الأشق الثاني قوله تعالى ما ننسخ من آية الآية فإنها تدل على الحصر في الخير وهو الأخف والمثل وهو المساوي والجواب أن المراد بالخير ما هو أكثر ثوابا أو أتم مصلحة فيتعين الأشق أو يتناوله والثالث قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله يريد الله أن يخفف عنكم والجواب أما عن الأول فبأن الأثقل بالنسبة إلى المنسوخ يجوز أن يكون يسرا في نفسه أو المراد اليسر في المال وإن كان عسرا في الحال وأما عن الثاني فبأنه غير صريح في المقصود لجواز أن يكون المراد به التخفيف عند الحساب ونحوه و يمكن الجواب عنهما أيضا بأن المراد اليسر والتخفيف بالنسبة إلى تكاليف الأمم السابقة أو بأنه لا عموم فيهما فيجوز أن يراد ذلك بالنسبة إلى بعض الأحكام ويمكن الجواب أيضا بارتكاب التخصيص على تقدير تسليم العموم في الموارد التي تخالفها لكن يشكل بما مر فصل يجوز نسخ الكتاب بمثله وبالسنة المتواترة وفي حكمها السنة المحفوف بقرائن العلم لأنهما دليلان قطعيان في الجملة فيجب الجمع بينهما لامتناع العمل بهما للتنافي أو طرحهما لعدم الموجب أو طرح أحدهما لعدم المرجح ثم إن كانت السنة قطعية الدلالة فلا إشكال وإن كانت ظنية اعتبر أن يكون ظهورها في النسخ أقوى من ظهور الكتاب في الاستمرار وإلا لوجب التوقف أو تنزيلها على غير النسخ وقد خالف أبو مسلم الأصفهاني في المقامين وقد مر وخالف الشافعي في الثاني واحتج بقوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها فإنه سبحانه أسند [استند] الاتيان بالناسخ إليه تعالى والسنة ليست منه تعالى ووصفه بالخيرية أو المساواة وما هو غير القرآن لا يكون خيرا منه ولا مساويا إياه وبقوله لتبين للناس والناسخ ليس مبنيا وبقوله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي فإنه ينفي كون النبي ناسخا له فإن النسخ تبديل والجواب أما عن الأول فبإمكان الحمل على نسخ اللفظ فيخرج عن محل البحث و لو سلم أن المراد نسخ الحكم أيضا كما هو الظاهر فلا نسلم أن السنة ليست منه تعالى كيف وقد قال وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ولا ينافي الوصف بالخيرية أو المساواة لان المراد حينئذ خيرية الحكم أو مساواته لا خيرية [ألفاظه] اللفظ الدال عليه أو مساواته حتى يمنع ذلك بالنسبة إلى غير القرآن وأما عن الثاني فالمنع من عدم كون الناسخ بيانا على ما يراه جماعة كيف وقد اشتمل على بيان المراد بالمنسوخ سلمنا لكن المراد منه بيان البعض أو التبليغ ولو مجازا لظهور أن جميع ما نزل لا يحتاج إلى البيان وأما عن الثالث فبأنه قد خص نفي التبديل فيه بكونه من تلقاء نفسه وهو لا يقتضي نفي التبديل بالوحي بل ربما كان الظاهر من القيد إثباته مع أن الظاهر منه تبديل اللفظ ولا كلام فيه على أنا نمنع كون النسخ مستلزما للتبديل لجواز أن يكون النسخ من غير بدل كما مر وكذا يجوز نسخ السنة المتواترة باللفظ أو المعنى أو بهما بالكتاب أو بالسنة المتواترة ونسخ خبر الواحد على تقدير حجيته به أو بأحدهما والمستند ما عرفت من الجمع بين الدليلين واختلفوا في جواز نسخهما بخبر الواحد على تقدير حجيته والمختار المنع وفاقا للمحققين بل الظاهر أنه متفق عليه عند أصحابنا وخالف في ذلك شرذمة من العامة لنا أن ما دل على حجية أخبار الآحاد مما لا يساعد على حجيتها في المقام لان المستند على ذلك إن كان الاجماع فلا ريب في انتفائه في هذه الصورة وإن كان ظاهر الآيات و الاخبار فظاهر أن دلالتهما على حجيتها حينئذ من باب العموم أو الاطلاق وهو مع معارضته لظاهر الدليلين وعمومات ما دل على حجيتهما موهون بمصير المعظم بل الكل إلى المنع فلا يبقى لنا تعويل عليه وإن كان ما نحققه في محله من انسداد باب العلم وبقاء التكليف في الاحكام فلا خفاء في أن [ظاهره] هذا الطريق إنما يقتضي التعويل على الطرق التي هي مظنونة الصحة لا غير فإنا كما نعلم علما إجماليا بعد الانسداد بأنا مكلفون بالأحكام كذلك نعلم علما إجماليا بأنا مكلفون بتحصيلها عن طرق مخصوصة قد جعلها الشارع لنا طريقا إليها فحيث لا سبيل إلى تحصيل تلك الأحكام بالطرق المعلومة لانسداد باب العلم بالنسبة إليها تعين تحصيلها بالطرق المظنونة وظاهر أن أخبار الآحاد المقتضية لنسخ الكتاب أو السنة المتواترة ليست من جملة تلك الطرق كيف والمظنون أن لا تكون منها إن لم نقطع بذلك ومن هنا يظهر الفرق بينه وبين التخصيص فإن مصير الأكثر هناك إلى جواز تخصيصهما بخبر الواحد مع أمارات أخر معتضدة بذلك مما يورث الظن بكونه حينئذ من تلك الطرق واحتج من وافقنا على المنع بأن الكتاب والسنة المتواترة قطعيان وخبر الواحد ظني والقطعي لا يقابل بالظني وفيه نظر أما أولا فبالنقض بجواز تخصيصهما بخبر
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»