الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٦
للعقل على امتناع تعلق التكليف بهذا المعنى بما لا مصلحة في فعله إذا تعقبه الاعلام برفعه قبل الفعل ويمكن أن ينزل عليه حكاية إبراهيم عليه السلام ويستقيم الدليلان الأخيران على ما وجهناها عليه ثم إن السيد العميد اعترض على الأشاعرة بأنهم قالوا بجواز النسخ قبل وقت العمل مع مصيرهم إلى أن الامر إنما يتوجه إلى المأمور عند مباشرته للفعل وأن الامر السابق على الفعل إخبار بوقوع الامر حال الفعل فإن الأول ينافي قولهم هنا بثبوت الامر قبل وقت الفعل والثاني يستلزم الكذب إذ الفرض انتفاء التكليف حال الفهم أقول ما عزاه إلى الأشاعرة من الامرين المذكورين مما لم أقف له على أثر في كلامهم وقد نقل العضدي الاجماع على ثبوت التكليف قبل الفعل ثم أورد نزاعهم في التكليف حال الفعل نعم ذكر شيخ الأشاعرة أن لا قدرة على الفعل إلا حال وقوعه ولعل ذلك أوهم مصيره إلى أن لا تكليف قبل الفعل إذ لا تكليف بغير المقدور ثم فرع عليه المسألة الثانية لكن أصحابه ألزموه بالقول بجواز التكليف بالمحال وهو المناسب لمصيره إلى أن أفعال العباد اضطرارية ثم لو سلم النقل المذكور فيمكن دفع الاشكال الأول بأن شأنية حصول الحكم عند الفعل حاصلة قبله والنسخ إنما يكون باعتباره والثاني بأن الأخبار المذكورة مقيدة بما إذا لم يطرأ الناسخ ولا يقدح عدم التصريح به لأنه مفهوم ضمنا فصل اختلفوا في النسخ لا إلى بدل فذهب الأكثرون إلى الجواز وهو الحق والآخرون إلى المنع ولنحرر أولا محل النزاع فنقول لا ريب في أن النسخ كما يقتضي رفع الحكم المنسوخ كذلك يستلزم ثبوت حكم آخر بناء على امتناع خلو الواقعة عن جميع الأحكام فالبدل المبحوث عنه في المقام ليس مطلق البدل وإنما هو البدل الشرعي أعني الحكم المدلول عليه ببيان شرعي وإن كان إباحة فإنه الذي يمكن انفكاكه عن النسخ حيث يقع بلفظ نسخت وشبهه فإن الإباحة حينئذ إنما تثبت بحكم العقل لا ببيان الشرع والعضدي خص البدل بالبدل التكليفي ولم أقف على ما أخذه وكأن منشأه أن النسخ لا ينفك عن ثبوت بدل ما حكما كان المنسوخ أو تلاوة وهل النزاع في مطلق النسخ فيتعين أن يكون المراد به البدل التكليفي وضعفه ظاهر مما مر أو أن إطلاق البدل ينصرف إلى البدل التكليفي في مثل المقام وهو غير بعيد إلا أنه في محل المنع وهل النزاع في مطلق النسخ حكما كان المنسوخ أو تلاوة أو في نسخ الحكم فقط دون التلاوة وجهان وبعضهم كالعضدي خص النزاع بنسخ الحكم وهو الأظهر ثم المراد بالجواز هنا عدم ما يعين عدمه ولو من الشرع وبعدم الجواز وجود ما يقتضي ذلك فقول العضدي في بعض مناقشاته في الاحتجاج بالآية بأنها إنما تقتضي عدم الوقوع والنزاع في الجواز بعيد إذ لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي بعد البناء على جواز النسخ إذا عرفت هذا فلنا على الجواز عدم ما يقتضي المنع لما سننبه [سنبينه] من ضعف ما تمسك به الخصم و عدم ما يصلح للمنع سواه وأيضا لو لم يجز لما وقع في الشرع وقد وقع كنسخ تقديم صدقات بين يدي النجوى بناء على أنه لم يجعل له بدل كما هو الظاهر ويعاضده الأصل وأما قوله تعالى بعد ذلك فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلا دلالة له على بدلية إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عنه لثبوتهما قبل نسخه أيضا بل المقصود مزيد تأكيد بفعلهما كما يظهر بالنظر إلى ما يقع من نظائره في المخاطبات العرفية احتج الخصم بقوله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها وأجيب بوجوه الأول أن المفهوم من نسخ الآية نسخ لفظها لا نسخ حكمها فلا دلالة فيه على المجئ بالبدل في الثاني وما يقال من أن النسخ حقيقة شرعية في نسخ الحكم كما يدل عليه حدودهم المعروفة فحمله على نسخ اللفظ مجاز فلا يصار إليه من غير قرينة فمدفوع بالمنع من ثبوت الحقيقة الشرعية في ذلك لجواز أن يكون باقيا على معناه الأصلي أعني الرفع مع أن دعوى اختصاصه في العرف بنسخ الحكم في محل المنع لامكان دعوى اشتراكه بينه وبين نسخ اللفظ الثاني أن عدم الحكم قد يكون خيرا من ثبوته وقت نسخه فإن المصالح في الافعال مما يجوز أن تختلف باختلاف الأزمان والأحوال فلا يلزم الاتيان ببدل وجودي واعترض عليه أولا بأن العدم شر فلا يكون خيرا وفيه أن هذا الأصل مأخوذ من كلام الفلاسفة وقد نص بعض المتكلمين على أنه مما يساعد عليه وجدان ولم يقم عليه برهان فيمكن القدح فيه بالمنع ولو سلم فلا خفاء في أن من أثبت الحكم المذكور إنما أراد به أن العدم من حيث كونه عدما شر وإن جاز أن يكون من حيث ما يتبعه من اللوازم المقتضية لوجود أمور آخر خيرا كعدم الكفر وعدم الظلم ونحو ذلك فيصح دخول العدم المبحوث عنه في الخير [في الخارج] بهذا الاعتبار فإن الحسن والقبح مما يختلف بالوجوه والاعتبار وثانيا بأن العدم لا يوصف بكونه مأتيا به لأنه لا يحصل بالفاعل وتحقيقه أن العدم أزلي فلا يتعلق به الاتيان والتأثير لان متعلقهما الحوادث أو أن العدم نفي صرف والآتيان و التأثير إنما يتعلقان بالأمور الوجودية وفيه أن الكلام في العدم المضاف إلى فعل المكلف باعتبار كونه مسبوقا بالوجود وهو بهذا الاعتبار حادث وليس بنفي صرف والمراد بالاتيان به أو التأثير فيه تقريره وتثبيته في حق المكلفين ولو برفع نقيضه وهو لا يقتضي أن يكون متعلقه وجوديا وثالثا بأنه لا فائدة في الكلام حينئذ لان كل أحد يعلم أن دفع كل شئ يقتضي تحقق نقيضه وفيه أن المقصود بثبوت نقيضه بأحد الوصفين لا مطلقا ورابعا بأنه رتب الاتيان على رفع الحكم لأنه معنى النسخ فيجب مغايرته له وفيه إنه يكفي كون الجواب أخص فيغايره مغايرة العام للخاص الثالث أن الآية على تقدير تسليم دلالتها عامة فتقبل التخصيص بالمورد الذي ثبت فيه النسخ لا إلى بدل ولا يخفى أن هذا إنما يتم إذا
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»