يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا الآية وجه الدلالة أن القرآن لو لم يكن حجة في نفسه فأي إنكار يتوجه عليهم بمجرد سماعها ومنها قوله عليه السلام فيمن شرب الخمر وادعى جهله بتحريمها ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد وجه الدلالة أن الكتاب لو لم يكن في نفسه حجة فكيف يصح ترتب الحد عليه بمجرد تلاوة آية التحريم عليه ومنها الأخبار الدالة على عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب والاخذ بالموافق وطرح المخالف وأنه زخرف ويضرب به وجه الجدار فإن سياق تلك الأخبار يدل على كمال الاعتداد بما هو المفهوم من الكتاب وليس فيها إشعار بتخصيص ذلك بما إذا كانت الآية المعروض عليها مفسرة فإن ذلك قليل في مورد التعارض بل الظاهر أن المخالف لا يلتزم به فإن قلت لعل موافقة أحد الخبرين للآية يكفي في كونها مفسرة فلا ينافي ما ذكروه قلت تعميم التفسير إلى مجرد الموافقة بعيد جدا و نحن نحتج بهذه الاخبار على المخالف على ما يظهر لنا من كلامه ولو نزلوا هذه الأخبار على أن موافقة أحد الخبرين للكتاب مرجحة للعمل به وإن لم يكن الكتاب على مدلوله حجة فمنافرة مساقها لذلك مما لا يكاد يخفى على أحد واعلم أن الأخبار الدالة على حجية الكتاب كثيرة يقف عليها المتتبع وفيما أوردناه في المقام غنية وكفاية احتجوا بظاهر جملة من الاخبار منها ما روي عن الصادق عليه السلام إنما يعلم القرآن من خوطب به ومنها قوله عليه السلام وجعل للقرآن ولعلم القرآن أهلا إلى أن قال وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم ومنها الأخبار الدالة على عدم جواز تفسير الكتاب بالرأي وقد حكم بصحتها الشيخ الطبرسي في مجمع البيان حيث قال واعلم أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله و الأئمة القائمين مقامه أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح و النص الصريح قال وروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فأخطأ ثم قال ذكر جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وغيرهم والجواب أن هذه الأخبار على تقدير تسليم صراحتها في نفي حجية الكتاب معارضة بالاخبار المتقدمة الدالة على حجيته و لا ريب في أن الترجيح لتلك الأخبار لكثرتها واعتضادها بعمل الأصحاب وصريح الكتاب مضافا إلى بعض الوجوه السابقة مع أنا لا نسلم صراحتها فيما زعموه بل ولا ظهورها فيه فإن الرواية الأولى مع شمولها لغير المعصومين من المخاطبين وهم لا يقولون بحجيته في حقهم بدون البيان إنما تدل على حصر العلم بالقرآن بمن خوطب به وهو أعم من العلم بكله وبعضه إذ ليس المراد العلم بنفس القرآن بل بمعانيه كلا أو بعضا كالمتشابه وتقدير المعاني فيه ليس بأولى من تقدير المتشابه ولو سلم ظهوره في العموم فتنزيله على العموم المجموعي غير مفيد لا سيما إذا عممناه إلى العلم ببطونه وعلى الافرادي ممنوع خصوصا بعد مساعدة بعض الامارات كوضوح معاني أكثر الآيات عليه وبهذا يتضح الجواب عن الرواية الثانية وأما الروايات التي رواها الطبرسي فلا دلالة لها على ما ذكروه لان التفسير كما يظهر من العرف ويساعده تصريح البعض به هو كشف المغطى والمتشابه ولا ريب في عدم جواز ذلك من غير أثر معتبر مع أن الظاهر من التفسير بالرأي أن يكون المبنى فيه على الرأي والتشهي وليس الامر في محل البحث كذلك فإن مبناه على ما يقتضيه جواهر الألفاظ وما يعرضها من الهيئات بحسب أوضاعها اللغوية أو العرفية نعم يتجه ذلك في تفسير المتشابه حيث إن نسبة اللفظ إلى بعض محامله كنسبته إلى غيره فيكون التعيين من غير دليل مبنيا على مجرد الرأي والتشهي ولا ريب في عدم جوازه هذا وأجاب عنها الشيخ الطبرسي بوجه آخر حيث قال بعد ذكر ما مر نقله عنه والقول في ذلك إن الله ندب إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما عليه وقال لعلمه الذين يستنبطونه منهم وذم آخرين على ترك تدبره والاضراب عن التفكر فيه فقال أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وذكر أن القرآن منزل بلسان العرب فقال إنا جعلناه قرأنا عربيا إلى أن قال هذا و أمثاله يدل على أن الخبر متروك الظاهر فيكون معناه إن صح أن من حمل القرآن على رأيه ولم يعلم شواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال إن القرآن ذلول أي ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه إلى آخر ما ذكره وأما ما زعمه بعض أهل هذا القول من موافقة الشيخ الطبرسي لهم فناشئ عن قصور نظره من استنباط مطالب العلماء من عبائرهم هذا وربما كان حجة المفصل أن إطلاق التفسير يتناول بيان الظاهر فيشمله الأخبار الدالة على تحريم التفسير بالرأي وأن الآيات التي يحتمل طريان النسخ عليها من جملة الظواهر وقد ورد المنع من العمل بالكتاب في حق من لا يعلم بمنسوخاته وهو يستلزم عدم جواز العمل بما يستظهر فيه عدم النسخ لان عدم العلم أعم من الظن بالعدم وإذا ثبت عدم جواز العمل بهذا الظاهر ثبت بغيره إذ لا قائل بالفصل والجواب أما عن الأول فبالمنع من صدق التفسير بالرأي على بيان ما له ظاهر بل يختص ببيان المتشابه وقد مر بيانه وأما عن الثاني فبأن تلك الأخبار إنما وردت في حق من يتمكن من تحصيل العلم بمنسوخات الكتاب بالرجوع إلى الامام لحضوره فلا يثبت في حق من يتعذر ذلك بالنسبة إليه أو نقول المراد بالعلم ما يتناول الطريق الذي ثبت اعتباره شرعا ولولا ذلك لما جاز العمل بالآيات التي دلت أخبار الآحاد على سلامتها من النسخ ولا خفاء في أن أصالة عدم النسخ بعد الفحص المعتبر طريق معتبر على إثبات عدم النسخ عملا بعموم روايات الاستصحاب فلا يكون العمل بها من غير علم بعدم النسخ وأما ما يقال من أن أصحاب الأئمة عليهم السلام ما كانوا يعملون بعمومات الكتاب بمجرد الوقوف عليها وكانوا يعملون بعمومات الروايات المعتبرة بمجرد ورودها فبعد تسليمه مما لا ينافي ما قررناه لجواز أن يكون عمومات الكتاب [عندهم] موهونة بالعلم الاجمالي بورود التخصيص على جملة منها دون عمومات الأخبار التي يرد عليهم فكان حالهم بالنسبة إلى عمومات الكتاب كحالنا بالنسبة إلى سائر العمومات حيث لا يجوز لنا الاعتماد على شئ منها لكان العلم الاجمالي بورود التخصيص على كثير منها إلا بعد الفحص عن المخصص كما سبق بيانه في محله إذا عرفت هذا فاعلم أنه يجوز تفسير الكتاب بما يقتضيه جواهر الألفاظ على حسب ما ثبت لها عند النزول من الأوضاع إذا تجردت عن أمارات الخلاف مع
(٢٤١)