الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٤٣
ينتقض باتفاق المعصومين فإنه لا يعد عندنا إجماعا وإلا لكانت جميع الأحكام الشرعية عندنا إجماعية ولو بحسب الواقع فإن قلت المراد باتفاقهم في الفتوى أن يكون كل واحد منهم مفتيا والفتوى كالاجتهاد لا يصدق عرفا في حق المعصوم قلت هذا ممنوع ولو سلم فالمراد بها هنا المعنى الأعم لئلا يفسد الحد إذ الغرض دخول الامام عنده في المتفقين وإن كان الثاني فهو مع عدم انعكاسه على مذهبه غير مطرد لصدقه على ما لو علم بدخول المعصوم فيهم بعينه ولم يكن لقولهم مدخل في الكشف عن قوله فإن ذلك لا يسمى إجماعا عندنا كما سيأتي فالصواب أن يعرف الاجماع على قول من يعتبر دخول المعصوم في المتفقين على وجه لا يعرف نسبه بأنه اتفاق جماعة يعتبر قولهم في الفتاوى الشرعية على حكم ديني بحيث يقطع بدخول المعصوم فيهم لا على التعيين ولو في الجملة أو اتفاقا جماعة على حكم ديني يقطع بأن المعصوم أحدهم لا على التعيين مطلقا فخرج اتفاق المعصومين صلوات الله عليهم لان المعصوم يعرف فيهم بعينه مع أن الظاهر من اعتبار دخول المعصوم في المتفقين أن يكون فيهم غير معصوم والمراد بقولنا في الجملة عدم التعيين بين البعض ومطلقا عدم التعيين بين الكل والكلام في سائر القيود ظاهر مما مر والنسبة بين الحدين عموم من وجه لان الأول يتناول اتفاق جماعة يقطع بأن بعضهم على التعيين غير المعصوم ولا يتناول ما إذا قطع بدخول المعصوم في جماعة لا يعتبر قول من عداه في الفتاوى كالعوام والثاني على العكس والذي يساعد عليه مصطلحهم على ما يظهر من تضاعيف كلماتهم هو الأول والذي يقتضيه في الحجية هو الثاني فإن قلت لعل الوجه أن الواقع منه ليس إلا هذه الصورة وهي ما إذا كان المتفقون ممن يعتبر قولهم في الفتاوى وإن ضم من علم أنه ليس بمعصوم استطرادا قلت الاختصاص في الوقوع لا يوجب التخصيص في الماهية مع أن الظاهر عدم وقوع تلك الصورة أيضا كما سنشير إليه والاستطراد لا يصلح للتعليل لان الكلام فيما هو حجة حقيقة هذا والذي يساعد عليه النظر الصحيح أن مورد الاجماع لا يختص بالصورة المذكورة بل له صور أخرى أيضا كما سيأتي أظهرها أن يتفق جماعة مطلقا أو من أهل الفتوى على قول ديني بحيث يكشف عن موافقة قول المعصوم لهم ولو بمعونة ضميمة خارجية و الوجه في الترديد ما عرفت والطريقة التي تفرد بها الشيخ في الاجماع جارية على هذه الصورة ومن اعتبر في الاجماع دخول المعصوم في المتفقين فله أن يعرف هذه الصورة بأنها اتفاق جماعة يقطع بدخول المعصوم فيهم بعينه قطعا مستندا إلى اتفاق من عداه و يردد بينها وبين ما مر والفرق بين هاتين الصورتين اعتباري و المراد بالقول في هذه الحدود الرأي والمذهب سواء دل عليه بقول أو فعل أو غيرهما فقد تلخص مما حققنا أن الاجماع عبارة عن اتفاق جماعة على حكم ديني يقطع بأن المعصوم أحدهم لا بعينه أو يقطع به فيهم بعينه ويكون القطع بقوله مستندا إلى اتفاق الآخرين ولك أن تجعل الاجماع في الصورة الثانية عبارة عن الاتفاق الكاشف دون المجموع المركب من الكاشف والمستكشف عنه ولو عرف الاجماع بأنه الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم على حكم ديني كان أخصر و أجمع فصل اختلف القائلون بحجية الاجماع في مدركها فلأصحابنا رضوان الله عليهم طرق ثلاثة الأول ما ذكره العلامة و جماعة وهو أن الأمة إذا قالت بقول فقد قال المعصوم به أيضا لأنه من الأمة بل سيدها ورئيسها والخطأ مأمون عليه وهذا التعليل ناظر إلى تفسير الاجماع باتفاق جميع علماء هذه الأمة فمرادهم باتفاق الأمة هنا اتفاق علمائها بقرينة الحد وكان السر في تخصيص الاجماع و طريقه باتفاق الكل مع عدم اختصاصها عندهم به كما نبهنا عليه هو أنهم تكلموا أولا على الاجماع بالمعنى المتداول عند العامة ثم نبهوا على الصورة التي ليس فيها اتفاق الكل جريا على طريقة الخاصة هذا واعترض على الطريق المذكور بأنه إن علم بوجود قول المعصوم بين الأقوال فالحجة هو قوله ولا مدخل لانضمام قول الآخرين إليه فيلغوا اعتباره وإن لم يعلم بطل دعوى موافقته لهم وأجيب بوجهين الأول ما حكاه بعضهم عن المرتضى رضي الله عنه بأنا لسنا بادئين بالحكم بحجية الاجماع حتى يرد كونه لغوا وإنما بدأ بذلك المخالفون وعرضوه علينا فلم نجد بدا من موافقتهم عليه لعدم تحقق الاجماع الذي هو حجة عندهم في كل عصر إلا بدخول الإمام عليه السلام في المجمعين سواء اعتبر إجماع الأمة أو المؤمنين أو العلماء فوافقناهم في أصل الحكم لكونه حقا في نفسه وإن خالفناهم في علته ودليله هذه عبارته المنقولة عنه ولا يخفى أن مرجع كلامه إلى إنكار كون الاجماع حجة مستقلة ودليلا برأسه يعتد به كما هو المعروف بين أصحابنا حيث إنهم جعلوه أحد الأدلة الأربعة وذكروه في مقابلة العقل والكتاب والسنة وأطالوا البحث عنه فإن ما هذا شأنه لا يكون البدأة بحجيته لغوا كما ذكره الثاني ما وجدته في كلام بعض المعاصرين من الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وحاصله أن الاشكال المذكور إنما يراد إذا كان المقصود العلم بأقوال الأمة أو بقول الإمام عليه السلام فيهم على التفصيل والتعيين وليس كذلك بل المقصود العلم بقول الامام في ضمن العلم بقول الأمة إجمالا فإنا إذا علمنا علما إجماليا بأن جميع الأمة متفقة على حكم نحكم بأن ذلك حجة لان الامام من جملتهم فالعلم بقول الامام هنا كالعلم بالمطلوب في كبرى الشكل الأول فإن العلم بجسمية الانسان في قولنا كل حيوان جسم إجمالي لا تفصيلي فلا يتوقف عليه التصديق بقولنا كل حيوان جسم وبه يندفع ما أورده بعض أهل التصوف على أهل النظر من أن الشكل الأول دوري وبقية الاشكال راجعة إليه فيبطل النظر والاستدلال ثم قال وهذا هو السر في اعتبارهم وجود شخص مجهول النسب في المجمعين ليجامع العلم الاجمالي ولو بدلوا ذلك بعدم العلم بأجمعهم تفصيلا لكان أولى ولعلهم يريدون به ذلك أقول يمكن تقرير الاعتراض في المقام بوجهين الأول أن الاتفاق ليس دليلا على الحكم وإنما الدليل عليه قول المعصوم المعلوم في ضمن الاتفاق فلا وجه لعده دليلا الثاني أن قول جميع الأمة ليس دليلا على قول المعصوم لان العلم بقول الجميع يتوقف على العلم بأقوال الآحاد التي من جملتها قول المعصوم فيتوقف على العلم بقوله أيضا فلو توقف العلم
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»