على ظاهر معناه كذلك يمكن حمل التصديق على تصديق البعض الذي هو في معنى تصديق الكل في الدلالة على التسليم والانقياد من العزم على الفعل والآتيان بمقدماته القرينة فيبقى قوله أني أذبحك على ظاهر معناه قلنا يكفي في نقض ما أراده الخصم احتمال ما ذكرناه فلا يتم له الاستدلال به الثاني يجوز أن يكون أمره تعالى إياه بذبح ولده مشروطا بإمكان صدوره منه عليه السلام وحيث خفي عليه ذلك ووجد نفسه بحسب الظاهر متمكنا وجب عليه الاقدام عليه فلما أقدم وأشرف عليه عرف من نفسه عدم التمكن فانكشف له عدم التكليف الواقعي [في اليقظة] وأما حديث البلا والفداء على هذا فكما مر الثالث أنه لم يؤمر بالذبح بخطاب لفظي وإنما رأى في منامه أنه متشاغل به كما يدل عليه قوله أني أذبحك وقد كان مأمورا بأن يأتي في الخارج بما يرى نفسه متشاغلا به في المنام كما يدل عليه قوله يا أبت افعل ما تؤمر وهذا التكليف مما لا يستقل به العقل على الظاهر فلا بد أن يكون قد استفاده من خطاب لفظي أو شبهه متناول بعمومه أو إطلاقه تلك الواقعة فوجب عليه الاقدام على الفعل بعد الرؤيا حيث لم يعثر قبل الاشراف عليه على ما يوجب التخصيص أو التقييد ثم لما عثر عند الاشراف والتوطين عليه ترك الفعل وحصل الابتلاء وناسب مجئ الفداء فيكون ما دل على عدم وجوب الذبح عليه عند الاشراف مخصصا للعموم أو مقيدا للاطلاق لا ناسخا للتكليف إذ لم يكن على هذا هناك تكليف في الواقع الرابع أنه عليه السلام أمر بالذبح وأتى به لكن الله أوصل ما قطع كما ورد في بعض الاخبار وحصول الابتلاء على هذا التقدير واضح وأما الفداء فيجوز أن يكون بدلا عما تقتضي العادة بوقوعه بعد الذبح من زهوق الروح وانقطاع الحياة وأما ما ذكره بعض المعاصرين في دفع هذا الوجه من أن المتبادر من الذبح المأمور به هو ما يزهق الروح فيرجع إلى إخراج الكلام عن الظاهر فضعيف لان المفهوم من الذبح لا سيما في المقام ليس إلا فري الأوداج وزهوق الروح من لوازمه العادية المتفرعة عليه وليس بمعتبر في التكليف الثالث ما ورد في بعض الأخبار المستفيضة من أن الأمة كلفوا ليلة المعراج بخمسين صلاة ثم لم يزل النبي يراجع إلى أن عادت خمسا وأجيب بالطعن في تلك الأخبار حيث إنها تتضمن الطعن على الأنبياء بالاقدام على المراجعة في الأوامر المطلقة وضعفه ظاهر لان ذلك من باب الشفاعة شفقة منه على الأمة ولاحرازه فيه أصلا لا يقال شفقته تعالى على الأمة أكثر من شفقته صلى الله عليه وآله عليهم فلو كان هناك حكمة تقتضي الشفقة بالتخفيف لكان اللازم وقوعه منه تعالى قبل المراجعة وإلا لم يجز وقوعه منه صلى الله عليه وآله لأنا نقول هذا منقوض بالشفاعة عن الذنب مع أن ثبوتها ضروري والحل أن الحكمة قد تقتضي وقوع التخفيف والعفو بعد المراجعة والشفاعة فلا يقع قبلها مع أن ذلك كله في الحقيقة راجعة إليه تعالى فإن قيل لعله صلى الله عليه وآله لم يكن مأمورا بالخمسين بل كان الحكم بالنسبة إلى الأمة فقط وهم أيضا غير مأمورين به لارتفاعه قبل التبليغ ولا تكليف إلا بعد البيان قلنا الظاهر مشاركته صلى الله عليه وآله لهم في الحكم والتبليغ إنما هو شرط لفعلية التكليف والاشكال متجه على مطلق التكليف بناء على أنه من قبيل الإرادة فإن قلت لعل أمرهم بالخمسين كان مشروطا بعدم مراجعة النبي صلى الله عليه وآله وبعدها انكشف انتفاء الشرط فارتفع [وارتفاع] التكليف قلت المفهوم من روايات الباب أن التكليف قد ثبت ثم ارتفع بالمراجعة لا أن المراجعة كشف عن ارتفاعه واقعا الرابع أنه يحسن من المولى أن يأمر عبده بخياطة ثوبه بشرط أن لا ينهاه عنها فكذا يحسن من الشارع وأجيب بأن جواز ذلك من المولى إنما هو لجواز وقوع البدأ منه وهو ممتنع في حق الشارع فيمتنع سريان الجواز إليه ولو أريد جواز ذلك من المولى من غير أن يقع منه بدأ اتجه المنع من حسنه لان هذه الدعوى في مرتبة المدعى الخامس أن التكليف قد يشتمل على مصلحة في وقت دون وقت فيثبته المكلف حيث يشتمل على المصلحة ويرفعه حيث لا يشتمل عليها وإن اشتمل الفعل على المصلحة في الوقت والأظهر أن يقال كما يحسن الامر لمصالح ناشئة من المأمور به كذلك يحسن لمصالح ناشئة من نفس الامر وتلك المصالح قد تحصل وترتفع قبل الفعل فيأمر وينسخ قبل الفعل لحصول المقصود وأجيب بأن حسن التكليف تابع لحسن الفعل فإذا قدر حسنه في الوقتين لزم منه حسن التكليف في الوقتين بالضرورة وفيه نظر يظهر مما نحققه في مباحث الأدلة العقلية هذا ملخص كلمات القوم بتصرفات لائقة بها والتحقيق أنا إن قلنا بأن النسخ عبارة عن رفع الظن بالحكم الشرعي كما نص عليه العضدي ومثله ما لو فسر برفع الحكم الظاهري فالقول بجوازه قبل حضور وقت العمل مما لا يقبل النزاع ولا تنهض حجة المانع على منعه لكن تعريف النسخ بهذا المعنى مما لا يكاد يصح لانتقاضه بالتخصيص والتقييد المتأخرين و بقرينة التجوز المتأخرة وغاية ما يمكن أن يقال في الفرق أن الحكم الظاهري الثابت في المنسوخ مما يعتبر فيه أن يتعلق غرض المكلف بإثباته في الظاهر للابتلا والاختيار بخلاف الصور المذكورة فإن الحكم الثابت فيها في الظاهر مما لم يتعلق قصد المكلف بإثباته وإنما وقع منه إما لمجرد عدم الداعي إلى تعجيل البيان أو لوجود ما يقتضي التأخير مما عدا ما ذكر وأنت تعلم أن حدودهم المذكورة مما لا تساعد على ذلك وإن قلنا بأن النسخ رفع للحكم الواقعي فإن جعلنا التكليف عبارة عن الإرادة الحقيقية فامتناعه قبل حضور وقت العمل في حق من يمتنع عليه البدأ [غير واضح كما نبهنا عليه] مما لا يقبل النزاع أيضا وكذا لو فسر الحكم الواقعي بالحكم المسطور في اللوح المحفوظ وحجج المجوزين لا تنهض بإثبات جواز مثله وإن جعلنا التكليف عبارة عن أمر جعلي مغاير للإرادة كما مر أو جعلناها عبارة عن الإرادة المبرزة أو الاحكام المسطورة في لوح المحو والاثبات فجواز رفعه قبل وقت العمل مما لا ينبغي التأمل فيه ولا يساعد على رفعه [دفعه] حجة المانعين لأنه لا يوجب البدأ الممتنع ولا دلالة
(٢٣٥)