الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٩
الوصف فيها فارتفاعه بارتفاع الوصف لا يكون نسخا له وإنما هو من باب ارتفاع الحكم لانتفاء الموضوع وكذلك الحال في زيادة حكم مستقل في غير العبادات ومن هذا القبيل ما لو زيد جلد عشرين على الثمانين في حد القذف أو زيد التغريب على الجلد مائة في حد الزنا لان الحكم السابق باق على ما كان وإنما الزيادة حكم مستقل وإن اتحد المقتضي وهو القذف والزنا أو اتحد الاثم وهو كونه حدا لأحدهما وأما زيادة عبادة غير مستقلة كزيادة ركعة أو ركعتين فإن كانت الزيادة مع بقاء الماهية المأمور بها على حكمها كما لو قال صلوا صلاة الظهر وهي ركعتان ثم قال هي أربع كانت نسخا للحكم الوضعي لرفعه بعد إثباته على وجه يقتضي الاستمرار وليست نسخا للحكم التكليفي لتعلقه بماهية واحدة وإن اختلف كيفيتها بحسب الأزمان وإن كانت مع ارتفاعها كما لو قال صلوا عند الزوال ركعتين ثم قال صلوا أربعا فهي نسخ من حيث رفع حكم الكل فإن ما وجب أولا مغاير لما وجب آخرا وتعدد الموصوف قاض بتعدد الوصف وليس نسخا من حيث رفعه لعدم زيادة الجز أو وجوبه أو فساد ما كان يصح قبل الزيادة أو صحة ما كان فاسدا قبلها لان ذلك كله رفع لحكم عقلي لا شرعي لان عدم الزيادة وعدم الوجوب مستندان إلى الأصل ولو فرض التصريح بذلك فهو ليس من الاحكام والصحة والفساد في العبادات بمعنى موافقة الامر وعدمها من الاعتبارات العقلية ومنه يظهر الحال في زيادة الشرط وأما نقصان عبادة مستقلة فهو نسخ لتلك العبادة فقط وهذا ظاهر مما مر و ليس نسخا لعدد البواقي ولا لعدم البراءة بالاقتصار على ما عداها ونحو ذلك فإن ذلك كله حكم عقلي مترتب على ثبوت العبادة نعم لو كانت شرطا لعبادة أخرى كان رفعا لشرطيتها وهو حكم وضعي فيكون نسخا بهذا الاعتبار وأما نقصان عبادة غير مستقلة فإن كانت جزا ولم يستلزم نقصانه لتعدد الماهية التي هي موضوع الحكم كان نسخا لحكمه الوضعي أعني الجزئية وإن استلزمه كان نسخا باعتبار رفع حكم الكل كما عرفت في جانب الزيادة وإن كان شرطا فهو نسخ للاشتراط الثابت بالخطاب السابق إلا أن يتعدد الماهية على تعدده كما لو قال صلوا أربعا عند الزوال مستقبلين بيت المقدس ثم قال نسخت حكم ذلك صلوا عنده أربعا مستقبلين الكعبة فيكون نسخا للحكم التكليفي لما مر فصل يتحقق النسخ تارة بالتصريح بلفظه كقوله نسخت عنكم كذا أو بمرادفه نحو رفعته وأزلته عنكم وأخرى بما يستلزمه كما لو وضع حكما منافيا للحكم السابق إما من حيث الذات كما لو أمر بما نهى عنه أو نهى عما أمر به أو أمر بالحركة في وقت ثم أمر بالسكون فيه أو بواسطة كما لو أمر بشئ ثم نهى عن مقدمته التي لا يمكن الاتيان به إلا بها إما عقلا كما لو أمر بالحج ثم نهى عن قطع المسافة إلى البيت أو شرعا كما لو أمر بالعتق ثم نهى عن تملك الرقيق ويتوقف معرفة الناسخ في غير القسم الأول على تعيين المتأخر منهما إما بدليل قطعي كالاجماع والسنة المتواترة أو ظني كخبر الواحد وهو مقبول هنا وإن كان المنسوخ كتابيا أو سنة مقطوعة لان تعيين مورد النسخ ليس على حد إثبات أصله والكلام فيما مر إنما هو فيما لو كان الخبر مستقلا بالدلالة على النسخ ولا سبيل إلى إثبات ناسخية المحتمل للتأخر بأصالة التأخر إذا كان تاريخ أحدهما معلوما والاخر مجهولا لما سنحققه في محله من أنه أصل مثبت لا تعويل عليه ولو لم يثبت تأخر أحدهما وجب الوقف و الرجوع في العمل إلى الأصل مع إمكانه كما لو كان أحدهما تحريما و الاخر تنزيها أو أحدهما إيجابا والاخر ندبا فيتمسك بأصالة البراءة عن المنع من النقيض في نفي الوجوب والتحريم وكذا لو كان أحدهما أحد الأحكام الأربعة والاخر الإباحة الشرعية وإلا فإلى الاحتياط مع إمكانه كما لو كان أحدهما وجوب شئ في العبادة الواجبة والاخر استحبابه ويحتمل الرجوع هنا إلى أصل العدم بناء على جريانه في أجزأ العبادة وشرائطها الغير المعلومة وإلا كما لو كان أحدهما إيجابا والاخر تحريما فالمتجه التخيير في العمل بأحدهما تقديما لمحتمل الصحة على معلوم البطلان ولو كان عدم ثبوت التأخر من جهة تعارض أخبارنا الواردة في تعيين المتأخر أمكن البناء على التخيير مع فقد المرجح مطلقا عملا بما دل على ذلك عند تعارض الاخبار وعلى هذا فما ذكره الفاضل المعاصر فيما إذا لم يعلم النسخ بالتنصيص أو بالاجماع أو بالعلم بالتأخر من أنه يجب التوقف لا التخيير مدعيا أن هذا ليس من قبيل أخبار أئمتنا إذا حصل التعارض بينهما غير واضح بل التحقيق ما عرفت تم المجلد الأول من كتاب الفصول الغروية ويتلوه المجلد الثاني إن شاء الله تعالى كتبه الفقير إلى ربه الغني محمود القمي اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا واغفر لمن دعانا بالخير آمين يا رب العالمين بحق شفيعنا ونبينا محمد و آله الطاهرين
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»