الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٣٤
تعين امتنع النسخ ولا إشكال حينئذ في النية فصل لا ريب في جواز النسخ بعد حضور وقت العمل سواء وقع الفعل أو لم يقع مع العصيان كما في الواجب التعييني العيني وبدونه كما في الواجب المخير إذا اقتصروا [اقتصر] على أحد فرديه أو أفراده سواء حضر زمان الباقي أو لم يحضر أو كان التكليف مشروطا بشئ فالتزموا [فالتزم] بترك شرطه كوجوب تقديم صدقات بين يدي نجوى الرسول المشروط بإرادة النجوى إذا تركوها و المراد تعلقه بما بعد وقت العمل سواء ورد قبله أو حاله أو بعده ثم العبرة بوقت العمل في غير الموسع بانقضاء زمن يتمكن المكلف من إيقاع الفعل أو بدله فيه على وجهه فدخل نسخ الواجب المشروط بعد مضي زمن يتمكن من إيقاعه فيه على وجهه وخرج النسخ في أثناء العمل فإنه من باب النسخ قبل العمل وأما الموسع فالعبرة فيه بأحد الامرين من وقوع الفعل أو انقضاء الوقت أما الثاني فظاهر وأما الأول فلان الفعل في بعض الأزمنة يقوم مقامه في الجميع كما هو شأن البدلية فيكون النسخ بعده وقبل انقضاء الوقت بمنزلة النسخ بعد انقضائه ومثله ما لو خيره بين أجزاء الوقت أو أفراده سواء اتحد الفعل أو تعدد واختلفوا في جوازه قبل وقت العمل بمعنى تعلقه بما قبله كما لو قال صم يوم الخميس وقال قبل مجيئه لا تصم يوم الخميس فذهبت الأشاعرة وأكثر الشافعية إلى الجواز ومنع منه آخرون احتج المانعون بوجهين الأول أنه لو جاز ذلك للزم البدأ لاستلزامه التغيير في الإرادة مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة وهو ممتنع في حقه تعالى الثاني أن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة امتنع النهي عنه فيمتنع النسخ وإلا امتنع الامر به فإن قيل يجوز أن يكون الناسخ متعلقا بمثل ما تعلق به المنسوخ دون نفسه قلنا إن كان الحكم الأول باقيا فلا نسخ وإلا عاد الاشكال أو نقول إن أمكن التميز بينهما فلا نسخ وإلا لزم التكليف بما لا يطاق لتعذر الامتثال [و سيظهر ما في هذين الوجهين مما يأتي] احتج المجوزون بوجوه الأول قوله تعالى يمحوا الله ما يشأ ويثبت فإنه بعمومه يتناول محل النزاع أيضا ويمكن دفعه بأنه علق المحو على المشية ونحن نمنع حصولها في المقام لما دللنا عليه من استلزامه للبداء وهو محال في حقه تعالى فيختص المحو بسائر الحوادث ولا يستلزم الكذب لان الأمور المثبتة في اللوح إما إخبار مرسومة فتكون مقيدة بما إذا لم يمنع مانع إما تقييدا صريحا أو مفهوما من فحوى الاصطلاح الذي بني عليه أمر ذلك اللوح وبالجملة فهي أخبار معلقة على عدم المانع وإنما يلزم الكذب لو كانت أخبارا بتية وإما عبارة عن اقتضاءات جلية متعلقة بأمور مستقبلة يظهر في القوى العالية المدبرة لما تحتها بإذن بارئها فتنكشف تلك الأمور عليها أو على أبصار المشاهدين لها انكشاف الخطوط المرسومة على الألواح ثم يحجزها عن مقتضاها لكونها عللا ناقصة أو لكونها مبادي اقتضاء لا حقيقة اقتضاء اقتضاءات خفية تظهر فيها عند قرب زمن الوقوع فيظهر فيها خلاف ما ظهر فيها أولا وعلى هذا فلا إشكال رأسا أقول بل الذي يظهر لي أن المرسوم في اللوح المذكور أوامر إلهية متعلقة بأمور تكوينية متوجهة إلى الملائكة القدسية المدبرات لما تحتها بإذن بارئها لحكم ربانية مقتضية لذلك ثم قد يوجد هناك ما يقتضي عدم وقوع بعض تلك الحوادث فينسخ عنهم تلك الأوامر إلى غيرها ولولا ورود الناس لصدر عنهم تلك الأمور التي أمروا بها أولا لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون من هذا الباب اندفاع البلا بالصدقة وامتداد العمر أو قصره بصلة الأرحام أو قطعها وإليه يرجع أمر الشفاعة فإن العبد الاثم قد يكون مستوجبا لدخول النار مع عدم شفاعة شفيع فيؤمر به إلى النار ثم تدركه الشفاعة من أهلها لأهليته لها فينسخ ذلك الامر و يؤمر به إلى الجنة والسر في ذلك أن أهلية الشئ واستعداده الناشئ عن الحكم الظاهرة أو الكامنة على نوعين أهلية سابقة وإن كانت لأمور لاحقة وأهلية لاحقة مخالفة لأهلية السابقة والأوامر المتفرع جهاتها على جهات المأمور به تتبع لما له من الأهلية الفعلية وإن شئت توضيح ذلك فانظر إلى الأوامر المنجزة المتعلقة بأمور متأخرة كالحج بالنسبة إلى المستطيع النائي والتعليقية التي لم يتحقق بعد ما هي معلقة عليها كالصلاة قبل دخول الوقت فإن المكلف لما كان له أهلية التكليف بالحج قبل حضور وقته أمر به كذلك ولما لم يكن أهلية التكليف بالصلاة قبل دخول الوقت تأخر التكليف بها إلى دخول الوقت [وقد مر ما يؤكد ذلك] وبهذا البيان يتم مقصود المستدل بالآية وإن كان ما أورده في توجيه الاحتجاج بها قاصرا عن إفادته الثاني أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ولده إسماعيل عليه السلام بدليل قوله تعالى إني أرى في المنام أني أذبحك وقوله يا أبت افعل ما تؤمر وقوله إن هذا لهو البلا المبين ونسخ عنه الامر قبل وقوع الذبح بدليل قوله وفديناه بذبح عظيم إذ لو كان قد ذبح لما احتيج إليه وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه لاستحالة وقوع غير الجائز منه تعالى والجواب عنه وجوه الأول أنه لم يأت في المنام بفعل الذبح بل بمقدماته وإطلاقه على مثل ذلك أمر شائع والدليل عليه قوله تعالى قد صدقت الرؤيا فإن التصديق المتعدي بنفسه ظاهر في جعل الشئ صادقا مطابقا للواقع فتصديق الرؤيا إنما يتحقق إذا كان الصادر منه في المنام نفس المقدمات التي أتي بها في اليقظة دون الذبح فلا يلزم النسخ قبل العمل وأما عد ذلك بلا فمن حيث توطينه النفس على الذبح على تقدير الامر به من حيث قضاء الظاهر بورود الامر بالشئ بعد الامر بمقدماته وأما الفداء فيجوز أن يكون عما قضى الظاهر بوقوعه أو عما كان يؤمر به على تقدير عدمه وما يتوهم من أن ذلك يوجب الظن الكاذب والاجتهاد على الأنبياء و إنهما باطلان فباطل إذ لا نسلم لزومهما وأما الأول فلانه يكفي في ترتب الامرين من الابتلاء والفداء مجرد الخوف وهو لا يستلزم الظن على أنا لا نسلم امتناع الظن الكاذب على الأنبياء مطلقا إذ لا دليل عليه وأما الثاني فواضح مما مر فإن قيل كما يمكن حمل قوله أذبحك على فعل مقدمات الذبح مجازا فيبقى
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»