الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٤٩
مراد هنا قطعا وإطلاقه على ما وقع عليه الاتفاق غير مستقيم لانتفاء العلاقة المصححة للتجوز فتعين أن يراد به الدليل لأنه سبيل معنوي في الوصول به إلى المقصود فتدل الآية على حرمة مخالفة دليل المؤمنين لا اتفاقهم ولو سلم صحة إطلاقه على المعنى الأول فلا أقل من تساوي الاحتمالين إن لم يكن الثاني أظهر فيلزم الاجمال المقتضي لسقوط الاستدلال ولا يخفى أن حمل سبيل على الدليل غير ملائم لسياق الآية ثم صحة إطلاقه على المعنى الأول لا يوجب الاجمال بل قضية التعميم كما مر شموله لكل منهما ومنها أن المراد بسبيل المؤمنين السبيل الذي صاروا به مؤمنين أو سبيلهم في متابعته صلى الله عليه وآله والاقتداء به أو نصرته بدليل اقترانه بمشاقة الرسول والجمع بينهما في الايعاد ويمكن دفعه بمنع صلوح ذلك قرينة على التخصيص على تقدير التعميم ومنها أن المستفاد من الآية على تقدير تسليم التعميم نقيض المقصود إذ كان سبيل المؤمنين عدم اتباع غير الدليل فالقول بوجوب اتباعهم من غير دليل اتباع لغير سبيلهم والتحقيق أن مقتضى هذا الاعتراض لزوم التنافي في ظاهر مدلول الآية من حيث اتفاقهم قبل نزولها على عدم جواز الاخذ بالاتفاق المجرد عن الدليل ومقتضى الآية على ما بني عليه الاستدلال وجوب الاخذ بكل اتفاق ومن جملتها الاتفاق المذكور فوجوب الاخذ بالاتفاق المذكور يوجب عدم جواز الاخذ بالاتفاق المجرد عن الدليل ووجوب الاخذ به يوجب عدم جواز الاخذ بالاتفاق المذكور وهو تناقض فلا بد في دفعه من تخصيصها إما بما عدا ذلك الاتفاق أو بما عدا الاتفاق المجرد عن الدليل وهي إنما تنهض حجة إذا حملت على المعنى الأول لكنه معارض باحتمال الثاني ولا سبيل إلى ترجيح الأول بقلة التخصيص لتغاير الموردين فإن الاتفاق الأول اتفاق عن دليل هو أصل العدم بخلاف الثاني والترجيح بقلة التخصيص إنما يتم إذا اندرج الأقل في الأكثر ومنها أن حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين لا يوجب وجوب متابعة سبيلهم لامكان الواسطة بترك الاتباع مطلقا ويشكل بأنه إن أريد إثبات الواسطة من حيث إن الاتباع معتبر في مفهومه موافقة الغير ويجوز أن لا يكون مخالف الاجماع متبعا لاحد ففيه أن المراد بالاتباع مجرد الاخذ بدليل تعديته إلى غير سبيل المؤمنين لا إلى سبيل غير المؤمنين ولو سلم فاتباع غير سبيلهم اتباع لغيرهم ولو للهوى والشيطان فلا يتحقق الواسطة وإن أريد بالواسطة عدم الحكم والتوقف ففيه أن حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين بحسب الواقع يوجب حصر الجواز في اتباعهم فإن أريد بالوقف مجرد السكوت وعدم الحكم فليس مذهبا ولا يخل بالمقصود إذ الكلام في عدم جواز مخالفة الاجماع لا في جواز السكوت في محل الاجماع مع أنه لا يتم حيث يتعين فيه الحكم والفتوى بل غير متصور في حق من وقف على الاجماع وأذعن بدلالة الآية وإن أريد به الحكم بالوقف و التزام أحكامه كما هو المقصود به حيث يعد المتوقف من أهل المذاهب فالآية تدفعه حيث تدل على بطلان قول المخالف للاجماع فيلزم صحة قول المجمعين إذ لا مخرج عنهما بحسب الواقع ومنها أن المؤمنين إذا اتفقوا على فعل مباح فإن وجب اتباعهم لزم اتباع غير سبيلهم في الحكم وإن لم يجب فقد جاز ترك متابعة سبيلهم وفيه أن المراد وجوب اتباعهم في الحكم والفتوى ونحوهما دون الافعال المباحة ونحوها ومنها أن المؤمنين هم الذين علم منهم الايمان بأن علم أن باطنهم وفق لظاهرهم وهذا مما لا يقطع به في غير المعصوم لاحتمال المخالفة في حقه وهذا الاعتراض قد أورده المرتضى واختاره جماعة ممن تأخر عنه كالعلامة وغيره وضعفه ظاهر لان منع العلم بإيمان غير المعصوم مكابرة واضحة مع أنا لا نسلم انحصار الطريق إلى معرفة المؤمن في العلم بإيمانه بل يكفي إظهاره للايمان كما يعرف من معاملة الشارع [الشرع] معه معاملة المؤمن في سائر الأحكام ودعوى أن هذا الطريق يعتبر بالنسبة إلى بعض أحكام المؤمنين دون بعض مجازفة بينة ومنها أن المفهوم من السبيل الواقعي والقطع به يتوقف على القطع بانتفاء الدواعي المقتضية لا يراد خلاف المعتقد كالتقية وشبهها ولا سبيل إليه غالبا فلا يثبت بالآية حجية الاجماع مطلقا وجواز التعويل في ذلك على ظاهر قولهم غير واضح لأنه إنما يفيد الظن بمعتقدهم ولا دليل على جواز التعويل عليه في المقام فإن قيل فيلزم إلغاء الآية لانقطاع السبيل حينئذ إلى تحصيل سبيل المؤمنين قلنا لا نسلم ذلك لامكان الاطلاع عليه في بعض الموارد بل وقوعه في الاحكام الضرورية وما قام عليها حجة قطعية جلية ليس بموضع إنكار وفيه تعسف ومنها ما ذكره الحاجبي ووافقه العضدي في ظاهر كلامه و هو أن دلالة الآية على حجية الاجماع بعد التسليم ظنية لان مرجعها إلى ظاهر اللفظ وحجيتها إنما تثبت بالاجماع فلو ثبت حجية الاجماع بها كان دورا وفيه نظر إذ لا نسلم أن حجية الظواهر لا يثبت إلا بالاجماع لامكان إثباتها بالسيرة القاطعة المستمرة بين المسلمين الكاشفة عن الدليل القاطع أو بطريق العقل نظرا إلى بقاء التكليف وانسداد طريق القطع إليه ولا ريب في وجوب التعويل معه على الظن أو نقول إجماعهم على حجية ظواهر الألفاظ إجماع على القطع بها وقد اعترف بأنهم متى أجمعوا على القطع فالعادة تقتضي أن لا يكون قطعهم إلا عن دليل قاطع فلا يتوقف إثبات حجية هذا الاجماع على إثبات حجية مطلق الاجماع ومنها قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ووجه الدلالة أنه تعالى وصفهم بكونهم خير أمة وذلك يقتضي أن لا يجتمعوا على باطل وإلا لانتفي منهم وصف الخيرية ووصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واللام فيهما للاستغراق لأنه المناسب لمقام المدح إذ لا فضل في الامر بمعروف واحد والنهي عن منكر واحد فيدل على أنهم آمرون بكل معروف والناهون عن كل منكر وذلك ينافي اجتماعهم على الخطأ وإلا لكانوا آمرين بالمنكر و ناهين عن المعروف وهو خلاف ما وصفهم الله تعالى به وفيه نظر لان الآية إن حملت على ظاهرها دلت على عصمة جميع الأمة و هو مخالف للواقع بالضرورة فلا بد من تأويلها بتنزيلها على بيان أنه تعالى أكرمهم بهذه الأهلية من بين الأنام أو أن الخطاب مخصوص ببعض هذه الأمة وهم
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»