الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٢٧
تعلق التكليف أو إبقائه أو عدم جواز تأخير بيان الحكم المشروط فعليته بالبيان أو بوصوله مع ارتفاع الموانع المقتضية لعدم البيان أو لعدم البلوغ كالتقية ونحوها فيكون عدم جواز التأخير حينئذ بمعنى قبح التأخير من حيث أدائه إلى الاخلال باللطف الواجب والمعتمد هو الأول ويمكن تفسير عدم الجواز فيه بالمعنى الثاني أيضا بل هو الأظهر وحينئذ فيصح تعميم العنوان إلى القسمين لكن لا يساعد عليه احتجاجهم عليه بلزوم التكليف بالمحال ثم الحكم المذكور أعني عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة مما لا ريب فيه في الاحكام الاقتضائية بل موضع وفاق عند العدلية واحتجوا عليه باستلزامه التكليف بالمحال أو طلب المحال وأنه محال وربما سبق إلى بعض الأنظار جواز تأخير بيان المندوب والمكروه مطلقا لأنهما ليسا بتكليف فلا يلزم التكليف بما لا يطاق بتأخير بيانهما واستدعاء مطلق الطلب الفهم ممنوع ولو سلم فهو إنما يقتضي فهم الطلب لا المطلوب ولو سلم فالفهم حاصل على سبيل الاجمال واستدعائه الفهم التفصيلي ممنوع وضعفه ظاهر لان العلة في المنع لا تنحصر في لزوم التكليف بما لا يطاق على تقدير تسليم خروجهما عن حقيقته وإن كانت المناقشة فيه لفظية بل هناك علة أخرى مشتركة بين الكل وهي قبح طلب المحال ومنعه مكابرة وتسفيه العقل لفاعله ضروري و مجرد فهم الطلب أو المطلوب على الاجمال لا يجدي في دفع ذلك و هو واضح وقد يحكى عن بعض متأخري المتأخرين القول بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة مطلقا متمسكا بما ورد في بعض الاخبار من قولهم عليهم السلام عليكم أن تسألوا عنا وليس علينا أن نجيب فإن ادعى ذلك في التكليف الفعلي ففساده ضروري وليس فيما تمسك به إشعار به وإن ادعاه في التكليف الشأني أي الثابت على تقدير البيان فإن أراد جواز ذلك فيه في الجملة ولو مع المانع فهو مما لا يقبل النزاع كما مر وإن أراد جوازه مطلقا ولو مع ارتفاع الموانع من التقية وشبهها فهو واضح الفساد لاخلاله باللطف الواجب والحكمة المقصودة من إنزال الكتب وإرسال الأنبياء ونصب الأوصياء نعم ربما يدل إطلاق الرواية المذكورة على خلاف ذلك لكنها غير محمولة على ظاهرها لمنافاتها لما مر من دلالة العقل المعتضدة بالنقل قال الله تعالى لتبين للناس وقال تعالى لتبين لهم وقال تعالى يبين لكم إلى غير ذلك وسيأتي بيان جملة من الاخبار المصرحة بذلك في مبحث الاجماع بل الوجه تنزيل الرواية المذكورة على تقدير تسليم صحتها على صورة قيام مانع من البيان كالتقية ولقد أعرض الإمام عليه السلام في بعض الموارد عن جواب السائل إلى غيره للتقية كما سئل عن قول آمين عقيب غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأجاب بأنهم اليهود والنصارى فعدل عليه السلام عن بيان حكم السؤال إلى تفسير الآية لمكان التقية إلى غير ذلك ثم ما تمسكنا به على منع التأخير من لزوم التكليف بالمحال أو طلب المحال مبني على طريقة القوم وإلا فهو عندي محل نظر لان المجمل المكلف به إذا كان من الافعال العادية وشبهها جاز وقوعه من المكلف بدون البيان بل قد يقع وهو يقدح في استحالته المدعاة على تقدير عدم البيان نعم قد يكون الفعل بحيث يمتنع عادة أن يهتدي إليه المكلف إلا بالبيان والتعليم كالصلاة والحج فيتجه الدعوى فيه لكن لا تثبت به الكلية كما هو المدعى فإن قلت الكلام في التكليف الفعلي مع عدم البيان وهذا لا يخلو إما أن يتعلق بالمكلف على تقدير عزمه عليه وفعله أو مطلقا والأول يوجب التكليف بالشئ على تقدير وجوبه وحصوله وهو قبيح بالضرورة والثاني يتضمن التكليف بالمحال إذ صدور الفعل من المكلف على وجه الاختيار مع عدم عزمه وإرادته له كما هو أحد فرديه ممتنع ولا يرد مثل ذلك على تقدير البيان لتمكن المكلف حينئذ من الفعل لتعينه عنده فيصح أن يكلف به وبالعزم عليه وإن آثر المخالفة وهذا هو المراد بما ذكروه وإنما لم يتعرضوا للقسم الأول لان الكلام في تأخير بيان التكليف الذي يصح وقوعه مع عدم تأخير بيانه وليس ذلك منه قلت إن أرادوا بالمحال في الدليل المحال بغير الاختيار كما هو الظاهر اتجه عليه ما ذكرناه من أنه لا يتحقق في حق الفعل الممتنع بالاختيار والبيان المذكور لا يقتضي كونه محالا بغير الاختيار إذ تأثير البيان في ذلك غير معقول ولو أرادوا الأعم اتجه عليه المنع من بطلانه إذ لا قبح في التكليف بالمحال بالاختيار من حيث كونه كذلك مع بقاء الاختيار ثم إنا وإن التزمنا في المقام باستحالة إطلاق التكليف أيضا لكنا لا نلتزم به بالنسبة إلى العزم بل بالنسبة إلى عدم أداء الطريق الظاهري الثابت على هذا التقدير عقلا أعني الاخذ بالاحتمال إلى خلافه كما في سائر التكاليف الواقعية التي قرر لها طرق ظاهرية فإن التكليف بها بالنسبة إلى تلك الطرق ليس على الاطلاق بل مشروط بعدم أداء الاخذ بالطريق المعتبر إلى الخلاف مع أن استحالة إطلاق التكليف بالنسبة إلى ذلك ليس من جهة كون المكلف به محالا كما هو المقصود لما عرفت من إمكان صدوره من المكلف بل من جهة منافاته للحكمة الداعية إلى وضع الطريق فإن قلت المراد لزوم التكليف بالمحال من حيث تعذر تحصيل العلم الواجب أو المطلوب بالبراءة من الواجب أو المطلوب حينئذ أو من حيث تعذر الامتثال لتوقفه على أن يكون الداعي إلى الفعل هو الموافقة وهذا لا يتيسر مع عدم العلم بالمطلوب قلت التكليف بالفعل لا يستلزم التكليف بالعلم بالبراءة والامتثال فيجوز الانفكاك كما في وجوب الصلاة إلى جهة القبلة أو ما يليها مع اشتباهها بغيرها عند ضيق الوقت عن التكرير إذا قلنا بفسادها مع عدم مصادفة الجهة والامر بالفعل بمجرده لا يقتضي أن يكون الداعي إليه موافقة الامر على ما سبق بيانه في مبحث الامر ولو سلم أو قدر توقفه عليه لثبوت كونه عبادة أمكن وقوعه بقصد الموافقة بمجرد الاحتمال كما في الصلاة عند الاشتباه وضيق الوقت على أنه لا إشكال في ذلك فيما إذا دار بين أمور راجحة أو قلنا بأن التشريع عبارة عن إدخال ما علم خروجه من الدين فيه مع أن حرمة التشريع سمعية و الكلام في
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»