الذات باللزوم فإذا انتفي الملزوم أعني الدلالة المطابقية انتفي اللازم أيضا وأجاب بأن اللفظ بالنسبة إلى معانيه المطابقية والالتزامية بمنزلة العام بالنسبة إلى أفراده فإذا قام الدليل على عدم إرادة المعنى المطابقي بقي معمولا به في المعاني الالتزامية لعدم المعارض هذا ملخص كلامه والحق أن الايراد المذكور وارد والجواب فاسد إذ لا نسلم عموم المنزلة وصريح العرف والاستعمال يكذبه أ لا ترى أنه حيث يتعذر حمل الأسد في قول القائل رأيت أسدا يرمي على معناه الحقيقي لا يحمل على الشخص المتصف بجميع ما يمكن اتصافه به من لوازمه حتى النجر ونقصان الادراك ولنا على المقام الثالث أن حمل النفي فيه على نفي الكمال متعين إذ التقدير تعذر نفي الذات و الصحة وعدم ما يساويه من احتمال آخر ومن هذا الباب قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وأما نحو لا علم إلا ما نفع ولا كلام إلا ما أفاد فقد قيل إن المقصود فيه نفي الفائدة والجدوى وهو يستلزم خلوه عن الفائدة والجدوى كما لا يخفى بل الأظهر أن المنفي فيه نفس العلم والكلام تنزيلا لغير النافع منهما منزلة الخارج عن حقيقتهما كما في قولك للبليد ليس بإنسان احتج الأولون بأن العرف في مثله يفهم نفي الصحة تارة ونفي الكمال أخرى وذلك يوجب التردد الموجب للاجمال وأجيب بأنه إن أريد أن بعض أهل العرف يفهمون الصحة وبعضهم يفهمون الكمال فهذا بعد تسليمه لا يوجب التردد بل كل صاحب مذهب يحمله على ما هو الظاهر عنده وإن أريد أن أهل العرف في بعض المواضع يفهمون نفي الصحة وفي بعضها نفي الكمال فمدفوع بأن فهمهم نفي الكمال مبني على وجود القرينة المعينة لإرادته وأما عند فقدها كما هو المفروض فلا يتبادر عندهم إلا نفي الذات أو الصحة احتج المفصل على عدم الاجمال في الفعل الشرعي بما مر وفي الفعل اللغوي إذا كان له حكم واحد بأن ذلك الحكم يختص بالنفي على تقدير تعذر تعلقه بالذات فلا يلزم أيضا إجمال وعلى ثبوت الاجمال في الفعل اللغوي إذا تعدد الحكم بأن النفي يصلح حينئذ لان يتعلق بكل واحد ولا مرجح فيتأتى الاجمال والجواب المنع من عدم المرجح وقد مر بيانه ومنها التحريم المضاف إلى الأعيان كقوله حرمت عليكم الميتة الآية وحرمت عليكم أمهاتكم إلى غير ذلك فإن إضافة التحريم إلى العين غير معقولة فلا بد من إضمار فعل يصلح متعلقا له فعده بعضهم من المجمل نظرا إلى أن الافعال كثيرة ولا يمكن إضمار الجميع لان ما يقدر للضرورة يقدر بقدرها فيتعين البعض ولا مرجح فيتردد وذهب المحققون إلى عدم الاجمال لان مثله حيثما يطلق فالمتبادر منه عرفا نفي الفعل المقصود منه كالأكل في المأكول والشرب في المشروب واللبس في الملبوس والنكاح في المنكوح إلى غير ذلك وهو كاف في ترجيح البعض وهذا فيما يتحد فيه الفعل المقصود ظاهر وأما المتعدد نحو حرم عليكم صيد الحرم حيث يحتمل أن يكون المحرم اصطياده أو أكله فالقول بالاجمال فيه متجه ما لم يكن منافيا للحكمة فيتعين الحمل على العموم و كذا الكلام في إضافة سائر الأحكام إلى الأعيان نحو وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ومنها آية المسح في الوضوء فعدها بعضهم من المجمل لأنه يحتمل مسح كل الرأس وبعضه ولا أولوية فيتأتى فيها الاجمال والحق عدم الاجمال كما عليه المحققون إذ يكفي مسح البعض في صدق المسح به عرفا أو نقول الظاهر من الباقي مثل المقام التبعيض فيكون مرجحا للحمل عليه ولا عبرة بإنكار سيبويه مجيئها له في سبعة عشر موضعا من كتابه بعد مساعدة الفهم عليه ومصير بعض المحققين إليه مضافا إلى دلالة بعض الاخبار عليه واستدل العلامة على نفي الاجمال بأن الباء إن كانت للتبعيض ثبت التواطؤ فيتخير المكلف بين الابعاض وإلا وجب الاستيعاب وضعفه ظاهر لان الخصم يدعي تكافؤ الاحتمالين وليس في ذلك ما يوجب دفعه وقد يجاب أيضا بأن الباء إن دخلت على محل المسح تعدى الفعل إلى الآلة كما في الآية فيستوعبها دون المحل وإن دخلت على الآلة تعدى إلى المحل فيستوعبه دون الآلة نحو مسحت رأس اليتيم بيدي والظاهر أن العرف لا يساعد على هذا الفرق فالتفصيل غير مرضي ومنها قوله عليه السلام الاثنان فما فوقها جماعة والطواف بالبيت صلاة ونحوه مما له محل لغوي وشرعي فإنه يحتمل أن يكون المراد به تسمية الطواف بالبيت صلاة والاثنين جماعة أو أن الطواف بالبيت كالصلاة في اشتراطه بالطهارة والاثنان فما فوقها كالجماعة في حصول فضيلة الجماعة بهما فمنهم من عد ذلك مجملا لتساوي الاحتمالين ومنهم من رجح الاحتمال الثاني لان شأن الشارع بيان الأحكام الشرعية لا اللغوية ويمكن الفرق بين أن يكون الوضع أو الاستعمال شرعيا وبين أن يكون عرفيا أو لغويا فيبنى على الاجمال في الأول إذ كما أن شأن الشارع بيان الأحكام الشرعية كذلك شأنه بيان موضوعاتها ويحمل على بيان الحكم في الثاني لما مر و ربما أمكن المناقشة فيه بالمنع لما نرى من تشاغله ببيان غير الاحكام كتشاغله ببيانها فلا ترجيح ويدفعه أن ذلك غير مناف للظهور المدعى مراعاة لحق المنصب فصل المبين بالفتح نقيض المجمل وقسيمه يوصف به اللفظ تارة والفعل أخرى وإن كان وصف اللفظ باعتبار اتصاف معناه به وأما بالكسر فيوصف به فاعل البيان تارة وما يقع به البيان أخرى من اللفظ وما بحكمه أو المعنى كما مر وقريب منه البيان فإنه قد يطلق على التبيين كالكلام والسلام على التكليم و التسليم ويعرف بهذا الاعتبار بأنه الاخراج من حيز الاجمال إلى حيز الوضوح وعلى ما يحصل به البيان ويسمى بهذا الاعتبار دليلا أيضا وعلى الادراك المتعلق به فيقال هو العلم بالدليل والاطلاق الأخير غير شائع ويعرف المبين بالمعنى الأول بأنه ما اتضحت دلالته على المعنى المراد فيعم ما يتضح بنفسه كقوله تعالى إن الله بكل شئ عليم أو بواسطة الغير إذا أخذ معه كقوله تعالى وآتوا حقه وقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر وينبغي أن يفسر الموصول بما يتناول المفرد والمركب فإنه يعتبر بالنسبة
(٢٢٥)