الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٢٤
حذفت الصفة اختصارا وفيه تعسف ومع ذلك فعكسه منقوض بمجمل الافعال وقد أطبقوا على دخوله إلا أن يجعل المجمل الذي هو موضوع الباب مخصوصا بمجمل الألفاظ وينزل تعرضهم في الأثناء لغيره من أنواع المجمل بالمعنى الأعم على الاستطراد وعرفه بعضهم بأنه عبارة عن كون اللفظ بحيث يفهم منه معنى مع احتمال إرادة غيره احتمالا مساويا وهذا منقوض بمجمل الافعال عند من يرى دخوله فيه وبالمجمل الذي يكون إجماله من حيث الجهل بوضعه فإنه لا يفهم منه معنى قطعا ثم المجمل بالمعنى الأعم قد يكون فعلا و ذلك حيث لا يقترن به ما يدل على وجه وقوعه وقد يكون لفظا وهو إما مفرد والاجمال فيه وقد يكون في نفسه كالعين ومثله ما لو استعمل المتواطي في معين واقعي من غير تعيين في الظاهر نحو و آتوا حقه يوم حصاده وقد يكون في هيئته الأصلية كتضرب لاشتراكه بين المؤنث والمذكر أو العارضية كمختار حيث اتحد فيه هيئة الفاعل والمفعول لما طرأ عليه من الاعلال أو مركب كما في قوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فإن الموصول بصلته يحتمل ولي الزوجة فيكون أثر العفو براءة ذمة الزوجة أو الزوج فيكون أثره استحقاقهما كمال المهر ومنه الاستثناء بمجمل نحو أحل لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ولا يذهب عليك أن الفرق بين هذين القسمين اعتباري ثم الاجمال كما يكون بالنسبة إلى المعنى الحقيقي كذلك يكون بالنسبة إلى المعنى المجازي وذلك حيث يستعمل اللفظ مع قرينة صارفة ويتعدد المعاني المجازية من غير قرينة معينة كقولك رأيت شمسا يتكلم حيث يتردد فيها بين الانسان الجميل والجليل أو يتعين المعنى المجازي لكن يطلق باعتباره على فرد معين لا دليل في الظاهر على تعيينه نحو جئني بأسد كان معنا أمس في الحمام وقد يكون بين المعنى الحقيقي والمجازي وذلك حيث يكون المجاز مشهورا كصيغة الامر في الوجوب والندب عند صاحب المعالم ومتابعيه وقد يقع الاجمال في الكتابة كحديث لا سبق المحتمل للسكون والتحريك وفي الإشارة كما لو سئل عن عدد شئ فأشار بأصابعه الأربع مثلا مرتين حيث يتردد بين أن يكون المراد بالتكرير التأكيد أو التأسيس إلى غير ذلك إذا عرفت هذا فاعلم أن هنا مواضع قد وقع الخلاف في كونها من المجمل ولا بد لنا من إيرادها و تحقيق ما هو الحق فيها فمنها قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فذهب السيد وجماعة إلى أنها مجملة باعتبار لفظ اليد حيث يطلق على العضو المعروف إلى الأشاجع وإلى الزند وإلى المرفق وإلى المنكب فيقال أدخلت يدي في الماء إلى الأشاجع وإلى الزند وإلى المرفق وإلى المنكب وأعطيت بيدي وإنما أعطاه بأنامله وكتبت بيدي وإنما كتبه بأصابعه وظاهر الاستعمال دليل الحقيقة فيحصل الاشتراك ويتأتى الاجمال ومنهم من جعلها مجملة باعتبار لفظ القطع أيضا لأنه يطلق على الإبانة وعلى الجرح كما يقال لمن جرح يده بالسكين قطعها وذهب المحققون إلى أنه لا إجمال فيها بالاعتبارين أما باعتبار اليد فلأنها حقيقة في المجموع فقط بدليل التبادر فلا اشتراك فلا إجمال وأما إطلاقها على الابعاض فمجاز بدليل أنها لا تفهم إلا بالقرينة وليس في الموارد المذكورة إلا مجرد الاستعمال وهو أعم من الحقيقة كما مر والتحقيق أنه يجوز أن تكون اليد في المواضع المذكورة مستعملة في المجموع ويكون المسامحة في التعليق حيث علق الفعل المتعلق بالبعض أنه يجوز أن تكون اليد في المواضع المذكورة مستعملة في المجموع ويكون المسامحة في التعليق حيث علق الفعل المتعلق بالبعض على الكل و هو شائع في الاستعمال يقال دخل زيد في الماء إلى ركبته وإلى ظهره و إلى ترقوته على أنا لا نسلم استناد الاعطاء والكتابة في المثالين الأخيرين إلى بعض اليد بل إلى تمامها مع احتمال أن يكون إطلاق اليد على غير المعنى الأول من معانيها المذكورة على الحقيقة لا بطريق الاشتراك اللفظي بل المعنوي بأن تكون موضوعة للآلة التي يتعاطى بها الافعال المعهودة فيصدق على اليد إلى الزند وما فوقه على الحقيقة لكن يعتبر في صدقه على ما دون المجموع الانفصال و أما مع الاتصال فالمجموع يد واحدة قطعا كالحبل والعصي ولهذا لا يقال أي يد يمنى زيد جرحت إذ لا أيدي يمنى لزيد وأما باعتبار القطع فلانه ظاهر في الإبانة أو حقيقة فيها بدليل التبادر وإطلاقه على الجرح على خلاف الظاهر و لهذا لا يصار إليه إلا بقرينة فلا إجمال فيه أيضا ومنها قوله صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل لا نكاح إلا بولي إلى غير ذلك مما تعلق النفي فيه بنفس الفعل فعدها بعضهم من المجمل وفصل بعضهم بين ما إذا كان الفعل المنفي شرعيا أو لغويا له حكم واحد وبين ما إذا كان لغويا له أكثر من حكم واحد فعد الثاني منه دون الأول والأكثر على عدم الاجمال مطلقا وأنه إن أمكن الحمل على نفى المسمى تعين وإلا فإن أمكن الحمل على نفي الصحة تعين أيضا وإلا حمل على نفي الكمال وهو المختار لنا على المقام الأول أن ظاهر النفي يقتضي نفي الماهية لتعلقه بها والتقدير إمكانه فيتعين الحمل عليه ولا إجمال ولا يذهب عليك أن هذا إنما يتجه في ألفاظ العبادات و المعاملات بناء على ما نذهب إليه من أنها موضوعة لخصوص المعاني الصحيحة وأما على القول بأنها موضوعة للأعم منها ومن الفاسدة فيمتنع حمل النفي على نفي الماهية مطلقا لان المعنى الأعم لا يلزم أن ينتفي بانتفاء بعض أجزائه أو شرائطه وعلى المقام الثاني أن الظاهر من مثله عرفا نفي الصحة أقرب فيتعين تقديرها ولا إجمال لان ظواهر العرفية حجة كنصوصها والمشهور في الاحتجاج عليه أن نفي الصحة أقرب إلى نفي الذات من نفي غيرها فيتعين الحمل عليها لأنها أقرب المجازين بالنسبة إلى الحقيقة المتعذرة واعترض عليه بأنه من إثبات اللغة بالترجيح وهو فاسد وأجيب بالمنع من كونه إثباتا لها بمجرد الترجيح بل بمساعدة فهم العرف وهو راجع إلى ما قلناه واستدل عليه بعضهم بأن الدال على نفي الذات دال على نفي الصفات أيضا فإذا ترك العمل به في نفى الذات لتحققها وجب العمل به في الثاني لعدم الموجب ثم أورد على نفسه بأن دلالة النفي على نفي الصفات عند تعليقه على
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»