أصحابنا الذين بذلوا مجهودهم في تحصيل الاحكام وبالغوا في تهذيب مداركها وتنقيح مسالكها مع خلوص قصدهم في الافتاء عن الاغراض النفسانية والدواعي الشهوانية فإن الخلاف المشتمل على طرفي النقيض ممتنع أن يكون حقا عند غير أهل التصويب فقضية ما قرر من الوجوه وجوب ظهور الإمام على من أخطأ في النظر ولو سرا لارشاده إلى الحق إما بحجة بينة أو بإقامة معجزة ولو وقع مثل ذلك لشاع وذاع ولأدى إلى انحسام مادة النزاع وانقطاع الاختلاف بين أولى الدراية والانصاف وكل ذلك معلوم الخلاف وأما ثانيا فبالحل وهو أن الذي يساعد عليه العقل ويعاضده الواقع إنما هو وجوب تبليغ الاحكام في الجملة لا مطلقا فإنا نرى بالعيان أن كثيرا من الكفار النائين عن بلاد الاسلام ولا سيما المخدرات منهم في الحجال ما بلغت إليهم دعوة النبي صلى الله عليه وآله ولا سمعوا بمعجزاته ولا خطرت بأوهامهم وجوب الفحص والتتبع لتحصيل الحق فلو كان الواجب عليه تعالى هو التبليغ العام وإتمام الحجة على جميع الأنام لكان في عدم تبليغ أولئك المذكورين وعدم إتمام الحجة عليهم تاركا للواجب ومرتكبا للقبيح تعالى عن ذلك علوا كبيرا وكذا الكلام بالنسبة إلى الذين ماتوا في الفترة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله أو قبل وصول الخبر إليهم أو قبل ثبوت الحق لديهم وبالجملة لو وجب التبليغ العام على الاطلاق لحصل التبليغ بالنسبة إلى كل من بلغ عاقلا من غير أن يتأخر التبليغ في حقه من أول زمن بلوغه وعقله مع أن انتفاءه معلوم بالوجدان والمشاهدة والعيان بل نقول لا يجب عليه تشريع الاحكام على الاطلاق فضلا عن وجوب تبليغها على الاطلاق فإن الصبي المراهق الذي لم يبلغ حد البلوغ قد يكون أذكى و أعقل من كثير من البالغين ومع ذلك لم يشرع في حقه الاحكام الايجابية والتحريمية فاتضح أن الواجب عليه تعالى إنما هو تشريع الاحكام في الجملة ولو بالنسبة إلى الذين بلغوا حد البلوغ وكذلك الواجب عليه تعالى إنما هو التبليغ في الجملة ولو بالطريق المعتاد بين العباد فيكفي إرسال الرسل ونصب الحجج مع تبليغ البعض سواء تمكنوا من التبليغ إلى الكل وبلغوا أو حصل هناك موانع منعهم عن التبليغ إلى البعض فلم يبلغوا إليهم فإنه لا يجب [عليه تعالى إبقاء المكلفين إلى أن يحصل التبليغ في حقهم ولا تمكين المبلغين من التبليغ إلى الباقين] عليه تمكينهم من التبليغ إليهم بدفع مكائد الطواغيت ودفع شرورهم عنهم وبهذا البيان يندفع الوجوه الثلاثة الأول فإن قلت فما الفائدة في إرسال الرسل ونصب الحجج إذا لم يتمكنوا [إذا منعوا] من التبليغ العام بالنسبة إلى الذين لم يتمكنوا من تبليغهم وأيضا أي فرق بين منعهم وبين منعه تعالى إياهم عن التبليغ قهرا مع أن ذلك على إطلاقه متضح الفساد قلت الفائدة تحمل الطواغيت لأوزار من حالوا بينهم وبين وصول التبليغ إليهم حيث ظلموهم بما حجبوهم فيحصل الغرض الداعي إلى التكليف في حق المانع والممنوع كما يحصل على تقدير الوصول وبهذا يظهر الفرق بين الصورتين وبه يندفع الوجه الرابع ولعل هذا هو الذي أشار إليه المحقق الطوسي في تجريده من أن وجوده يعني الامام لطف وتصرفه لطف آخر و عدمه منا وقريب منه ما ذكره السيد المرتضى رضي الله عنه حيث قال ولا يجب عليه الظهور إذا كنا نحن السبب في استتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرفه وبما معه من الاحكام يكون قد آتينا من قبل نفوسنا ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدى إلينا الحق الذي عنده انتهى ومما مر يظهر الجواب عن الاخبار أيضا فإن فيها قيدا قد طوى ذكره تعويلا على الوضوح والظهور و المراد ردهم وأتم لهم إن تمكن منه تمكنا عاديا فإن العبرة في التمكن هنا التمكن العادي كما يدل عليه ملاحظة سيرتهم ومجرى طريقتهم وعلى قياسه الكلام في بقية الاخبار ويمكن تنزيلها على أنه عليه السلام يساعدهم عند وجود الموانع من ظهوره بالإفاضات المعنوية والفتوحات [والفيوضات] السرية على الوصول إلى المهمات الشرعية التي يفضي إنكارها إلى الخروج من الايمان أو نقصان درجة صاحبه فيه كما يرشد إليه قوله عليه السلام فإن آدابه في قلوب المؤمنين مثبتة وفي غير واحد من الاخبار أنهم ينتفعون بالحجة القائم في غيبته كما ينتفع بالشمس إذا سرها السحاب ثم اعلم أن الشيخ قد صرح في العدة بما حاصله أنا لو وجدنا بين الطائفة قولا ولم نقف له على مخالف ولا على ما يقتضي صحته أو فساده وجب القطع بصحة ذلك القول وأنه موافق لقول المعصوم صلوات الله عليهم إذ لو خالفه لوجب عليه أن يظهر خلافه وعلله ببعض الوجوه المذكورة فعلى هذا يكفي في الحجية قول الواحد أيضا لكن ينبغي أن لا يسمى إجماعا لاتفاقهم على أخذ الاتفاق في تعريفه وإن اختلفوا في سائر قيوده إلا أن يأخذ القول الكاشف مع المستكشف عنه ويسمى المجموع إجماعا ويشكل بأن مجرد عدم وجدان وجود المخالف لا يقتضي عدم وجوده وطريقته على تقدير صحتها إنما تساعد على عدم وجوب الظهور عند عدم وجود المخالف لا عند عدم وجدانه وقد يعترض على الشيخ بأنه يكفي في إلقاء الخلاف بينهم أن يظهر ولو على وجه لا يعرف كونه إماما ويظهر القول بالخلاف بل يكفي قول الفقيه المعلوم النسب به بل يكفي وجود رواية دالة عليه وهذا الاعتراض غير متجه إذ الوجه الأول لا يوافق غرض الشيخ من ردع الأمة وردهم إلى الحق والثاني خارج عن محل الفرض إذ الكلام حيث لا يوجد مخالف والوجه الثالث راجع إلى أحد الوجهين السابقين لان الرواية الموجودة إن كانت بحيث تنهض حجة في الظاهر عند الكل أو عند العاثر بها فهي سنة قطعية على الخلاف وقد اعتبر الشيخ عدمها فإنه أراد بها ما تكون قطعية ولو في الظاهر كما يساعد عليه طريقته فيخرج عن محل الفرض وإن لم ينهض حجة في الظاهر لم يجد وجودها في دفع ما جعله الشيخ سببا لوجوب الظهور نعم كان على الشيخ أن يشترط في قطعية الاجماع بعد اشتراطه عدم وجود دليل قطعي على الخلاف أمورا منها أن يكون ذلك الدليل القطعي قد بلغ إلى المتفقين كلا أو بعضا فلو قدر وجود دليل قطعي وخفي على المتفقين لم يكن مغنيا عن ظهور الإمام على ما يقتضيه طريقته ومنها مضي زمان يمكن ظهور المعصوم فيه بعد انعقاد الاجماع إذ لا حجية في الاجماع [للاجماع] قبله لعدم العلم حينئذ بموافقة المعصوم ومنها أن يعلم بقاء المتفقين على آرائهم في تلك المدة فلو احتمل رجوعهم أو رجوع بعضهم لم يحصل القطع بموافقة المعصوم لهم وإن قطع بعدم ظهوره على أحدهم ومنها أن يعلم بعدم حدوث قول بالخلاف في تلك المدة إذ مع تجويزه ذلك لا يقطع بقول المعصوم لجواز أن لا
(٢٤٦)