الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٤٥
بقول الجميع وإن توقف على العلم بقول الامام لأنه أحد آحاد المجمعين لكنه لا يتوقف على العلم بقوله من حيث كونه إماما بل يتوقف على العلم بقوله من حيث كونه أحد المجمعين والمقصود بتحصيل العلم بقوله من حيث كونه إماما لأنه الناهض حجة على الحكم فلا دور الثاني أن يتظافر نقل إطباق الكل واتفاقهم إلى أن يبلغ حد التواتر أو يخبر به عدد دون التواتر وينضم إليه القرائن المفيدة وحيث يحصل العلم باتفاق الكل بأحد الطريقين كان إجماعا وحجة لكشفه عن قول المعصوم ولا يتوجه عليه شئ من الاشكالين أما الأول فلكشف الاتفاق المذكور عن الحكم ولو بواسطة كشفه عن قول المعصوم ولهذا لو كان المخبر هو قول البعض لم يستلزم الكشف فصح إطلاق الحجة والدليل عليه ولم يلزم عليه لغو وأما الثاني فلان العلم بالجميع في هذه الصورة غير مسبوق بالعلم بالآحاد حتى يتوجه إليه إشكال الدور لظهور عدم استناده إليه بل كلاهما مستندان إلى الخبر المتواتر أو المحفوف بقرائن الصدق إلا أن العلم بالثاني تفصيلا مستند إليه بواسطة العلم بالأول وكذا الكلام فيما لو حصل العلم بقول البعض بطريق التتبع وبقول الآخرين بطريق النقل الثالث أن يعلم قول من عدا المعصوم أو جماعة منهم بأحد الطريقين السابقين ونعلم قوله وحده أو مع قول الباقين بالعلم بقولهم و لا فرق حينئذ بين أن يعرف الامام بشخصه ووصفه أو لا أما القسم الأول فلا إشكال في كون الاتفاق فيه إجماعا وحجة مطلقا لان قول من عدا المعصوم حينئذ كاشف عن قوله مطلقا وقوله كاشف عن الحكم فقول الكل حجة على الحكم وكاشف عنه فهو على حد الصورة السابقة التي حكمنا بالكشف فيها وإن كان فرق ما بينهما من أن أقوال الجميع هناك كاشف عن قول المعصوم وهنا قول من عداه كاشف عن قوله وأما القسم الثاني فلا إشكال فيه في حجية القول الكاشف عن قول المعصوم كما لا إشكال في حجية المجموع منهما كما عرفت لكنه خارج عن محل الفرض لان الكلام في الاجماع بمعنى اتفاق الكل وهو هنا مشتمل على ما ليس بحجة وهو القول المستكشف عنه كاشفا عنه مما عدا قول المعصوم فإنه مما لا مدخل له في الكشف عن الحكم فلا يصح وصفه بالحجية كما عرفت نعم لو كان القول المستكشف عنه كاشفا عن قول المعصوم صح إطلاق الحجة عليه وعلى المجموع كما لو كشف قول المتأخرين عن قول المتقدمين و كشف قول المتقدمين عن قول المعصوم الرابع أن يوجد على الحكم حجة واضحة من آية محكمة أو سنة متواترة أو سيرة قطعية بحيث يكشف عن إطباق الكل على مقتضاها كشفا قطعيا فيقطع بقول المعصوم أيضا والتحقيق أن هذا الاتفاق مع خلو العلم به عن الفائدة لسبق الدليل القطعي عليه مما لا ينبغي أن يسمى إجماعا إذ لا مدخل له في الكشف وربما أمكن أن يفصل حينئذ بين الاتفاق الذي لو قطع النظر عن كشف الدليل المذكور عن قول المعصوم لكشف عنه الاتفاق وبين غيره فيسمى الأول إجماعا نظرا إلى كونه دليلا على الحكم بمعنى كونه مما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب دون الثاني ومما قررنا يتضح أن اعتبارهم في الاجماع وجود رجل مجهول النسب في المجمعين مما لا حاجة إليه فإنه إنما يتم مع العلم بنسب الكل أيضا وكذا لا حاجة إلى ما أول الفاضل المذكور كلامهم به من عدم العلم بأجمعهم تفصيلا فإنه يمكن مع العلم به [بهم] تفصيلا أيضا و أعلم أنهم إنما اعتبروا دخول مجهول النسب في الاجماع ليجامع العلم الاجمالي بدخول المعصوم في المجمعين ولا خفاء في أنه مع اتحاد شخصه يرتفع الجهالة ويوجب العلم بأنه هو المعصوم فيلزم أن ينتفي فائدة الاجماع على ما اعترف به صاحب المعالم وغيره بل يلزم على ما قررنا انتفاء ماهية الاجماع ولو اعتبر تعددهم فمع خلو أكثر كلماتهم عنه يوجب أن تكون الحجة في اتفاقهم فيلغى اعتبار اتفاق الباقين ولا قائل به ثم لا يذهب عليك أن أكثر الصور المذكورة مما يبعد وقوعه في زمن ظهور الأئمة عليهم السلام ويتعذر في زمن الغيبة فتعميم الاجماع الذي هو أصل من الأصول الشرعية إليها عري من الثمرة والبحث عنها عديم الجدوى والفائدة الثانية ما ذكره الشيخ وجماعة وهو أن الأمة إذا اتفقت على حكم ولم يكن في الكتاب والسنة المقطوع بها ما يدل على خلافه تعين أن يكون حقا و إلا لوجب على الامام أن يظهر ويظهر خلافه ولو بإعلام بعض ثقاته حتى يؤدي الحق إلى الأمة ولا بد أن تكون معه معجزة يدل على صدقه ليمكن التعويل على دعوته والذي يدل على ذلك أمور منها أن التكليف بما يقتضيه الواقع لطف والاخلال باللطف قبيح وهو موقوف في محل الفرض على البيان بالوجه المذكور فيجب ومنها أن اتفاق الأمة على الباطل قبيح والامام متمكن من ردعهم إلى الحق كلا أو بعضا بإظهار المعجزة وإقامته البينة فيجب عليه الظهور و ردعهم ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها أن الحكمة الداعية إلى تشريع الاحكام الباعثة على بعث الأنبياء ونصب الأوصياء داعية إلى تشريع الحكم الخاص أيضا فيجب تبليغه كما يجب تبليغها لينحسم عذر الخلق على الحق في أمر التكاليف ولا يكون للناس على الله حجة فيها ومنها أن الغرض الداعي إلى نصب الإمام إنما هو تبليغ الاحكام فإذا قدر عدم إمكان التبليغ في حقه أو عدم مساعدة الحكمة عليه لم يكن فائدة في نصبه ووجوده فيبطل ما اتفقت الامامية عليه ونطقت به الاخبار من عدم خلو عصر عن الحجة و منها ما ورد في جملة من الاخبار من أن الزمان لا يخلو عن حجة كي إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا أتم لهم ولولا ذلك لاختلط على الناس أمورهم وعن النبي صلى الله عليه وآله أن لكل بدعة من بعدي يكاد بها الايمان وليا من أهل بيتي موكلا يذب عنه ويبين الحق ويرد كيد الكائدين وعنهم عليهم السلام أن لنا في كل خلف عدولا ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وعن أمير المؤمنين عليه السلام اللهم لا بد من أرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك لئلا يبطل حجتك ولا يضل تبع أوليائك بعد إذ هديتهم به إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتم مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون وقد جاء في عدة أخبار في تفسير قوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد أن المنذر رسول الله صلى الله عليه وآله وفي كل زمان إمام ما يهديهم إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وهذه الطريقة ضعيفة و الوجوه المذكورة مدفوعة أما أولا فبالنقض بالمسائل التي وقع الخلاف فيها بين
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»